
ترامب ومسؤولو إدارته
منذ أسابيع، تقف العلاقة بين طرفي الأطلسي على مياه متحركة، تسحب "الوفاق السابق"، وتبدله بشقوق تتسع مع الوقت، وتفرض واقعا جديدا.
ووفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، لم يخفِ مسؤولو إدارة ترامب، "ازدراءهم" لأوروبا، ولكن "الازدراء" يبدو أعلى صوتًا خلف الأبواب المغلقة.
إذ رد الأوروبيون بمزيج من السخط والغضب على نشر أجزاء من نقاش بين مسؤولين رفيعي المستوى في إدارة ترامب، تم إجراؤه على تطبيق المراسلة "سيغنال".
وكانت المناقشة، التي دارت حول الضربة المخطط لها على اليمن، مليئة بالتعليقات التي صورت الأوروبيين على أنهم "طفيليات جيوسياسية"، وفق ما كشفته مجلة ذي أتلانتيك، التي كان محررها جزءا من المحادثة عن غير قصد.
وخلال النقاش على "سيغنال"، كتب نائب الرئيس، جيه دي فانس: ”أنا أكره إنقاذ الأوروبيين مرة أخرى“، مؤكدًا أن الضربات الأميركية في اليمن، "ستفيد أوروبا أكثر بكثير من الولايات المتحدة".
ورد وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث، في وقت لاحق: ”أشاركك تمامًا كراهيتك لاستغلال الأوروبيين.. إنه أمر مقيت“.
هنا، قالت نيويورك تايمز، "بدا من تبادل الآراء أن هناك مشاعر وأحكاما حقيقية، أن الأوروبيين يستغلون الولايات المتحدة، وأن أي عمل عسكري أميركي، مهما كان واضحًا أنه يصب في المصلحة الأميركية، يجب أن يدفع ثمنه مستفيدون آخرون بطريقة ما".
واقترح أحد أعضاء الدردشة الذي تم تعريفه باسم ”إس إم“، ويُعتقد أنه ستيفن ميلر، أحد كبار مساعدي الرئيس ترامب، أن على أوروبا تعويض الولايات المتحدة عن الضربات في اليمن.
موضحا "إذا نجحت الولايات المتحدة في استعادة حرية الملاحة بتكلفة باهظة، فلا بد من الحصول على بعض المكاسب الاقتصادية الإضافية في المقابل“.
وردا على ذلك، نقلت الصحيفة عن مسؤولين أوروبيين، قولهم "لم يكن هناك أي طلب رسمي من مسؤولي الاتحاد الأوروبي بأن تنفذ أميركا الضربة في اليمن، بل تم إبلاغنا بالأمر ببساطة".
وتابع المسؤولون "كما لم تكن هناك أي محادثات مع صانعي السياسات رفيعي المستوى حول المكافآت"، في إشارة للتعويض الذي يطالب به بعض مسؤولي إدارة ترامب.
ضربة جديدة
وبصفة عامة، شكلت التعليقات في محادثة "سيغنال"، أحدث ضربة لواحد من أكثر التحالفات العريقة في العالم، والذي استغرق بناؤه وتقويته أجيالاً طويلة، لكن إدارة ترامب تمكنت من "إضعافه" في غضون أسابيع فقط، على حد قول "نيويورك تايمز".
وتقول ناتالي توتشي، مديرة معهد الشؤون الدولية في إيطاليا، والتي كانت تعمل مستشارة لمسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي سابقًا: ”من الواضح أن العلاقة عبر الأطلسي، بشكلها المعهود، قد انتهت، وهناك في أحسن الأحوال ازدراء" للقارة الأوروبية، مضيفة: ”وفي أسوأ الأحوال، هناك محاولة نشطة لتقويض أوروبا".
وكانت أوروبا في حالة تأهب منذ أن ألقى فانس خطابًا في مؤتمر ميونخ للأمن الشهر الماضي، شكك فيه في القيم الأوروبية وديمقراطيتها وصدم القادة الأوروبيين. وأتبع ذلك بتحذيره من أن أوروبا معرضة لخطر ”الانتحار الحضاري“.
بدوره، قال فرانسوا هايسبورغ، المحلل الفرنسي والمسؤول الدفاعي السابق، إنه لو كانت العلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا مجرد معاملات مالية فقط، لكان من السهل نسبياً على الأوروبيين أن ينفقوا المزيد على الجيوش ويمنحوا ترامب نوعاً من الانتصار.
سبب "عداء فانس"
ولكن ظهر في خطاب فانس الذي هاجم فيه الديمقراطية الأوروبية في ميونخ، والتسريبات الأخيرة في قضية "سيغنال"، أن "النفور من أوروبا أكثر من مجرد صفقات"، وفق هايسبورغ الذي أضاف: ”كان فانس واضحًا تمامًا: نحن لا نتشارك نفس القيم“.
في نفس السياق، يرى وزير الخارجية الفرنسي السابق، هوبير فيدرين، أن التحول الحالي في السياسة الأميركية، "وجودي"، مضيفا: ”إدارة ترامب لا ترى حلفاء لها، بل مجرد تابعين تعتبرهم طفيليين".
ومضى قائلا لمجلة "نيوزويك" الأميركية، حول "موقف" فانس من أوروبا: ”عداءه للتحالفات متعمد. إنه متجذر في فكرة أن السياسة الخارجية يجب أن تخدم سردية محلية ضيقة“.
مستطردا: ”هذا ما يجعله خطيرًا، ولكنه مفيد أيضًا بطريقة ما. فهو يجبر أوروبا على مواجهة السؤال الذي تجنبته لعقود"، في إشارة إلى تولي مسألة الدفاع عن نفسها بدلا من الاعتماد عن الأميركيين.
ووفق نيويورك تايمز، فإن تسريب الدردشة الجماعية يؤكد لماذا قد يكون الطلاق ضرورياً: فالولايات المتحدة لم تعد الحليف الذي يمكن الاعتماد عليه كما كانت في السابق، سواء من الناحية الخطابية أو العملية.
0 تعليق