الطريق إلى طهران... الضربات الأميركية ضد حوثيي اليمن تُنذر بمواجهة أوسع مع إيران

المصدر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

على مدار الأسبوعين الماضيين، شنّت الولايات المتحدة غارات جوية شبه يومية على الحوثيين في اليمن، مُشيرةً إلى تصعيد كبير في المنطقة تحت شعار تأمين الملاحة البحرية في البحر الأحمر وردع «أنصار الله».

رسمياً، تستهدف هذه الضربات أهدافاً عسكرية ومسؤولين تابعين لـ «أنصار الله»، الذين واصلوا شنّ هجمات حصرية على السفن التجارية الإسرائيلية، رداً على الحصار اللا إنساني على قطاع غزة.

منذ يومين

22 مارس 2025

ومع ذلك، هناك هدف أكثر إستراتيجية وراء نمط الضربات: التفكيك التدريجي للقدرات العسكرية الموالية لإيران قبل أي مواجهة محتملة مع إيران نفسها.

ما بدأ كحملة أميركية - بريطانية لحماية طرق الشحن الدولية، تطور إلى عملية جوية مطولة، مع ورود تقارير عن غارات جوية أميركية، لم تقتصر على مواقع إطلاق صواريخ الحوثيين فحسب، بل شملت أيضاً مراكز قيادة وتحكم أعمق في المناطق الداخلية.

وقد تجاوز حجم هذه الهجمات وكثافتها واستمرارها النطاق الأولي للحماية البحرية، ما يشير إلى احتمال أن واشنطن وتل أبيب تُنفذان إستراتيجية طويلة المدى «للردع الشامل» ضد شبكة إيران الإقليمية.

المنطق الإستراتيجي: البدء في اليمن... النهاية في طهران

يبدو أن المخططين الأميركيين والإسرائيليين يعملون لضرب حلفاء إيران واحداً تلو الآخر، مُحيّدين إستراتيجياً قدراتهم على الرد قبل استهداف طهران مباشرةً.

وبإضعاف قدرات الحوثيين الآن، تُزيل الولايات المتحدة وإسرائيل تهديداً رئيسياً للملاحة في البحر الأحمر، والأهم من ذلك، تُؤمّنان جناحهما الجنوبي تحسباً لصراع أوسع.

شكّل «حزب الله» في لبنان رادعاً قوياً لسنوات طويلة، ولكن، مع احتوائه - في الوقت الحالي - تغيرت المعادلة الإستراتيجية. ورغم تصاعد الضربات الإسرائيلية، لم يُقدم الحزب على الرد على الهجمات الاستفزازية.

وقد شجع هذا الهدوء النسبي على الجبهة الشمالية صناع القرار الإسرائيليين، الذين يشعرون الآن بتراجع القيود المفروضة عليهم في اتخاذ مواقف عدوانية أبعد، بما في ذلك في سوريا ولبنان واليمن، وربما إيران.

تراقب طهران هذه التطورات عن كثب، وبحذر. وتدرك القيادة الفخ المُنصَب لها. فأي رد مباشر على إسرائيل أو القوات الأميركية قد يأتي بنتائج عكسية دبلوماسياً وإستراتيجياً.

وقد صوّر الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، إيران على أنها "مهندسة عدم الاستقرار الإقليمي". ومن المرجح أن يؤدي أي رد إيراني مباشر إلى رد انتقامي كاسح، ويعزز رواية إسرائيل عن الدفاع عن النفس، ويجذب تعاطفاً دولياً أوسع تجاه تل أبيب.

ولاعطاء فرصة للدبلوماسية، أرسل الرئيس دونالد ترامب رسالة إلى إيران، عبر الإمارات العربية المتحدة، مشيراً إلى أن الدبلوماسية الخلفية لاتزال قائمة - لاختبار خطوط طهران الحمراء واستكشاف خيارات خفض التصعيد، لاسيما مع استمرار تفاقم بؤر التوتر الإقليمية.

وكشف رد طهران الأولي عن الديناميكيات الداخلية المعقدة للبلاد. وأصدر الرئيس مسعود بزشكيان أقوى رد فعل علني، قائلاً «من غير المقبول بالنسبة لنا أن يصدروا (الولايات المتحدة) الأوامر ويوجهوا التهديدات. لن أتفاوض معكم. افعلوا ما يحلو لكم».

وكرر ولي الفقيه آية الله علي خامنئي هذا الرفض، متهماً واشنطن بأنها غير صادقة ومهيمنة، مضيفاً أن هذه المحاولات تزامنت مع الدعم الأميركي الثابت للحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة. ووصف الرسالة بأنها تكتيك «لخداع الرأي العام العالمي».

