هل أنت ممن تخطوا سن الأربعين؟ وهل يراودك بين الحين والآخر ذلك الهاجس التقليدي المتداول الذي يروج فكرة أن قدرات الشخص العقلية والذكائية تبدأ في التدهور والتراجع تدريجياً بعد بلوغ هذه السن؟
إليك الخبر السار: بحثت دراسة جديدة أجراها معهد تخصصي تابع لجامعة «ستانفورد» الأميركية حول السن الذي يبلغ فيه ذكاء الشخص ذروته ثم يبدأ بعده في التراجع تدريجياً. وجاءت نتائج الدراسة لتنفي هذا الهاجس وتبدده.
في عالم الأحياء، يعتبر سن الـ 35 عاماً بمثابة بداية الشيخوخة البيولوجية (أي الذروة التي يعقبها التراجع التدريجي). ووجدت دراسة حديثة، أجرتها جامعة غوتنبرغ مقابلات متعمقة، أسفرت عن أن الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 35 عاماً يميلون على نطاق واسع إلى أن «يواجهوا صعوبة ذهنية وعقلية أكبر في معالجة المعلومات واستيعاب أشياء جديدة».
وبالإضافة إلى ذلك، هناك في الدول الغربية سيل من الدعاوى القضائية المتعلقة بشكوى أصحابها من تمييز أصحاب العمل ضدهم على أساس السن، ولا يسعك إلا أن تستنتج أنه في بعض الدوائر هناك اعتقاد واسع النطاق بأن «الذكاء البشري يبلغ ذروته في العشرينات إلى أوائل الثلاثينات من العمر، وبعد ذلك قد يكون المرء جيداً في مهام الصيانة أو الإدارة، ولكن أيام الابتكار والجهد المعرفي المكثف قد انتهت».
ومن الواضح أن هذا الاعتقاد الشائع محبط للغاية لكثيرين ممن يأملون في البقاء عناصر مبدعة ونشطة في العمل بعد ظهور بعض الشعر الرمادي. ولكن هذه ليست حتى المشكلة الأكبر في هذا التحيز ضد من لم يعودوا شباباً.لكن وفقاً للدراسة الجديدة، التي أجراها معهد معهد هوفر التخصصي التابع لجامعة ستانفورد ونُشرت أخيراً في مجلة «ساينس أدفانسيز»، فإن هذا الاعتقاد خاطئ تماماً من الناحية الواقعية.
متى تبلغ المهارات المعرفية ذروتها فعلياً؟
أراد الباحثون في معهد هوفر معرفة ما إذا كانت المهارات المعرفية والذكائية تبدأ بالفعل في التراجع تدريجياً ابتداء من منتصف ثلاثينيات العمر، وتمكنوا بالفعل من التوصل إلى طريقة ذكية للتحقق من ذلك الأمر.
وقد قامت دراسات سابقة بالبحث في مسار منحنى الأداء الذكائي البشري مع مرور السنوات، حيث قاموا بمراقبة أداء مجموعات كبيرة في اختبار معين. ووفقاً لتك الدراسات السابقة، اعتد الباحثون على أنهم إذا وجدوا أن أداء كبار السن في أي مجموعة أسوأ، فإنهم يعلنون أن ذكاء كبار السن عموماً أقل حدة.
لكن باحثي معهد التابع لجامعة ستانفورد رأوا أن هناك مشكلة في نهج الك الدراسات السابقة، فلقد لاحظوا مبدئياً أنه في بعض الأحيان لا يكون التقدم في السن هو الذي يجعل الأداء الذكائي للأشخاص أسوأ في بعض المقاييس، بل هناك اعتبارات أخرى مثل بيئتهم أو تعليمهم وغير ذلك.وقرر الباحثون أن ما يحتاجون إليه للتغلب على تلك المشكلة على النحو الأمثل هو اختبار الأشخاص أنفسهم مرات عدة وفي أعمار مختلفة ومعرفة ما إذا كان أداؤهم المعرفي يبدأ في التراجع ومتى يبدأ بالتراجع. فماذا وجدوا؟وعن ذلك كتب الباحثون في تقريرهم النهائي: «تزداد القدرات الذكائية والمعرفية بشكل كبير حتى ما بعد منتصف الأربعينيات من العمر بالنسبة لمهارات القراءة والكتابة والحساب. وبعد ذلك، تبدأ المهارات المتوسطة في التراجع تراجعاً طفيفاً في مهارات القراءة والكتابة وتراجعاً ملموساً في المهارات الحسابية. وبعبارة بسيطة، فإن الذكاء اليومي العام لأي شخص لا يبلغ ذروته إلا في مرحلة الأربعينيات من العمر».
وهذا الاكتشاف يوجه ضربة قوية لتفضيل كثيرين من أرباب العمل لمن هم في سن العشرينات، ولكنه هذه ليس النتيجة الأكثر تشجيعاً في الدراسة بالنسبة لأولئك الذين تزايد عدد الشموع الإضافية على كعكات أعياد ميلادهم.
فلقد تضمنت الدراسة أيضاً معلومات مفصلة عن المهارات المعرفية والذكائية التي كان المشاركون يستخدمونها بنشاط، بما في ذلك: هل كانوا يحضرون دروساً ومجاضرات، أو يقرؤون كتباً بانتظام، أو يجرون عمليات حسابية معقدة؟ وقد سمح ذلك للباحثين بالتعمق أكثر وفحص كيف يؤثر السلوك على التراجع في الذكاء.
ولاحظ الباحثون أن الأشخاص الذين يحملون شهادات جامعية ويعملون في وظائف ذوي الياقات البيضاء والذين يستخدون مهاراتهم الذكائية أكثر من المتوسط لم يشهدوا أي تراجع في مستويات ذكائهم على الإطلاق. بل في الواقع زادت مهاراتهم تلك بشكل طفيف خلال النصف الثاني من حياتهم المهنية.
كما لوحظ أن المشاركين من جميع الخلفيات حافظوا على استقرار مهاراتهم الذكائية حتى سن الـ 65 عاماً على الأقل عندما حافظوا على ممارستها بانتظام. ومن ناحية أخرى، فإن أولئك الذين لم يحافظوا على نشاط أذهانهم شهدوا تراجعاً في مهاراتهم المعرفية وقدراتهم الذكائية ابتداء من الأربعينيات من العمر.
وقال قائد الدراسة إيريك هانوشيك: «السلوك الفردي يؤثر بشكل كبير على النمط العمري للمهارات المعرفية والذكائية. فأولئك الذين يستخدمون مهارات القراءة والكتابة أو الحساب في المنزل أو العمل يمكنهم تقليل الأنماط العصبية لانخفاض المهارات إن لم يكن القضاء عليها».
الخلاصة: التمييز على أساس السن غبي
وبينما سيواصل العلماء الجدال حول السن التي يبلغ الذكاء البشري ذروته فيه ثم يبدأ في التراجع ومقدار التحكم الذي لدينا في شيخوخة الدماغ، فإنه من الواضح بالفعل أنه بالإضافة إلى كونه التمييز على أساس السن غير قانوني، فإن نتائج هذه الراسة أنه أمر سخيف وغير مبرر بشكل لا يُصدق.
وبغض النظر عما سيستقر عليه العلم في نهاية المطاف في شأن السن الذي نبلغ فيه ذروة براعتنا الذكائية، فإن أحدث الأدلة تشير إلى أنه من المؤكد أن دماغك لن يصدأ وشمعة ذكاءك لن تخبو إذا واصلت صقلهما مع مرور السنوات وصولاً إلى نهاية الستينيات.
0 تعليق