السودان المنهوب المنكوب

مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
يعيش السودان الجريح مأساة تكاد تكون مماثلة لما عاشه جنوب لبنان وعاشته غزة من حرب مدمرة وجرائم قتل ونهب وسلب وإبادة لم تبق ولم تذر، بل أظن أن السودان في مأساته قد فاق النموذجين السالفين واقعا وألما وحزنا، ذلك أن العدوان على غزة ولبنان قادم من عدو صهيوني ليس بيننا وبينه أي قواسم مشتركة، حتى قاسم الإنسانية قد تم تدميره بوحشيتهم في هذا العدوان الغاشم الذي لا يزال مستمرا على أهلنا في غزة.

أما أزمة السودان فناتجة عن اقتتال الإخوة الذين بغى أحدهما على الآخر، وتجبر في بغيه وعدوانه حتى لم يترك لصلة الرحم وأواصر القربى أي سبيل لتضميد الجراح، وصار الأنين والبكاء هو المنقذ من هول الفاجعة لكثير من البسطاء الذين انتهكت إنسانيتهم بيد مسلحين ليس لديهم أي مروءة دينية أو أخلاقية أو إنسانية.

حقا كم هو مؤلم أن نسمع قصصا مريعة لكنها غير منقولة إعلاميا، فلا مراسلين لقنوات فضائية يصورون، ولا وكالات أنباء تبث، ولا مؤسسات إغاثة دولية تهتم، وهكذا يعيش السودان وهو البلد والشعب المسلم الفقير، في محنة كبيرة، وعذاب مستدام، والسؤال: من المستفيد من إدخال السودان في نفق مظلم ومتاهة عميقة يحتاج إلى عقود طويلة ليخرج منها؟

واقع الحال فأزمة السودان لا تخرج عن بقية أزمات المنطقة المتعلقة بتعميم مشروع الفوضى المخطط له في إطار عالمنا العربي، وبالتالي فما قوات الدعم السريع المناهضة للحكومة والجيش السوداني إلا أداة في هذا المخطط الواسع، الهادف إلى إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط وفق رؤية جديدة تتوافق مع غايات الغرب في القرن 21.

إذن هو الشرق الأوسط الجديد الذي نظر له شيمون بيريز في كتابه، وهو الشرق الأوسط الجديد الذي أعلنته كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، وهو التغيير الذي تنبأ به الرئيس أوباما في خطابه بجامعة القاهرة، وهو من قبل ومن بعد المخطط الذي تسعى الإمبريالية الغربية لتعميمه في المنطقة خلال القرن الحالي، ليتسنى لها إحكام السيطرة والتحكم.

ذلك أن شعوب الدول التي تم تأسيسها في القرن 20 قد كبروا وزاد وعيهم، وصاروا قادرين على تنمية أنفسهم بشكل مستقل وبما يجعل أوطانهم أفضل وأكثر تقدما، وبالتالي سيكون صعبا على القوى المهيمنة التحكم بهم من جديد، ولذلك برز مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يهدف إلى تفتيت المجزأ، وإعادة خريطة المنطقة بالصورة التي تريدها القوى الغربية المهيمنة، وهو ما يحدث حاليا في السودان واليمن وسوريا والعراق وليبيا، وهكذا دواليك والله المستعان.

ختاما أشيد بالجهود السعودية الكبيرة التي خففت من آلام السودان، ولن ينسى أحد ذلك الجسر البحري والجوي المفتوح بين مدينتي بورتسودان وجدة، والذي أنقذ كثيرا من أهلنا في السودان، كذلك مختلف الجهود السياسية التي بذلها وزير الخارجية السعودي لوقف الاقتتال البيني، ومع ذلك فالرجاء أن تتكثف الجهود لوقف أعمال النزيف اليومي وجرائم الاغتصاب والإبادة التي ترتكب بحق المدنيين من قبل ميليشيات المرتزقة التي تعيث فسادا في أرض السودان العزيز، فهل إلى ذلك سبيل قريبا؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق