محليات
0

الدوحة - قنا
يحتفي المجتمع القطري بليلة /القرنقعوه/ التراثية التي تصادف النصف من رمضان، ويكون الأطفال الصغار هم محورها، حيث يتبارون في ارتداء أجمل الثياب التراثية، فرحا بانقضاء نصف الشهر الفضيل، واستعدادا لعيد الفطر السعيد.
وفي هذا الصدد، قال السيد فيصل التميمي الباحث والمختص في التراث، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إن ليلة /القرنقعوه/ مناسبة اجتماعية مهمة في قطر، ولها تاريخ قديم، مشيرا إلى أن كلمة /قرنقعوه/ مأخوذة من القرقعة، حيث إن الأولاد والبنات، كانت تخيط لهم الأمهات أكياسا من قطع القماش المتبقية في البيت، عند خياطة فستان أو ثوب أو غير ذلك، حيث بدل أن يستغنوا عن هذه القطع، فإنهم كانوا يحسنون استعمالها، مشيرا إلى أن الأم كانت تتكفل بنفسها في البيت بهذه المهمة، وتخيط الكيس به شريط يعلقه الطفل في رقبته، حيث إنه عندما يحمله يكون فارغا، ويملؤه ببعض الأحجار، ويبدأ بضرب الأحجار ببعضها حتى يسمعه الناس، إذ لم يكن حينها لا هدير لمحركات السيارات والمكيفات الذي يعيق وصول الصوت الآن.
وأضاف: "في هذه الليلة، يخرج الأطفال من عصر يوم 14 رمضان، احتفالا بمرور نصف الشهر، واستعدادا للعشر الأواخر، وكأنهم يعدون (بروفة) للعيد، حيث يمرون على البيوت، ويرددون الأهزوجة الخالدة "قرنقعوه.. قرقاعوه.. عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم.. يا مكة يا المعمورة.. يا أم السلاسل والذهب يا نورة، عطونا من مال الله.. يسلم لكم عبدالله، عطونا دحبة ميزان يسلم لكم عزيزان.. يا بنية يا الحبابة.. أبوج مشرع بابه.. باب الكرم ما صكه ولا حط له بوابة".
وعندما ينتهي صاحب البيت من إعطاء الأطفال /المقسوم/، ويضع لهم في أكياسهم القرنقعوه وهو عبارة عن خليط من المكسرات والحلويات، يبدأ الأطفال بتحدي بعضهم البعض في من يجمع أكبر قدر ممكن من القرنقعوه.
وأشار إلى أن أهل بيت من الجيران عندما يعطون للأطفال القرنقعوه يغنون الأهزوجة سالفة الذكر، ويقولون: (من عواده)، أي داعين الله لهم بأن يعيد عليهم هذه المناسبة في كل عام، ودعاء بالحفظ. وإذا لم يعطوهم يغنون أغنية ثانية تعبر عن شقاوة الأطفال، يعبرون بها عن غضبهم.
وأضاف أن البيوت بما أنها كانت متقاربة، فإن الصغار يعرفون صاحب هذا البيت وأهله، فكانوا يضيفون للأغنية أسماء أبناء صاحب هذا البيت، مثل (عطونا من مال الله.. يسلم لكم عبدالله)، لأن البيت فيه طفل اسمه (عبدالله)، أو (اعطونا قحفة خيشة يسلم لكم عويشة)، تصغيرا لاسم عائشة.
وأوضح الباحث التراثي أن الأطفال في ليلة القرنقعوه آنذاك، كانوا يرتدون لباسا عاديا خاصا، وكأنه تجهيز لليوم الكبير، وهو يوم العيد، منوها بأنه في الوقت الحالي تغيرت الظروف، حيث إن خروج الأطفال في القرنقعوه صار محدودا وتكاد هذه العادة التراثية أن تختفي. لكن، بفضل وعي الأهالي بدأوا في إحيائها من جديد، ورجعت على شكل مؤسساتي، لافتا إلى أن أول من ابتدر الاحتفال المؤسساتي هو نادي الجسرة في بدايات ثمانينيات القرن الماضي. وقال بهذا الخصوص: "أذكر حينها أنهم صمموا الأكياس، ومطبوع عليها اسم نادي الجسرة، وكانت ثورة عند الصغار، حيث أشاد الجميع بالمبادرة، واهتمام النادي بهم، وتوزيع هذه الأكياس بالمجان. وبعدها بدأت المؤسسات، والوزارات، والشركات، والهيئات في إحياء هذا التقليد الجميل، ورافق ذلك إبداع في شكل كيس القرنقعوه، وأصبحت عبارة عن صناديق أو كراتين، وتنتعش تجارتها في شهر رمضان بتصاميم معينة خاصة بهذه المؤسسة أو تلك، وأصبح هناك تجديد، لكنه مرتبط بالموروث.
واختتم التميمي تصريحه لـ/قنا/ قائلا: "كما أن الملابس حاليا لهذه المناسبة، أصبحت خصيصا لها، وتكلفتها أحيانا أعلى من تكلفة ملابس العيد، نظرا لأن فيها زركشات و"زري" وزخارف، وفيها شغل يدوي مستوحى من روح التراث. لهذا يكون سعرها غاليا".
تجدر الإشارة إلى أن الاحتفال بليلة /القرنقعوه/، رسالة هادفة توثق عرى العلاقات الاجتماعية بين الكبار والصغار، وتوطد الروابط الأسرية بين الأهل والجيران، كما يسهم في تأصيل روح التكافل والتعاضد والمشاركة بين أبناء الحي الواحد /الفريج/.
و/القرنقعوه/ رغم كونها عادة تراثية قديمة، لا يزال القطريون والخليجيون متمسكين بإحيائها، ومع تطور الزمن أخذ الاحتفال بها طابعا أكثر عصرية.
وتساهم هذه العادة التراثية بشكل كبير في توطيد العلاقات الاجتماعية بين الأطفال والجيران، كما تمنح الأطفال ثقة في أنفسهم وبناء شخصيتهم، وتعريف الأجيال الناشئة بعادات قطر الصحيحة وقيمها الراسخة التي تبث روح المودة والألفة والمحبة بين أفراد المجتمع، وتحافظ على التآخي والتواصل والتعاضد وصلة الرحم.
اقرأ المزيد
مساحة إعلانية
0 تعليق