يفصل الطب الأجساد.. وتعيد السعودية للحياة توازنها

جريدة عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

حين يصدح صوت المولود الأول تهتز جدران البيت برعشة الحياة الأولى، ويرتجف قلب الأم كأن الكون بأسره انحنى ليمسح على رأس هذا القادم الجديد!

وحين تكون الفرحة مضاعفة، يولد للأمل جناحان يحلق بهما الوالدان في فضاء من الأحلام، إذ يرى الأب في صغيريه امتدادا له، وترى الأم فيهما لوحة متناظرة من الحب والدفء.. لكن الحياة في عبثها الحكيم لا تمنح النِعم إلا ملفوفة بأسئلتها الكبرى! ولا تطرق الأبواب إلا محملة باختبارات لا إجابات جاهزة لها!

ذات لحظة يتغير وقع الزمن، يتباطأ كل شيء وكأن عقارب الساعة تتعثر عند الحقيقة التي لم يتوقعها أحد حين يهمس الأطباء «إنهما توأم سيامي»، عند هذه اللحظة لا يكون السؤال طبيا فحسب! بل وجوديا بامتياز! ما معنى أن يولد الإنسان بلا انفصال؟ كيف يمكن لروحين أن تشتركا في جسد واحد؟ هل هذا قيد، أم أنه في جوهره صورة أخرى من صور الارتباط المطلق؟

يقف الوالدان على حافة الحيرة بين حبٍّ يتجاوز الجسد وخوفٍ يعجز عن احتوائه أي قلب! يرون طفليهما متشابكين منذ الولادة كأنهما لم ينفصلا منذ الأزل وكأن الفراق ليس خيارا مطروحا على طاولة القدر.. لكن في أعماق الخوف يولد الرجاء، وبين ظلال الشك يشع اسم واحد كأنه مفتاح لبوابة المستحيل..

«الدكتور عبدالله الربيعة» الرجل الذي لا يفصل الأجساد فحسب، بل يفصل الحزن عن الفرح واليأس عن الرجاء، ويعيد للقلوب ربيعها وكأن هذه الأسر أخذت من اسمه نصيبا.. لكن هذه القصص ليست مجرد لحظة عابرة في عالم الطب! بل هي جزء من مسيرة طويلة سطّرتها السعودية العظمى عبر «البرنامج السعودي لفصل التوائم الملتصقة»..

هذا الصرح الطبي الذي أصبح رمزا عالميا في منح الحياة معنى جديدا..

حين تتحول الأرقام إلى فلسفة حياة! ليس من السهل أن تُمنح الفرص من جديد، ولكن حين تتحدث الأرقام، فإنها تخبرنا أن المستحيل لم يعد كذلك!

منذ تأسيس البرنامج أُجريت 62 عملية ناجحة لفصل التوائم السيامية، لم تكن مجرد جراحات طبية، بل إعادة تشكيل للمصير نفسه.. 62 مرة، توقفت الحياة للحظة، ثم عادت تنبض من جديد.. 27 دولة حول العالم شهدت بأعينها كيف يمكن للإنسانية أن تكون بلا حدود وكيف أن السعودية العظمى لا تتعامل مع المرضى بوصفهم حالات طبية بل بوصفهم حكايات تستحق أن تروى، وأرواحا تستحق فرصة أخرى للحياة..

أخبار ذات صلة

 

عمليات تمتد من 9 إلى 18 ساعة، لا تحتسب بالدقائق والثواني، بل بكمية الرجاء الذي يُزرع في قلوب الآباء، والرهبة التي تتحول إلى تصفيق لحظة إعلان النجاح! في مستشفى الملك عبدالله التخصصي للأطفال بمدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني بالرياض، لا تجرى الجراحات فقط، بل تصنع المعجزات!

هنا، تتجلى فلسفة الطموح السعودي العظيم.. لم يكن هذا المركز مجرد غرفة عمليات! بل كان حاضنة للمعجزات، إذ اجتمعت العقول والقلوب على هدف واحد وهو إعادة رسم مصير أطفال وُلِدوا في جسدٍ واحد ومنحهم فرصة ليعيشوا الحياة بكل أبعادها! وبقيادة الدكتور عبدالله الربيعة أصبحت السعودية العظمى مرجعا عالميا في فصل التوائم السيامية بإجراء مئات العمليات الناجحة واستقبال حالات من مختلف أنحاء العالم لترسّخ بذلك مكانتها ليس فقط كدولة رائدة في الطب والجراحة بل كحاضنةٍ للإنسانية في أبهى صورها..

إنها السعودية العظمى يا سادة التي تبني الإنسان قبل أن تبني المكان، والتي تشكل الإنجاز ليس كمجرد عمل طبي! بل هو انعكاس لرؤية أعادت تعريف الطموح.

إن رؤية المملكة 2030 لم تكن نهضة اقتصادية، ولم تتوقف عند حدود التكنولوجيا والتقدم العمراني، بل تجاوزت ذلك إلى جوهر التنمية الحقيقي في بناء الإنسان.

نعم، السعودية العظمى، لا تبني المدن فقط، بل تبني الأرواح.. ولا تُخطط الأوطان لمستقبلها بالأرقام وحدها.. بل بالأيدي التي تمتد لإنقاذ حياة.. وبكل نبضة قلب كادت أن تنتهي ثم عادت للنبض من جديد.. في مكان ما ربما هنا وربما هناك، طفلان ينامان منفصلين لأول مرة! كأنهما ذاقا طعم الحرية منذ ولادتهما! وفي الخلف هناك رجل يرتدي معطفا أبيض يبتسم كما لو أنه اعتاد رؤية المستحيل يتحقق بين يديه، ثم يغادر المشهد..

إلى غرفة أخرى.. إلى طفل آخر.. إلى أسرة أخرى.. إلى معجزة جديدة!

لأن في السعودية العظمى، لا يُكتب التاريخ فقط! بل تُعاد صياغة معنى الحياة نفسها.

* كاتبة سعودية

أخبار ذات صلة

0 تعليق