تتمتع دولة قطر وجمهورية إندونيسيا بعلاقات تاريخية وطيدة على كافة الأصعدة، وتشهد هذه العلاقات منذ تأسيسها قبل نحو نصف قرن من الزمان نموا متصاعدا في مختلف المجالات، بدعم من الحرص المشترك لدى قيادتي البلدين على الارتقاء بهذه العلاقات نحو آفاق رحبة من الشراكة الاستراتيجية وبناء مستقبل واعد بالنمو والازدهار خدمة لمصالح وتطلعات البلدين وشعبيهما الشقيقين.
وفي سياق هذا الحرص المتبادل تأتي زيارة فخامة الرئيس برابوو سوبيانتو رئيس جمهورية إندونيسيا للدوحة، ويستقبل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، فخامة الرئيس الإندونيسي بالديوان الأميري لبحث العلاقات بين البلدين وسبل تطويرها وتعزيزها في مختلف المجالات، ومن المنتظر أن تسهم زيارة فخامة الرئيس برابوو سوبيانتو للدوحة في إعطاء دفعة قوية وفتح صفحة جديدة في مسيرة العلاقات بين البلدين خاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.
وتأسست العلاقات الدبلوماسية بين دولة قطر وجمهورية إندونيسيا قبل حوالي نصف قرن من الزمان وتحديدا في عام 1976، وقد تم افتتاح سفارة دولة قطر في جاكرتا عام 1996م، بينما افتتحت إندونيسيا سفارتها بالدوحة عام 1999م.
وقد شهدت العلاقات القطرية الإندونيسية منذ عام 1995 العديد من الزيارات والمشاركات الرسمية المتبادلة بين الجانبين، وكان حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى قد قام بزيارة دولة إلى إندونيسيا، في أكتوبر لعام 2017، وقد عقد سموه حفظه الله خلال الزيارة وفخامة الرئيس جوكو ويديدو رئيس جمهورية إندونيسيا في ذلك الوقت جلسة مباحثات رسمية بالقصر الرئاسي قصر بوقور بالعاصمة جاكرتا، تناولت سبل تعزيز العلاقات الثنائية وتنمية مجالات التعاون المشتركة لاسيما في مجالات الاقتصاد والطاقة والاستثمار والسياحة والبنى التحتية بما يخدم مصلحة البلدين ويعود بالنفع على الشعبين، كما جرى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية وتبادل وجهات النظر بشأنها.
وفي إطار الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين قام صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني "حفظه الله" بزيارة إلى إندونيسيا عام 2009م. ومن الجانب الآخر قام فخامة الرئيس جوكو ويدودو رئيس جمهورية إندونيسيا السابق بزيارة لدولة قطر عام 2015م، كما قام فخامة الرئيس سوسيلو بامبانج يودويونو، رئيس جمهورية إندونيسيا الأسبق بزيارة للدوحة في شهر مايو 2006م، وقام فخامة الرئيس عبدالرحمن واحد الرئيس الإندونيسي الأسبق بزيارة الدوحة في نوفمبر عام 1999م، كما زار فخامته دولة قطر خلال نوفمبر 2000 للمشاركة في قمة منظمة التعاون الإسلامي.
وفي سياق اللقاءات والمشاورات المتواصلة بين الدوحة وجاكرتا استقبل حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى، في مايو من العام الماضي في الديوان الأميري، سعادة الجنرال برابوو سوبيانتو الرئيس المنتخب وزير الدفاع في جمهورية إندونيسيا، وسعادة السيد جبران ركابومينج راكا نائب الرئيس المنتخب، والوفد المرافق لهما، بمناسبة زيارتهما للبلاد للمشاركة في منتدى قطر الاقتصادي الرابع.
جرى، خلال المقابلة، استعراض العلاقات الوطيدة بين البلدين، والسبل الكفيلة بدعمها وتعزيزها في شتى المجالات، إضافة إلى تبادل وجهات النظر حول عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وفي مارس الماضي زار الدوحة سعادة السيد سوجيونو، وزير الخارجية بجمهورية إندونيسيا، وقد استقبل معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، سعادة وزير الخارجية الإندونيسي، وجرى خلال المقابلة، استعراض علاقات التعاون بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها، ومناقشة آخر التطورات في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، لا سيما الجهود المبذولة لاستمرار اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع، وإيصال المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك. كما عقد سعادة الدكتور محمد بن عبدالعزيز بن صالح الخليفي، وزير الدولة بوزارة الخارجية، جلسة مباحثات ثنائية مع سعادة وزير خارجية جمهورية إندونيسيا، وجرى خلال الجلسة، استعراض علاقات التعاون بين البلدين وسبل تعزيزها، لا سيما في المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والتنموية، إضافة إلى مناقشة عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وأكد الجانبان أهمية تعزيز التنسيق في القضايا الإقليمية والدولية، بما يسهم في دعم الاستقرار والتنمية في منطقة الشرق الأوسط.
وتتشارك إندونيسيا مع دولة قطر نفس الرؤية تجاه السلام والاستقرار وبناء عالم أكثر ازدهارا وعدالة وأمنا، ويتميز التعاون بين الدولتين في القضايا الإقليمية والدولية بالتنسيق الوثيق والتوافق في وجهات النظر، كما أن العضوية المشتركة للدولتين في منظمة التعاون الإسلامي توفر إطاراً هاماً للتعاون بينهما في القضايا التي تهم العالم الإسلامي.