ومع ذلك، اتخذ وزير الخارجية عباس عراقجي موقفاً أكثر جرأة. فقد أقر بأن الرسالة تتضمن مهلة شهرين للعودة إلى المفاوضات النووية. ووصفها بأنها «معظمها تهديدات»، لكنه أشار إلى أنها تتضمن «مداخل محتملة». وأكد أن طهران بصدد صياغة رد رسمي.

مع ذلك، أوضح عراقجي أن إيران لن تنخرط في محادثات مباشرة في ظل الظروف الحالية.

وقال «لن تدخل الجمهورية الإسلامية في مفاوضات تحت أقصى درجات الضغط أو التهديد». وأضاف «أي حوار يتطلب تغييراً جذرياً في النهج الأميركي».

وأكد أن «إيران ستتصرف بناءً على مصالحها الوطنية فقط، وترك الباب مفتوحاً أمام الانخراط غير المباشر إذا غيرت واشنطن مسارها. إذا غيرت الولايات المتحدة سلوكها بشكل هادف، فقد يكون التواصل غير المباشر ممكناً - ولكن طالما ظلت التهديدات والضغوط هي السائدة، فإن المحادثات المباشرة غير واردة».

يعكس موقف عراقجي إستراتيجية إيران الأوسع ذات المسار المزدوج: إظهار القوة علنًا مع الحفاظ على درجة من المرونة الإستراتيجية. تشير النبرة المدروسة - الحازمة ولكن غير المطلقة - إلى أن طهران تترك مجالاً للمناورة، إذا تغيرت الظروف السياسية لصالحها.

على الجانب الأميركي، أكد كبار المسؤولين موقفهم بضرورة تفكيك إيران لبرنامجها النووي بالكامل. وحذّر مستشار الأمن القومي مايك والتز من أن امتلاك إيران لسلاح نووي من شأنه أن يُشعل سباق تسلح أوسع في المنطقة.

وقال«نريد تفكيكاً كاملاً. يجب على إيران التخلي عن برنامجها النووي بشفافية يمكن للعالم أجمع التحقق منها».

وقدّم المبعوث الخاص للرئيس ترامب، ستيف ويتكوف، نهجاً مختلفاً بعض الشيء، مُشيراً إلى انفتاح الولايات المتحدة على إستراتيجية تُركز على التحقق.

وقال«نحن ندرس إنشاء برنامج تحقق حتى لا يقلق أحد في شأن تسليح المواد النووية»، مُشيراً إلى تحوّل محتمل في السياسة نحو الاحتواء والرقابة بدلاً من التفكيك الكامل.

ومع ذلك، أكد والتز أن جميع الخيارات لاتزال مطروحة. وتابع «هذه ليست صفقة متبادلة كما كانت في عهد إدارتي أوباما أو بايدن. يجب أن ينتهي هذا البرنامج بأكمله، وإلا ستكون هناك عواقب».

اليورانيوم المخصب

يُظهر أحدث تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران خزّنت ما يقارب 250 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء 60 في المئة، وهو مستوى يقترب من درجة صنع الأسلحة.

ووفقاً للوكالة، فإن هذه الكمية، إذا ما خُصبت أكثر، قد تكفي لإنتاج ستة رؤوس نووية على الأقل.

يتردد صدى التصعيد العسكري بالفعل في الأسواق العالمية. فقد شهد البحر الأحمر، وهو شريان رئيسي للتجارة الدولية، اضطرابات كبيرة. تُحوّل شركات الشحن مسارات سفنها بعيداً عن مضيق باب المندب، مُفضّلةً بدلاً من ذلك المسار الأطول والأكثر تكلفةً حول رأس الرجاء الصالح.

وقد ارتفعت أقساط التأمين على سفن النقل في البحر الأحمر، ما أدّى إلى ارتفاع تكاليف الشحن العالمية.

في حال نشوب صراع أوسع نطاقاً يشمل إيران، سترتفع المخاطر بشكل كبير. وقد يصبح مضيق هرمز، الذي يمر عبره ما يقرب من خُمس إمدادات النفط العالمية يومياً، نقطة اشتعال. وأي تعطل فيه سيُحدث موجات صدمة في أسواق الطاقة العالمية، ما قد يدفع أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة.

وستكون التداعيات الاقتصادية وخيمة - ليس فقط على الدول المستوردة للنفط، بل أيضاً على الأسواق المالية، واتجاهات التضخم، والنمو الاقتصادي العالمي.

فمجرد التهديد بالإغلاق قد يُطلق ردود فعل استباقية في السوق، ما يُزعزع أمن الطاقة ويزيد من التقلبات في مختلف القطاعات.

قد لا ينفجر هذا الصراع المتطور دفعةً واحدة. إنه يتكشف على مراحل - اليمن اليوم، وربما إيران عندما تُعتبر اللحظة مناسبة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق