عمارة المسجد الحرام: مآثر جليلة لخدمة المقدسات الإسلامية

مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
بذلت قيادة المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها الغالي والنفيس لخدمة ضيوف الرحمن. فعندما وحد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - البلاد وأسس المملكة العربية السعودية، جعل الحرمين الشريفين على رأس أولوياته وأولى لهما اهتماما خاصا.

ففي عام 1926م أمر بتجديد المسجد الحرام بالكامل، بما في ذلك توجيهه بتغطية أرضيته بالكامل بالرخام. وبعد عام، أمر بإقامة مظلات في المطاف لحماية المصلين من حرارة الشمس. كما أمر بترصيف المسعى، وهو المكان بين الصفا والمروة، حيث يسعى الحجاج والمعتمرون فيما يُعرف بالسعي.

وعندما تولى ابنه الملك سعود مقاليد الحكم، بلغت مساحة المسجد الحرام حوالي 28,000 م2. وفي عام 1955م، أطلق مشروع توسعة طويل الأمد استمر قرابة عشر سنوات. وزادت مساحة المسجد، وأضيفت إليه منطقة تحت الأرض وطابق آخر إلى جانب إنشاء بناية خاصة ببئر زمزم.

واصل خليفة الملك سعود، الملك فيصل بن عبدالعزيز، أعمال التوسعة والتطوير، حيث تم إزالة المبنى المحيط بمقام إبراهيم لتوفير مساحة أكبر للمصلين أثناء طوافهم حول الكعبة.

وبعد تولي الملك خالد الحكم عام 1975م، تم توسيع صحن المطاف، وتم استبدال رصيف الحجر في المسيرة بالرخام اليوناني المقاوم للحرارة، حتى يتمكن المصلون من الطواف حول الكعبة براحة أكبر، وخاصة في فترة الظهيرة.

وفي 14 سبتمبر 1988م، وضع الملك فهد حجر الأساس لأكبر توسعة للمسجد الحرام منذ أربعة عشر قرنا. وزاد المشروع مساحته إلى 356 ألف م2، وهي مساحة كافية لاستيعاب ما يصل إلى مليون ونصف مصلٍّ لأداء مناسكهم براحة تامة. وأُضيفت مئذنتان إلى المآذن السبع الموجودة.

وفي عام 2005 أطلق الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مشروع توسعة ضخما آخر.

شمل المشروع تحسينات معمارية وتقنية وأمنية. وزادت الطاقة الاستيعابية لصحن المطاف من حوالي 50 ألف شخص في الساعة إلى أكثر من 130 ألفا لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج والمعتمرين. وارتفع إجمالي المساحة التي يغطيها المسجد الحرام وساحاته ومرافقه المفتوحة إلى 750 ألف م2، بتكلفة إجمالية تجاوزت 80 مليار ريال (21.3 مليار دولار).

وفي عام 2015، دشن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز خمسة مشاريع رئيسية كبرى ضمن المشروع الشامل وهي مشروع مبنى التوسعة الرئيسي، ومشروع الساحات، ومشروع أنفاق المشاة، ومشروع محطة الخدمات المركزية للمسجد الحرام، ومشروع الطريق الدائري الأول المحيط بمنطقة المسجد الحرام، وتهدف إلى السماح للمسجد باستيعاب أكثر من مليوني مصلٍ على مساحة 1.5 مليون م2.

تُعد التوسعة الأخيرة للمسجد الحرام واحدة من أكبر مشاريع التطوير في التاريخ الإسلامي، حيث توفر مزيجا هائلا من العظمة المعمارية والسكينة الروحية لقاصدي بيت الله الحرام.

فبالإضافة إلى توسيع الساحات الخارجية، عمل المشروع على تحسين تدفق الزوار من خلال توسيع المداخل والمخارج وإدخال آليات حديثة للسيطرة على الحشود، مع الحفاظ على قدسية وهدوء الموقع المقدس.

كما يتضمن التوسع سلسلة من عناصر التصميم الإسلامي، من الأقواس الشاهقة والأسقف المقببة إلى الشرفات المنحوتة بشكل معقد، والمشربيات المطلية بالذهب والجدران المزينة بالخط القرآني بالخط الثلث الكلاسيكي.

ومن أبرز مميزاته وجود 22 قبة، منها 12 قبة زجاجية متحركة، و6 قباب زجاجية ثابتة، و4 قباب دائمة تقع في القاعات المركزية في الطابق الثاني.

وتبلغ مساحة أكبر القباب المتحركة، التي تقع أعلى الممر للتوسعة، 36 م في القطر، وترتفع 25 م، وتزن حوالي 800 طن.

يزدان سطحه الخارجي بفسيفساء نابضة بالحياة، بينما صُنعت أسقفه الداخلية من خشب مُطعّم بدقة مرصع بالأحجار الكريمة. صُممت القباب الزجاجية لتفتح عبر وحدة تحكم مركزية لتوفير تهوية طبيعية عندما تسمح درجات الحرارة بذلك.

وتبلغ القباب الزجاجية الثابتة - التي يبلغ قياس كل منها 9 م في 14 م - ارتفاعا داخليا شاهقا يبلغ 35.5 م، وهي موزعة بشكل استراتيجي عبر الطابق الثاني والطابق الأوسط.

وتعمل القباب الثابتة الإضافية، التي يبلغ قطرها 16.6 م، على تعزيز القاعات المركزية، وتجمع بين الشكل والوظيفة مع التشطيبات الرخامية المصقولة، وفتحات الزجاج الملون، والأسقف المغطاة بالفسيفساء.

يدعم هذه التحفة المعمارية فريق متفانٍ من المهندسين والفنيين والمشرفين وموظفي الصيانة، يعملون على مدار الساعة لتوفير تجربة من الراحة والهدوء والأمان لجميع الزوار. وتتراوح الخدمات بين التنسيق اللوجستي والمراقبة الفنية، وصولا إلى النظافة وإدارة حركة الحشود.

أخيرا، إن مشاريع توسعة وعمارة المسجد الحرام التي قامت بها المملكة منذ تأسيسها وحتى عصرنا الزاهر تثبت جدارة المملكة في خدمة المقدسات الإسلامية ورعاية شؤون زوارها، ويأتي ذلك انطلاقا من إيمان القيادة الرشيدة - أيدها الله - بحمل الأمانة التي شرفها الله - عز وجل - هذه البلاد قيادة وشعبا، وخصهم بها لخدمة ضيوف الرحمن.

hijazmusleh@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق