هكذا بلغ العالم مرحلة الذكاء الاصطناعي وحقق خطوات متقدمة في التنبؤ والتحليل، لكن هناك علمًا آخر، ضاربًا في عمق التاريخ، ظلّ محصورًا في نطاق ضيق رغم أهميته، وهو علم الرؤى.
هذا العلم ليس وليد الخيال، بل ثابت في القرآن والسنة، حتى أن غير المسلمين آمنوا به عندما رأوا شواهده في حياتهم. يكفي أن نعود إلى قصة حاكم مصر في زمن النبي يوسف عليه السلام، عندما رأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأُخر يابسات، فكانت تلك الرؤيا مفتاحًا لإنقاذ البلاد من مجاعة استمرت سبع سنوات. لم يكن الأمر مجرد حلم عابر، بل رسالة ذات دلالة كبرى، أدركها يوسف عليه السلام بحكمته، فتحوّلت الرؤيا إلى خطة إستراتيجية أنقذت أمة كاملة.
ولم يكن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعيدًا عن هذا النهج، فقد كان يجلس بعد صلاة الفجر، ويقول: «اعرضوا علي رؤاكم»، فيستمع إلى ما يراه الصحابة في منامهم، ويفسره لهم، مما يؤكد أن الرؤى ليست مجرد خيالات، بل قد تحمل إشارات مهمة.
اليوم، وقد انقطع الوحي، تبقى الرؤى وسيلة ربانية تأتي مبشرة أو محذرة، تنبه وتنذر، لكنها رغم ذلك لم تحظَ بالاهتمام الرسمي في عالمنا الإسلامي، ولم تُستثمر بطريقة علمية مدروسة. تُركت الساحة بلا تنظيم، فاستولى عليها من لا علم لهم، شُلة «كبس كبس» يستعيشون على جماجم بعض السذج، ويخوضون فيها بلا منهج، فيصبح العلم مشتتًا بين تأويلات مرتجلة وحوارات سطحية لا تسمن ولا تغني.
أحدهم بدأ راقيًا، ثم استحلى الأمر، ففتحها «بحري» معبّرًا، فصارت الرؤيا في شق، والتعبير في شق مشقوق.
وآخر كاليأس مليسًا، ومحبطًا؟
رغم أن هناك رؤى يقصها جمهورهم، في غاية الأهمية، تحتاج إلى تحليل جاد وأخذ بعين الاعتبار، فهي أبلغ من جنود الأرض استخباراتيًا، وأنصحها، وأنصعها.
دائمًا أسأل نفسي قبل أن أكتب لكم، لماذا لا يُستفاد من هذا العلم، ويُستعان بأهله المختصين، لاستقبال الرؤى من الناس ودراستها بجدية، بدل أن تظل متروكة لمن يحوّلها إلى مجرد مادة للترفيه واستحلاب الناس؟ لماذا لا يُعاد فتح نوافذ هذا العلم، بشكل جيد وبحالة أوسع وتوظيفه لصالح الأمة، تحقيقًا للمنافع وتفريغًا لما يحمله الناس في صدورهم من رؤى سماوية تهطل على كوكبهم قد تكون مفاتيح لمستقبلهم؟
العالم اليوم يعتمد على الذكاء الاصطناعي لرصد التوجهات والمستجدات، فهو علمٌ مهم كذلك فلماذا لا نضيف إليه علم الرؤى وفق إطار علمي ومنهجي.
إن تجاهله يتركه في يد من لا يحسن استغلاله، لهذا نطالب الاعتراف به ودراسته بجدية، لكي نعيد له قيمته، ونمنحه الدور الذي يستحقه كمفتاح قد يفتح آفاقًا جديدة لمستقبل الأمة.
أخبار ذات صلة
0 تعليق