وتنظم العلاقات بين الدولتين مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تعكس رغبة البلدين في توسيع نطاق هذا التعاون ليشمل مختلف جوانب العلاقات الثنائية وتغطي هذه الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية، والصحية والسياحية والتكنولوجية والملاحية والزراعية والصناعية والإعلامية والشباب والرياضة والخدمات المصرفية والمالية، والخدمات الجوية وتشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة وتجنب الازدواج الضريبي، وتنظيم استخدام القوى العاملة الإندونيسية في دولة قطر، وإلغاء متطلبات تأشيرة الدخول لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخدمة والخاصة بين البلدين.
وتعد إندونيسيا شريكا تجاريا مهما لدولة قطر، فقد حقق التبادل التجاري بين البلدين نموا بنسبة تزيد عن 150 بالمئة خلال السنوات الأخيرة حيث بلغ نحو 3.2 مليار ريال قطري في العام 2022، مقابل 1.26 مليار ريال في العام 2017، كما شهدت الاستثمارات القطرية في إندونيسيا نموا ملحوظا منذ تأسيس العلاقات بين الدولتين، وقد اتسعت لتشمل قطاعات متنوعة مثل الاتصالات والبنوك والطاقة، كما توجد العديد من الشركات الإندونيسية التي تستثمر في السوق القطرية بشراكة مع شركات قطرية في مجالات متنوعة.
وقد احتفى العام الثقافي قطر - إندونيسيا 2023، بالتراث الثقافي الغني لكلا البلدين، الأمر الذي وثق العلاقات التاريخية القوية بينهما، من خلال تنظيم أكثر من 50 برنامجا في قطر وإندونيسيا، وركزت على الصناعات الإبداعية والتنمية الاجتماعية والابتكار، وجوانب من التراث الثقافي في كلا البلدين.
وهناك تعاون قطري إندونيسي متزايد في مجال التعليم بين المؤسسات التعليمية في الدولتين، يتجسد في العديد من مذكرات التفاهم والشراكات التي تهدف إلى تعزيز التبادل الطلابي والتعاون في البحث العلمي.
وتلعب دولة قطر دوراً هاماً في دعم التنمية والمشاريع الإنسانية في جمهورية إندونيسيا من خلال استثماراتها في البنية التحتية والمساعدات الإنسانية التي تقدمها عبر مختلف المؤسسات الخيرية القطرية، والتي تشمل الإغاثة العاجلة في حالات الكوارث الطبيعية، وبناء المساجد والمدارس والمراكز متعددة الخدمات، وحفر الآبار لتوفير المياه النظيفة، وتقديم مشاريع مدرة للدخل للأسر المحتاجة، ورعاية الأيتام، وتساهم الجالية الإندونيسية في دولة قطر بشكل فعال في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
وبهدف جذب الاستثمارات الخارجية لمختلف قطاعات الاقتصاد القطري، نجحت الاستراتيجيات الحكيمة التي تبنتها القيادة الرشيدة في الدولة، في جعل دولة قطر وجهة مفضلة للاستثمارات العالمية، حيث تتمتع دولة قطر بمناخ استثماري فريد من حيث القوانين والتشريعات الجاذبة للاستثمار، والاستقرار السياسي والاجتماعي الذي تنعم به البلاد، فضلا عن موقعها الجغرافي المتميز.
تقع إندونيسيا في منطقة جنوب شرق آسيا وأوقيانوسيا، وهي عبارة عن أرخبيل من الجزر الخضراء الوارفة، وتعتبر أكبر دولة أرخبيلية في العالم، وتضم مناطق زمنية متعددة، وتتكون من أكثر من 17000 جزيرة، منها حوالي 6,000 جزيرة مأهولة، وهي أكبر دولة في جنوب شرق آسيا، بمساحة إجمالية تبلغ حوالي 1.9 مليون كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانها 285 مليون نسمة، وتعتبر بمثابة جسر يربط بين قارتي آسيا وأستراليا، وتقع على طول طرق التجارة البحرية الرئيسية التي تربط بين شرق آسيا وجنوب آسيا وأوقيانوسيا، وخاصة مضيق ملقا.
وأصبحت إندونيسيا محط أنظار العالم بوصفها إحدى الدول الصاعدة في الاقتصاد العالمي، حيث يشهد الاقتصاد الإندونيسي طفرة كبرى في مختلف المجالات، وتعتبر إندونيسيا سوقا كبيرة مليئة بالفرص التي يمكن أن تجذب اهتمام رجال الأعمال، وبوابة مهمة لمنطقة جنوب شرق آسيا، إضافة إلى ما تمتلكه من ثروات طبيعية وفرص استثمارية في قطاعات متنوعة، كالسياحة والتطوير العقاري والتعدين والأمن الغذائي والخدمات وتجارة الحلال وغيرها.
وقد حافظت إندونيسيا على معدل نمو اقتصادي مستقر نسبيًا يبلغ حوالي 5% في السنوات الأخيرة، وكانت الصين الشريك التجاري الأول لإندونيسيا تليها دول آسيان، والولايات المتحدة، واليابان، والهند.
وتضم أهم صادرات إندونيسيا السلع الأساسية مثل فحم الكوك وزيت النخيل والحديد والصلب، بالإضافة إلى السلع المصنعة مثل المنسوجات والمنتجات الجلدية والأحذية والمنتجات الخشبية، أما وارداتها فتشمل الآلات والمعدات الصناعية، والوقود، والمواد الكيميائية، والمنتجات الغذائية، والإلكترونيات، والمواد الخام.
0 تعليق