لبنان أمام دفتر شروط صعب... الحرب أم التطبيع؟

المصدر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف


- الحدود اللبنانية السورية في رعاية سعودية وفرنسية
- إسرائيل تطبّق معادلة «بيروت مقابل الجليل» واورتاغوس تثبّت مسار «الدبلوماسية»

على وقع اقترابِ «الفرصة الأخيرة» التي مَنَحها الرئيس دونالد ترامب لإيران في ما خصّ برنامجها النووي ووجوب وقْفِ «الدعم المستمر للتنظيمات الإرهابية، والمغامرات العسكرية» من لحظة «أبيض أو أسود»، رفعت تل أبيب منسوبَ «القضم» المتدرّج للضوابط التي أرساها اتفاق وقفِ النار مع لبنان والتي تَهاوَتْ تباعاً وصولاً لـ«مَحوها» آخِر خطٍّ أحمر كان «مصاناً» منذ 27 نوفمبر الماضي عبر إعادة العاصمة اللبنانية وتحديداً ضاحيتها الجنوبية إلى مرمى النار من بوابة «الصواريخ اللقيطة» التي تجَدَّد إطلاقُها على شمال إسرائيل من الجنوب وقابلتْها الأخيرة بغارةٍ ترجمتْ توعُّدها بمعادلة «بيروت مقابل الجليل».

وفيما كانت إسرائيل أمس «تتباهى» بأنها فرضت معادلة ردع جديدة على قاعدة «سنضرب في كل مكان بلبنان ضد أي تهديد (...) وأي طرفٍ لم يَفهم بعد الوضعَ الجديد في لبنان تلقى (الجمعة) مثالاً جديداً على تصميمنا» وفق كلامٍ رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، مع تلويح تقارير عبرية أمس بأن تحييدَ مؤسسات الحكومة اللبنانية عن الردود على أي ضرباتٍ عبر أراضيها قد يتغيّر «في حال أدركت إسرائيل أن هناك خطراً كبيراً يحوم حولها»، فإن بيروت بدت تحت وقع «صدمةِ» ذهاب تل أبيب إلى «أبعد الحدود» في معرض ترسيمها «دفتر الشروط» الذي تراه المسارَ الوحيد، على «خطّين متوازيين»، لطيّ صفحة الصراع «لمرة واحدة ونهائية» على جبهتها الشمالية:

منذ 21 دقيقة

منذ 21 دقيقة

- الخطّ الأول الضغطُ العسكري لتطبيق ما ترى أنه في جوهر اتفاق وقفِ النار لجهة نزْع سلاح «حزب الله»، والذي تبرّر من خلاله لنفسها أن تأخذ «بيدها» وعسكرياً منْع الحزب من إعادة بناء نفسه وتدمير ما تزعم أنه «تهديد» لها وهو «الاسم الحركي» الذي اعتمدته لتبرير الغارة التي شنّتها على منطقة الحدث بعد ظهر الجمعة -عقب إطلاق الصاروخين على كريات شمونة - وسوّت فيها مبنييْن بالأرض، حيث أعلن جيشها أنه استهدف «بنية تحتية لتخزين طائرات مسيرة لحزب الله تتبع للوحدة الجوية فيه (الوحدة 121)»، وذلك بالتوازي مع عشرات الغارات على جنوب لبنان التي أدت إحداها لسقوط ما لا يقلّ عن 5 أشخاص وجرح 16 غالبيتهم من الأطفال والنساء في بلدة كفرتبنيت.

- والخط الثاني رسْمُ إطارٍ سياسي - دبلوماسي للتفاوُض مع لبنان على «مثلث» التلال الخمسة التي «غنمتْها» في حرب لبنان الثالثة، والأسرى اللبنانيين لديها، والنقاط المتنازَع عليها على الخط الأزرق منذ انسحاب العام 2000 وحرب 2006، وذلك بما يشكل من وجهة نظر إسرائيل «بوليصة تأمين» لضمان أي ترتيبات أمنية أو عسكرية على حدودها الشمالية و«يسحب الذرائع» من أمام بيروت في أي رفْضٍ للتطبيع معها.

