46 عاماً وإيران، تلك الدولة العظيمة، محبوسة في "قمقم" ما يسمى "تصدير الثورة"، جراء رؤية حكَمتها، بينما تعود إلى العصور الوسطى، ولم تستطع الخروج منها، رغم كل الانتفاضات الشعبية التي قمعها "الحرس الثوري" الذي يراه معظم الإيرانيين أنه "دولة داخل الدولة".
طوال العقود الأربعة، وأكثر، كان السؤال داخل الإيرانيين: ماذا نستفيد من توتر العلاقات مع الجيران، ولماذا تُهدر أموالنا على ميليشيات طائفية إقليمية، وهل ذلك يجلب لنا النهوض والتقدم، ويطور الاقتصاد ويرفه الشعب، أم أنه يزيد من فقرنا، فيرزح نحو 80 في المئة منه تحت خط الفقر، بينما طبقة الملالي وأصحاب الحظوة يتمتعون بالثروة المنهوبة من الفقراء؟
هذه الأسئلة مطروحة بقوة في عموم إيران، فيما السيطرة على أربع عواصم عربية اتضح، بعد الأحداث الأخيرة، أنها مجرد وهم، فثورة الشعب السوري على النظام السابق كانت أول مسمار في نعش الهيمنة، وكذلك هزيمة "حزب الله" في لبنان، بينما العراق يمضي قدماً في طريق البناء، وضبط الميليشيات الطائفية، أما اليمن فلا يمكن لنحو أربعة في المئة حُكم 39 مليون نسمة، ولهذا بدأت إرهاصات الثورة على "الحوثيين" تظهر في عموم البلاد.
لم يتعلم النظام الإيراني من التجارب المريرة للشعوب طوال القرون الماضية، التي أثبتت أنه يمكن لطائفة حكم كل مكونات الشعوب، ومهما طالت تلك السيطرة، إذ لا بد أن يثور الشعب على الظالمين، ففي الهند حيث 1.4 مليار نسمة، وفيها 180 ديانة، و350 لغة، يتساوى الجميع، ولم تستطع "الهندوسية"، رغم أنها الأكبر بين الطوائف، فرض سيطرتها على الشعب كله، ولم ترفع شعار تصدير الهندوسية إلى العالم.
إيران اليوم، وجراء التطورات الإقليمية والدولية وجدت نفسها في زنزانة، وللخروج منها لديها إما نافذة الحل الديبلوماسي، عبر المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية، أعظم قوة في العالم، وإما باب جهنم، فالتصريحات العنترية والمكابرة لن تفيدها، فالعالم مستمر في مكافحة الإرهاب الإيراني، لهذا حاصرتها الدول، ومنعت الإيرانيين من دخول معظم البلدان.
لهذا تكبل اقتصادها، ويعاني شعبها، لذا أرغم النظام على الرضوخ، وأتى إلى العاصمة العُمانية "مسقط" كي يجنب نفسه "شرب الكأس المرة" مرة أخرى، وهذه ليست المرة الأولى، لكن الأمر اليوم يختلف تماماً، فإذا كان الرئيس أوباما قد فتح له الطريق لتشديد سيطرته إقليمياً، فإن ترامب لن يسمح بأن يكون هناك أي تهديد إيراني لدول الشرق الأوسط، فهدفه بناء شراكات راسخة، اقتصادياً وسياسياً، مع دول الإقليم.
صحيح أن دول الخليج، بل العالم العربي، حذر في التعامل مع إيران، رغم أن "مجلس التعاون الخليجي" مد أكثر من مرة اليد لإيران، كي تعود العلاقات معها إلى سابق عهدها، كما كانت أيام الشاه، من تعاون اقتصادي وصناعي، وكذلك شعبي، إلا أن طهران رفضت كل ذلك، واختارات الطريق الصعب، الذي لم يُفضِ إلا إلى المزيد من التوتر.
دول المنطقة تتعامل اليوم بواقعية مع التطورات الأخيرة، فهي مؤمنة أن حوض الخليج العربي العمود الفقري للاقتصاد العالمي، واستقراره مهم، ولا يمكن أن يتحقق إلا إذا تخلى نظام الملالي عن مشاريعه الخيالية، لهذا مهما كان شكل المفاوضات في مسقط، مباشرة أو غير مباشرة، فإن الحل يبدأ من العواصم القريبة من طهران، فيما على الأخيرة التخلي عن مشروع "تصدير الثورة الطائفية"، والإتيان إلى كلمة سواء مع جيرانها، إذا أرادت النهوض والاستقرار.
- أحمد الجارالله
0 تعليق