محليات
0
هديل السيد معلمة بمدارس مؤسسة قطر لـ الشرق:الدوحة - الشرق
من خلال التحديات التي نواجهها علينا أن نتعلم كيف نبني المستقبل ونحنُ في انتظار عودتنا إلى فلسطين. والأهم من ذلك أننا نتعلّم السبل التي تُمكننا من دعم إنسانية بعضنا البعض بغض النظر عن جغرافية المكان.
بهذه الكلمات عبّر إبراهيم، أحد الطلاب في صفوف اللغة الإنجليزية التي أُدرّسها، عن رؤيته للمستقبل وآماله وتحدياته، وذلك في سياق مشاركته في المبادرة التعليمية التي نقوم بها، وهو وسط زملائه الذين اضطروا لمغادرة وطنهم فلسطين بسبب الإبادة الجماعية التي تتعرض لها غزة، بعد أن وجدوا ملاذًا آمنًا لهم في الدوحة.
قالت السيدة هديل السيد، معلمة لغة في أكاديمية قطر – السدرة، إحدى مدارس التعليم ما قبل الجامعي في مؤسسة قطر: عندما سمعت عن فرص التطوع التي توفرها مؤسسة قطر بهدف ربط مجتمع المعلمين بالفئات الأشد احتياجًا للدعم، أحسستُ على الفور بالرغبة في المشاركة بهذه الجهود حتى أكون جزءًا من هذا المجتمع.
بادرتُ بالتواصل مع فريق التواصل المجتمعي في مؤسسة قطر لتقديم وقتي وخبرتي من أجل دعم الفلسطينيين ممن تم إجلاؤهم إلى الدوحة. رحّب بي الفريق، ومن هناك بدأت رحلتي في تعليم طلابي الجدد مادة اللغة الإنجليزية داخل المجمّع السكني حيث يسكنون حاليًا.
وأضافت هديل: كنتُ على قناعة بأن التعليم ليس امتيازًا، بل حقٌ للجميع، وأنه أداة قوية لزرع الأمل في النفوس وتعزيز الصمود. لذلك، عندما سنحت لي فرصة التطوع لدعم النازحين الذين تم إجلاؤهم إلى الدوحة، وجدتُ في تدريسهم وسيلة لسد الفجوات، وكسر الحواجز، ومساعدتهم على استعادة الوجهة والهدف من خلال المعرفة، بعد كل ما مرّوا به من معاناة.
تجاوز عملي التطوّعي تعليم اللغة الإنجليزية كمهارة يمكنها أن تفتح أبوابًا جديدة لهؤلاء الطلاب، ليتضمن نقاشات تمنحهم القدرة على التواصل والتعبير عن أنفسهم وبناء الثقة. كما تمحور تدريسي لهذه اللغة على موضوعات، مثل الهوية والتفاهم الثقافي، وكنت حريصة على أن يشعروا بأن أصواتهم مسموعة، وأنهم محل تقدير، وقادرون على تحقيق أحلامهم.
فعندما قمت بوضع خطة للدروس، ركّزت على احتياجاتهم ورغبتهم في التعبير عن أصواتهم بأكثر من لغة.
بعد مرور بضعة أشهر على بدء هذه الرحلة التطوعية، بَقِيَتْ كلمات إبراهيم عالقة في ذهني. فقد غيّرت منظوري بشأن العملية التعليمية. لم يقتصر الأمر على تعليم هؤلاء الطلاب مهارات لغوية أو دروسا أكاديمية، بل شمل في جوهره تمكينهم من اكتساب العقلية والمرونة اللازمة ليكونوا فاعلين في مجتمعاتهم، أينما وجدت.
وقد أعادت هذه التجربة التطوعية تشكيل فلسفتي في التدريس بشكل عميق، بحيث أيقنت أن التعليم يتجاوز المناهج الدراسية، ويزدهر عندما يقوم على أسس التواصل والقدرة على التكيف والتعاطف.
بصفتي معلمة متخصصة في برنامج البكالوريا الدولية، أتبنّى نهجًا يركز على الطالب، ويعزز وعيه الثقافي ليكون على دراية بمختلف التحديات الفردية.
لذلك قمت بتوسيع نطاق العملية التعليمية في الصف الدراسي بالأكاديمية من خلال مشاركة رحلتي التطوّعية مع طلابي، سعيًا لحثهم على إدراك أن أبسط الخدمات التي يمكنهم تقديمها قد يكون لها تأثير يتجاوز توقّعاتهم.
كما قمتُ بدمج هذه التجربة في برنامجي للتبادل الافتراضي مع طلاب في الولايات المتحدة، حيث استكشفنا دور قطر في تعزيز الجهود العالمية في مجال العمل الإنساني. وقد مكّنت هذه الحوارات طلابي من تسليط الضوء على إسهامات قطر في هذا المجال، والانخراط في حوار ثقافي متبادل، وربط التعلّم بالتحديات الراهنة.
من بين التجارب الاستثنائية التي تركت في أثرًا قويًا هي الرغبة القوية لأب أراد تعلُّم اللغة الإنجليزية من أجل ابنته التي أُصيبت خلال العدوان على غزة. فبالرغم من معاناتها، إلا أنها لم ترد التخلي عن حلمها بدراسة الطب. وكان والدها، الذي لم يكن يتقن الإنجليزية، مصممًا على تعلُّمها ليكون لها عونًا في دراستها.
لقد كان إخلاصه وصموده وحبه غير المشروط مصدر إلهام حقيقيا، ودليلا يؤكد أن التعليم ليس مجرّد أداة لتحقيق النجاح الفردي، بل هو وسيلة لتمكين الأسر، وتعزيز الأواصر المجتمعية وبث الأمل. فرؤية التزامه بالتعلم ليس من أجله، بل من أجل مستقبل ابنته، أكدت قناعاتي بالتعليم كحق للجميع، وشغفي بالتطوّع لدعم الآخرين.
أؤمن بأن العمل التطوعي يفتح آفاقًا لا حصر لها للنمو الشخصي، ويسهم في بناء مجتمعات أكثر ترابطًا وتعاطفًا. وفي عالم مليء بالتحديات، تُذكّرنا قيم العطاء بإنسانيتنا المشتركة ومسؤوليتنا الجماعية في دعم بعضنا البعض.
أخبار ذات صلة
مساحة إعلانية
0 تعليق