ومن هنا يتمّ التعاطي مع التسخين الإسرائيلي تجاه لبنان، والذي يستظلّ الصواريخ «مجهولة باقي الهوية» للقيام بردّ غير متناسب تغطّيه واشنطن، على أنه أشبه بـ «مفاوضاتٍ بالنار» هدفها الرئيسي المسار الدبلوماسي الآخِذ في التبلور بدفْعٍ أميركي تولّت تظهيره أولاً نائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس بإعلانها إطلاق «مجموعات العمل الدبلوماسي» الثلاثية بين لبنان وإسرائيل (بمشاركة أميركا) لبتّ الملفات الثلاث بالتوازي، ثم بلْوره أكثر ستيف ويتكوف نفسه بإعلان أن التطبيع بين لبنان وإسرائيل أصبح احتمالاً حقيقياً.

وفيما لم يكن برد بعد«جمر» الغارة على الحدث، لم يكن عابراً أن تطلّ اورتاغوس في أكثر من وسيلة إعلامية لبنانية وعربية، لتؤكد أنه«كلما رأينا صواريخ تطلق من لبنان فهذا يدلّ على أن الجيش اللبناني لا يفعل ما في وسعه لنزع سلاح حزب الله»، معتبرة أن«اتفاق وقف النار تم خرقه من لبنان وعلى الحكومة اللبنانية لجم المجموعات الإرهابية التي تطلق الصواريخ».

وشددت على«ان واشنطن تشجع على المفاوضات الدبلوماسية بين لبنان وإسرائيل، وانسحاب الأخيرة من النقاط الـ5 يجب أن يتم بالمفاوضات، وعلى حزب الله التخلي عن سلاحه بشكل كامل فلبنان لم يكن ليدخل الحرب لولا إيران والحزب الله ونؤكد ما قاله الرئيس اللبناني جوزف عون أن لا سلاح سوى بيد الجيش».

وإذ لاقتْ واشنطن هذا المسار متعدّد البُعد بفرْض عقوبات جديدة استهدفت 5 أفراد و3 كيانات متهمين بأنهم ضمن شبكة لبنانية «تدعم الفريق المالي لحزب الله»،معتبرة أن«شبكات التهرب هذه تُعزز إيران وحزب الله، وتُقوض لبنان»، وعلى وقع عدم إسقاط أن«الصواريخ الطائشة»، وهي الثانية التي تُطلق من جنوب لبنان في أقل من أسبوع، تدخل في سياق«إعداد المسرح»لأي اندفاعة عسكرية أميركية على إيران قد تستوجب«إشعال حرائق موازية» لتوزيع«طوفان النار»، فإن لبنان الرسمي يحاول«تدوير زوايا»هذه الضغوط الهائلة التي تضع واقعياً بين خياريْن أحلاهما مُر ما دام حزب الله يمانع تسليم سلاحه وهما: حرب إسرائيلية واسعة جديدة تحت عنوان نزْعه، أو نزاع داخلي لإنهاء وضعية هذا السلاح خارج الشرعية.

عون في الإليزيه

وفي موازاة ذلك، أعطت كلمة الرئيس جوزف عون من الإليزيه الجمعة، التي جزم فيها أن«حزب الله»غير مسؤول عن إطلاق الصواريخ، إشارتان بالغتي الدلالة:

- الأولى بأن لبنان لن يرفض بالمطلق مبدأ التفاوض، وإن كان لم يحسم إطاره، ولكنه يريد حصره بالنقاط المتنازع على الخط الأزرق، وذلك بعد أن يكون حصل الانسحابُ من التلال الخمس وعاد الأسرى، باعتبار أن«قاعدة التفاوض»على هذين البندين تَفترض أن يكون لبنان محتلاً لأراض إسرائيلية ولديه أسرى إسرائيليين، وهذا ليس الحال، وأن بيروت تحاول احتواء الضغط الأميركي نحو التطبيع عبر جعل اتفاق الهدنة لعام 1949 سقفاً أقصى لأي حل مستدام، وهو ما عبّر عنه عون بكلامه عن العودة«إلى مظلة»هذه الاتفاقية.

- والنقطة الثانية دعوة عون الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى تفهُم«حساسية»مسار«سيادة دولتنا على أرضِها وبقواها الذاتية دون سواها»، والذي اعتبره رئيس الجمهورية«مساراً ضرورياً ودقيقاً في آن، وقد قررنا المَضيَّ به، ونراهنُ على فهمِكم لحساسياته، وتفّهمَكم لمقتضياتِه، ونتطلّعُ إليكم لشرحِ تلك الحساسيات والمقتضيات للعالمِ أجمع بحيث تتحرّرُ كلُ أرضِنا المحتلة، ونثبّتُ حدودَنا الدولية كلَها، ونطبّقُ القراراتِ الأممية ذاتَ الصلة، ونعودُ إلى مظلةِ اتفاقيةِ الهدنة».

وجاءت مواقف عون في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع ماكرون عقب قمة ثنائية توسعت لتصبح لقاء متوسطياً موسعاً شارك فيه الرئيس الانتقالي في سوريا أحمد الشرع (عبر الفيديو) لينضمّ إلى الاجتماع حضورياً الرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليديس، ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، وتركّز فيه البحث على ملف النازحين السوريين (يتسرب عدد منهم من لبنان إلى أوروبا) والترسيم البحري والحدود البرية بين لبنان وسوريا.

وأكد ماكرون أنه خلال اللقاء مع الرئيس السوري«كان هناك وضوح كبير جداً من قبله للمساهمة في ضبط الحدود من أجل أمن لبنان»، مبدياً استعداد فرنسا لأن«تضع بتصرف الطرفين آلية عسكرية لتسهيل الأمر، وبعض الإمكانات للمراقبة ومتابعة مكافحة المهربين ونقل السلاح»، قبل أن يَكشف «أن هذا اللقاء مهم جداً ويؤسس لعلاقة جديدة مع سوريا، وأن الاتحاد الأوروبي مع رفع العقوبات عنها كونه يساعد على ايجاد الحلول»، معلنا أنه «سيتناقش مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مسألة رفع العقوبات عن سوريا»، ونبه الى «ضرورة الوعي من الملف الأمني، وأهمية الاستقرار على الحدود».

وفيما كشف ماكرون «تبنّي خريطة طريق سيتم استكمالها في الساعات المقبلة، وتلتزم بها الدول الخمس (لبنان سوريا اليونان قبرص وفرنسا) في تعاون إقليمي غير مسبوق يُعتبر تقدماً ملحوظ لتعزيز سيادة لبنان واستقرار المنطقة برمتها»، لم يقلّ دلالة كلامه عن اقتراح قدّمه للحدود الجنوبية للبنان «بنشر بعض قوى اليونيفيل في المناطق الحساسة التي توجد فيها إسرائيل حالياً بالتنسيق مع الجيش اللبناني واشراف آلية مراقبة وقف اطلاق النار بمشاركة ضباط أميركيين وفرنسيين».

وكان الرئيس الشرع لفت خلال الاجتماع الخماسي إلى أهمية التواصل بين لبنان وسوريا، وجدد الدعوة للرئيس عون ولوزيري الخارجية والدفاع لزيارة دمشق بهدف استكمال البحث في النقاط العالقة، فيما أوضح عون في هذا المجال «أن الجيش اللبناني انتشر على الحدود اللبنانية - السورية وهو يقوم بواجبه كاملاً للحفاظ على الأمن والاستقرار بعدما انعكست بعض الأحداث التي حصلت، بشكل سلبي على الأمن والسكان».

ولفت الرئيس اللبناني إلى «أنه ينتظر نتائج الاجتماعات التي عقدت في السعودية بين وزيري الدفاع اللبناني والسوري لمتابعة البحث في النقاط التي يكون قد تم الاتفاق عليها».

وكان اتفاق على عقد اجتماعات دورية بين المسؤولين المعنيين بالوضع الميداني في البلدين، لا سيما وزيري الدفاع وقادة القوى المسلحة ومديري المخابرات.

وشكر رئيس الجمهورية ماكرون على مبادرته اجراء هذا الاتصال، وتحدث عن أهمية ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، وحماية الحدود الشمالية الشرقية.

وجاء تزخيم الملف اللبناني - السوري بمختلف نقاطه الشائكة في باريس غداة رعاية المملكة العربية السعودية اتفاق بيروت ودمشق على خريطة طريق لترسيم الحدود المشتركة بين البلدين والتنسيق بين البلدين من أجل التعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية، في اتفاقٍ وصفه وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان «بالمهمّ» وأعرب عن سعادته بتوقيعه.

واتفق الجانبان اللبناني والسوري على تشكيل لجان قانونية ومتخصصة في عدد من المجالات، وتفعيل آليات التنسيق للتعامل مع التحديات وخصوصاً في ما قد يطرأ على الحدود الى جانب «الاتفاق على عقد اجتماع متابعة في السعودية خلال الفترة المقبلة»، وهو ما يجعل الحدود، ذات الأهمية الإستراتيجية لجهة دورها على صعيد «قوس النفوذ» الإيراني وتسليح «حزب الله»، في عهدة رعاية سعودية وفرنسية، وأمام مسارٍ يَشي عملياً بتطبيقٍ متدرّج للقرار الدولي 1680.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق