البقاء للأغبياء!

مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ردود أفعال الناس حيال الطفرة التقنية الحديثة والمسماة بالذكاء الاصطناعي متباينة بشكل كبير، وهذا التباين يوجد لدى العالم منهم بماهيته واستخداماته وطريقة عمله وتعلمه، ولدى الجاهل بمجمله ومضمونه على حد سواء، فنجد من يرى فيه ثورة تقنية تذلل الكثير من الصعاب وقادرة على تحقيق قفزات نوعية في مجالات شتى، ونجد من يرى فيه وسيلة تُغني عن التعلم والمعرفة، وخيارا لتسهيل الوصول إلى استنتاجات دون الحاجة لمعرفة المعطيات أو تحليل البيانات، وهؤلاء غالبا مستخدمو نماذج اللغة الكبيرة كشات جي بي تي وغيرها، ومنهم المتشائم والمؤمن بأن الذكاء الاصطناعي سيحل محل المهن البشرية وسيتسبب في كوارث اقتصادية واجتماعية جمّة، وأكثر المتشائمين خيالا من وجهة نظري هو ذلك الذي يؤمن بأن الذكاء الاصطناعي قد يتفوق على العقل البشري ويقوم بتعليم نفسه بنفسه ليصبح قادرا على السيطرة على العالم والثورة على الإنسان!

أما أنا فمما لا شك لدي فيه أنه لا يمكن أبدا أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان! ليس لمحدودية قدرة التقنية على التعلّم، ولا لقصورها إمكاناتها عن التحليل المنطقي والربط المنهجي، ولا لعيبٍ في مخرجات هذه التقنيات، بل لافتقارها إلى الغباء الطبيعي الذي تنتجه العقول البشرية! والغباء هنا لم يُكتب على سبيل الانتقاص من بني الإنسان، بل هو كلمة جامعة لكل ما هو منافٍ للعقل والمنطق بغض النظر عن أسبابه سواء كانت مبنية على الجهل، أو رغم وجود العلم! هذا الغباء وبلا شك جزء مهم في أحداث حياتنا اليومية التي نعيشها وعامل مؤثر في جميع الأحداث العظمى التي أدت إلى تطور الحياة على الأرض منذ بدايتها وحتى يومنا الحالي!

يمكنك تعليم الآلة لتصبح أكثر ذكاء، وتقوم بإعدادها للقيام بأدق العمليات الحسابية والتحليلات المنطقية المبنية على العلوم النظرية والتطبيقية، وتمكينها من صنع القرارات المبنية على البراهين ويمكنك أيضا تحديد بوصلتها الأخلاقية وتعليمها الأعراف والتقاليد والعادات الإنسانية، بل حتى ترجمة العواطف البشرية ومحاكاتها. ولكنك لن تستطيع أن تعلّم الآلة الغباء البشري، والقدرة على فعل غير المتوقع وتجاهل المنطق وتحييد الواقع وإنكار الحقائق واتخاذ القرارات التي لا تبنى على أي أساس، وهذا ما يجعل العقل البشري لا مثيل له وغير قابل للاستبدال!

يقول آينشتاين «هناك شيئان لا حدود لهما، الكون وغباء الإنسان، مع أني لست متأكدا بخصوص الكون!» وعلى الرغم من النبرة التهكمية لهذه المقولة إلا أن مضمونها صحيح، فالغباء جملة غير قابل للحصر وقدرة بشرية غير قابلة للنقل! وإلى أن تتمكن التقنية من دمج الذكاء الاصطناعي بغباء اصطناعي أيضا، فلا خوف من هذه التقنية، وسيظل الإنسان عدو نفسه حتى إشعار آخر.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق