أصبحت قضية تكويت القضاء أقرب إلى التطبيق من أي وقت مضى، وذلك عقب الخطاب الذي ألقاه سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد أمام السلطة القضائية يوم الأحد الماضي في مقر المجلس الأعلى للقضاء، والذي وجّه سموه خلاله إلى ضرورة انجاز تكويت القضاء والأجهزة المساندة له، فضلاً عمّا تضمنه مشروع وزارة العدل المرسل الى «الأعلى للقضاء» قبل نحو شهر تقريبا، ويتضمن اشارة واضحة الى التكويت خلال 5 سنوات.
وبينما عقد المجلس الأعلى، عقب خطاب صاحب السمو، اجتماعا عاجلا لبحث توجيهات سموه والعمل على إنجازها وخلص إلى إصدار بيان أكد فيه انجاز ما ورد في الخطاب الأميري، كشفت أوساط قضائية عن موافقة مجلس القضاء على الموعد المحدد في مشروع القانون المرفوع من الحكومة ممثلة بوزارة العدل، على أن يكون تكويت القضاء خلال خمس سنوات، مبينة أن المجلس ارسل موافقته بذلك في الملاحظات التي بعثها الى وزير العدل على مشروع تعديل قانون تنظيم القضاء.
حيز التنفيذ
وأضافت أنه لإدخال قضية تكويت القضاء حيز التنفيذ، فإن مجلس القضاء مطالب اليوم بإجراء عدة تغييرات داخلية تضمن إنفاذ ذلك الامر، لاسيما أن التغيير سيطال تركيبة القضاء التي تضم في القضاء والنيابة نحو 1400 عنصر قضائي، ليشمل هذا التغيير 30 في المئة من قدرة المنظومة القضائية، في ظل حاجة إلى توفير العناصر الفنية التي تحل مكان تلك العناصر التي ستترك الخدمة خلال 5 سنوات.
كما يجب أن تضمن تلك التغييرات عدم إحداث أي ربكة فنية من شأنها أن تؤثر على جودة العمل، ولا تؤثر على آليات القبول للعناصر الوطنية التي سيتم ضمها إلى المرفق القضائي، وذلك لأن أخطر الحلول التي قد تتأثر بها المنظومة القضائية هي استحداث الحلول الوقتية التي قد تغطي ظاهرياً بالأعداد التي سيرتبها الإحلال الفني الذي سوف يسببه تكويت القضاء، ولكن تلك الحلول سوف تؤثر من جانب آخر على جودة العمل القضائي وما يسفر عنه من صدور أحكام وقرارات قد تؤثر في منظومة القضاء والعدالة على نحو عام، وهو ما يتعين معه إبعاد الحلول الوقتية وغير المدروسة عن تلك القضية، كزيادة أعداد المقبولين لمجرد تغطية النقص، أو لتعيين عدد من المتقاعدين، أو الاستعانة بالقانونيين من خارج نطاق القضاء.
«التمييز» أمام تحديات لوضع المبادئ لمواجهة 90 ألف طعن متراكم
وإنما يتعين العمل على وضع قواعد مدروسة تضمن للقضاء كفاءته وجودة أعماله، وتحافظ على تقاليده وأعرافه، وبذات الوقت تضمن عدم إدخال المرحلة الانتقالية التي ستشهدها مرحلة التكويت في مرحلة الارتباك، بما يجعل المنظومة فعلاً متأهبة ومستعدة لذلك الإحلال الفني الوطني للإحلال الفني الأجنبي الذي سيغادرنا خلال 5 سنوات.
القضاة الأجانب
والتغييرات التي سيحدثها أمر التكويت، وإن كانت ليست بكبيرة على السلطة القضائية المكونة اليوم من 1400 عنصر من القضاء والنيابة، ويشكل القضاة الأجانب منها بواقع 30 في المئة، إلا أن القضاة الأجانب يشكلون نسباً عالية جداً في محاكم كمحكمة التمييز، حيث تزيد نسبة الأجانب مقارنة بالكويتيين إلى نسبة 90 في المئة، سواء من حيث القضاة الذين تشكل بهم الدوائر القضائية في محكمة التمييز، أو حتى الذين يعملون في نيابة التمييز، ويشكلون تقريباً 160 عنصراً قضائياً أجنبياً في هذه المحكمة.
ولذلك، فإن مغادرتهم محكمة التمييز خلال 5 سنوات تمثل تحدياً كبيراً على القضاء من عدة جوانب.
