محليات
2
جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب
الدوحة - قنا
يعد شهر رمضان المبارك، أفضل شهور العام، وأكثرها خيرا وبركة، كما أن الليالي العشر الأواخر منه هي أعظم لياليه، وفيها ليلة القدر، أشرف الليالي وأجلها قدرا، والتي "فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ". لذلك، فالعشر الأواخر من رمضان أوقات فاضلة ونفحات ربانية مباركة، يحرص أغلب الصائمين على استثمارها واغتنام كل لحظة ونفس فيها بالطاعات والقربات.
وقد حدد العلماء أعمالا وقربات ينبغي على الصائم الحرص عليها في العشر الأواخر من رمضان، لتكون له حسن ختام، ويحصد الأجر والثواب، فالأعمال بخواتيمها. وقد دلت السنة المطهرة على ضرورة اغتنام هذه الليالي التي تتكرر في العام مرة واحدة، والتي ميزها الله تعالى بخصائص لا توجد في سواها، وبعطايا لا سبيل لتحصيلها في غيرها من الليالي.
وشدد العلماء، في الماضي والحاضر، على أن أول ما ينبغي للصائم التحلي به في العشر الأواخر، وفي شهر رمضان كله، ترك الخصومة والتباغض والتشاحن، ففي الحديث الشريف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم"، ويتأكد هذا في العشر الأواخر من الشهر الفضيل، خصوصا أن سبب رفع تعيين ليلة القدر كان الخصومة والملاحاة، كما في الحديث الشريف: "عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: "خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم".
ومن أعمال الليالي العشر أيضا كثرة الاجتهاد في العبادة، والحرص على استغلال الوقت في الصلاة وتلاوة القرآن، تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره"، وعنها أيضا قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله".
ولعل أفضل أعمال العشر الأواخر على الإطلاق، الاعتكاف في المساجد. والاعتكاف لغة لزوم المكان وعدم مفارقته، واصطلاحا لزوم المسجد وعدم الخروج منه طيلة الليالي العشر من شهر رمضان إلا لضرورة، وهو سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من شهر رمضان، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما.
والحكمة من الاعتكاف اعتزال الدنيا والناس، وهو فرصة يخلو فيها المرء مع ربه، وينقي فيها قلبه من أدران الدنيا. وقد قال ابن قيم الجوزية توضيحا لهذا المعنى إن "عكوف القلب على الله تعالى وجمعيته عليه، والخلوة به والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذكره وحبه والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته فيستولي عليه بدلها ويصير الهم كله به والخطرات كلها بذكره والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه، فيصير أنسه بالله بدلا عن أنسه بالخلق فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له ولا ما يفرح به سواه".
ويبدأ الاعتكاف من غروب شمس ليلة 21 رمضان وينتهي بغروب شمس الليلة الأخيرة من الشهر، وهو سنة للرجال والنساء معا، إلا أن المرأة تحتاج لإذن زوجها أو وليها، شرط وجود مكان في المسجد خاص بالنساء، وعدم تعطيل واجباتها الأسرية والعملية، ولا يصح اعتكافها في بيتها، ويخرج المعتكف من المسجد للضرورة ويجدد نيته كلما عاد للمسجد، ويجوز لكل مسلم أن ينوي الاعتكاف مدة بقائه في المسجد.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إنما سن الاعتكاف والاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان لوجود ليلة القدر فيها، لهذا من أهم الأعمال في العشر الأواخر تحري ليلة القدر، لعظم فضلها، فهي خير من ألف شهر، أي أن العبادة فيها تعدل أو تزيد على العبادة في أكثر من 80 سنة، وقيل إن الألف شهر للتكثير، والعدد لا مفهوم له فلا حد لثواب العبادة فيها ولهذا قال الله تعالى: "خير من ألف شهر، وكان كثير من الصحابة وأئمة السلف يغتسلون ويتطيبون ويلسبون أجمل الثياب في ليالي العشر الأواخر من رمضان أو في الليالي الوترية التي يظنون أن ليلة القدر فيها.
وقال أهل العلم إن الله عز وجل أخفى ليلة القدر عن العباد، حتى يكثروا من العبادة، ويجتهدوا في العمل والطاعة، فيظهر من كان حريصا في طلبها جدا ومثابرة ، فينال الأجر المضاعف.
إن العشر الأواخر من شهر رمضان تمثل مسك الختام لأفضل شهور العام، وخير ليالي الزمان.
اقرأ المزيد
مساحة إعلانية
0 تعليق