الخبرات المتراكمة
والجانب الأول الذي يمثل تحدياً بمغادرة القضاة الأجانب في محكمة التمييز، والذين تم اختيارهم من بلدانهم على أسس الخبرة والكفاءة والتخصص والخبرات المتراكمة للفصل في النزاعات المعقدة في المجالات كافة، فضلاً عن أنهم يشاركون في وضع القواعد القانونية والمبادئ التي تقررها المحكمة باعتبارها محكمة عليا، على أن تلتزم المحاكم الأدنى بتلك القواعد والمبادئ.
ومن ثم، فإن الإحلال الفني الوطني يتعين ألا يؤثر على ذلك البعد الفني المهم لمحكمة التمييز، وتكون العناصر الوطنية الفنية جاهزة لتحقيقه فعلياً بعد أن تكون الأعداد التي سيتم إحلالها فنياً مؤهلة للقيام بذات الدور الهام لمحكمة التمييز.
والجانب الثاني الذي يمثّل تحدياً بمغادرة القضاة الأجانب خلال 5 سنوات هي قضية تراكم الطعون أمام محكمة التمييز، التي تمّت معالجتها تشريعياً بوجهة نظر المشرع، لكن هناك تركة كبيرة من الطعون تنتظر الفصل وهي وجود 90 ألف طعن متراكم في محكمة التمييز، ومدة السنوات الخمس المتبقية لوجود القضاة الأجانب كافية للفصل في الطعون المتراكمة، وهي 90 ألف طعن، لكن يجب إشراك القضاة الوطنيين معهم لإعدادهم فنياً وذهنياً، وبمهارة لكيفية التصدي في المشاركة في الفصل بالطعون أمام محكمة التمييز، وهي صنعة فنية بالغة الدقة وتتطلب تأهيلاً نجح به عدد من السادة القضاة الكويتيين في محكمة التمييز، لكن أعدادهم ليست كبيرة، مما يتطلب زيادتهم إلى ما يغطي بالفعل العدد المطلوب وفق تمتعهم بكفاءة وخبرات فنية تؤهلهم لعملية الفصل بالطعون، لذلك فإن على مجلس القضاء اليوم مهمة نقل عدد 30 مستشاراً وطنياً من محكمة الاستئناف إلى محكمة التمييز ابتداء من الموسم القضائي المقبل، وضمّهم كعناصر في محكمة التمييز ونيابة التمييز لضمان إنفاذ الاحلال الفني ولاخضاعهم فعلياً للبعد الفني الذي تسير في نهجه محكمة التمييز للفصل في الطعون المعروضة أمامها.
ضرورة نقل 30 مستشاراً سنوياً من «الاستئناف» إلى «التمييز»
والجانب الثالث الذي يمثل تحدياً هو أنه بانخفاض أعداد القضاة الوطنيين في محكمة الاستئناف يتعين زيادة أعداد القضاة المستشارين إلى محكمة الاستئناف بعد نقلهم من المحكمة الكلية، كذلك نقل أعداد أكبر من النيابة العامة إلى المحكمة الكلية بعد إخضاعهم إلى التدريب الذي يؤهلهم لممارسة العمل القضائي في القضاء بعد تركهم وظيفة التحقيق في النيابة العامة والانخراط في العمل القضائي الذي له أعرافه وتقاليده وطريقة عمل مختلفة عن طريقة العمل في النيابة العامة.
مشروع «العدل»
ولذلك يتعين على المجلس الأعلى للقضاء البدء فعلياً على وضع المعايير والضوابط التي تضمن نجاح قضية تكويت القضاء خلال المدة المحددة في القانون وهي مدة 5 سنوات الواردة في مشروع وزارة العدل، فضلاً عن ضرورة الاستفادة من وجود الخبرات الأجنبية الموجودة حالياً ولمدة 5 سنوات في إنجاز الطعون المتراكمة أمام محكمة التمييز وتطوير مهارات السادة القضاة الكويتيين على صنعة التصدي والفصل للطعون أمام محكمة التمييز، سواء خلال عملهم في نيابة التمييز أو حتى في دوائر محكمة التمييز، نظراً إلى ما تمثله طبيعة تلك الأنزعة من طبيعية خاصة تختلف عن طبيعة العمل في بقية المحاكم، وقد أثبتت العناصر الوطنية في محكمة التمييز وإن كانت لا تمثل سوى 10% مقارنة مع القضاة الأجانب، نجاحها في كيفية ترؤس الجلسات والتصدي للأنزعة، إلا أن ذلك ثبت بعد صقل تلك الكفاءات بالمهارات والخبرات في العمل، سواء في نيابة التمييز أو خلال عملها بعضوية محكمة التمييز قبل ترؤس الجلسات.
0 تعليق