قبل انفجار لغم «اللاجئين»

الوفد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الإثنين 02/ديسمبر/2024 - 08:44 م 12/2/2024 8:44:43 PM

أثار قانون «تنظيم لجوء الأجانب» فى مصر حالة من الجدل بين التأييد انطلاقًا من الحاجة إلى توفير إطار قانونى يضمن التوازن بين حقوق المهاجرين والتزامات مصر اتجاه 9 ملايين لاجئ حسب تقديرات حكومية، بتكلفة 10 مليارات دولار سنويًا تتحملها الدولة، وبين من يرى أن بنود هذا التشريع المصرى الأول فى هذا الشأن، تثير حالة توتر ومخاوف من تقييد حقوق هؤلاء دون رقابة.
تلك الحالة من الجدل المتبادل لا تسير فى الإتجاه الصحيح، لأن الخطر ليس فى القانون من عدمه، الخطر الحقيقى عدم الانتباه إلى مخططات الإتحاد الأوروبى بتصدير هذا «اللغم» إلى دول شمال أفريقيا عمومًا ومصر خاصة، والسعى لتحويل بلدان خارج التكتل الأوروبى إلى «مراكز استقبال» اللاجئين والتخلص من تلك الأزمة التى أوشكت على تفجير الإتحاد من الداخل.
بداية الكابوس:
بدأت أزمة اللاجئين فى أوروبا 2015، فى هذا العام فرَّ مئات الآلاف عبر البحر المتوسط هربًا من جحيم الصراعات والحروب فى الشرق الأوسط، فى هذا العام توالت المشاهد المأساوية واحدًا تلو الآخر، بداية من حالات الغرق فى المياة الليبية، مروراً بعثور السلطات النمساوية على جثث 71 لاجئًا فى شاحنة تبريد مهجورة بالقرب من حدودها مع المجر، وصولًا لمشهد الطفل السورى «إيلان كردى» الذى جرفته الأمواج إلى شواطئ تركيا وهزت صورته ضمير العالم.
النقطة الفاصلة فى عام «أزمة اللاجئين» كانت 5 سبتمبر 2015 عندما قررت المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» فتح الحدود لإستقبال آلاف اللاجئين من سوريا وأفغانستان والعراق، قائلة عبارتها الشهيرة آنذاك:« نستطيع إدارة هذا الأمر»، كان قرار «ميركل» إنحيازًا للإنسانية، ضاربًا بأصوات تتهمها بتعريض هوية ألمانيا وأمنها للخطر عرض الحائط.
قمة الصراع:
بعد مرور تسع سنوات وحالة الصعود المتسارع لأحزاب يمينية متشددة فى أوروبا، بدأ المزاج العام يتحول من «التوطين والدمج الحذر» إلى نبرة رافضة لإستقبال المهاجرين، وفتح الحدود أمام ما يسمونه «إرهابى محتمل»، وأصبحت عواصم أوروبا تقول بشكل واضح:«لا..لا نستطيع»، ردًا على مقولة «ميركل»: « نستطيع إدارة هذا الأمر».
فى ظل تلك الضغوط السياسية للأحزاب اليمينية المتطرفة، أصبحت الحكومات تتنافس لاتخاذ تدابير صارمة لمكافحة الهجرة، وإجراءات حازمة لغلق الحدود وتشديد الرقابة، فقد أعادت ألمانيا فرض عمليات التفتيش على جميع حدودها، وتعهدت فرنسا بمراجعة تشريعات الاتحاد الأوروبى التى لم تعد تناسب باريس، واقترحت السويد وفنلندا قوانين ضد المهاجرين، وقال الائتلاف الجديد فى هولندا، بقيادة حزب الحرية المناهض للهجرة: «إن البلاد لم تعد قادرة على تحمل تدفق المهاجرين»، وقامت السويد بزيادة ما تدفعه للأشخاص الراغبين فى العودة إلى أوطانهم إلى 30 ألف يورو.
تلك الحالة المزاجية الرافضة للهجرة وتشديد الرقابة على الحدود، أصابت دول الإتحاد الأوروبى بالتوتر، ورأى البعض أنها ربما تقضى فى المدى البعيد على منطقة « شنغن» التى تسمح بحرية التنقل فيها دون جوازات سفر، تلك المنطقة التى تعتبر واحدة من أكبر إنجازات الاتحاد الأوروبى وأكثرها أهمية اقتصاديا.
«مراكز العودة» ومحاولات الخروج:
فى ظل مواجهة تلك الأزمة التى باتت تعصف بالإتحاد الأوروبى، بدأت الأصوات تنادى بالتفكير والبحث عن حلول جديدة لمنع الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، فبرزت فكرة الإستعانة بدول خارج الإتحاد الأوروبى لإستقبال المهاجرين ومعالجة طلبات اللجوء أو ما يسمى بـ«مراكز الاحتجاز والعودة» استشهادًا باتفاقية إيطاليا وألبانيا، وصفقة بريطانيا ورواندا.
وتحت ستار الاستثمار ومشاريع التنمية، والشراكات الاستراتيجية، بدأ الإتحاد فى إبرام اتفاقيات مع دول شمال أفريقيا، أهم بنود تلك التفاهمات هو مكافحة الهجرة، فتم التوقيع مع تونس يوليو 2023، وتقديم حزمة من المساعدات منها 105 ملايين يورو لهذا البند، وفى مارس 2024 دخل الاتحاد الأوروبى فى شراكة استراتيجية مع مصر بقيمة 8 مليارات دولار لتعزيز استقرار البلاد وجهود مكافحة الهجرة غير الشرعية، كما تم عقد صفقة مع تركيا عام 2016 بقيمة 6 مليارات يورو، وتم دفع 210 ملايين يورو لموريتانيا، كذلك الأمر بالنسبة إلى ليبيا ولبنان والمغرب... إلخ إلخ
الإشكالية أن منح الإتحاد الأوروبى لن تكون « شيكًا على بياض» كما تصور البعض، وظن خطئًا أن تلك المساعدات «رزق وربنا بعته.. وربنا يزيدنا من فضله كمان وكمان »!
فبعد توقيع تلك التفاهمات، ظهرت تقارير تتحدث عن «مكبات النفايات الصحراوية» فى موريتانيا والمغرب وتونس، وكيفية دفع المهاجرين من أطفال ونساء إلى مناطق صحراوية نائية، وتركهم يتدبرون شئونهم بأنفسهم، وتناولت أخرى انتهاكات ضد المهاجرين فى ليبيا، وبذلك يكون الاتحاد الأوروبى تنازل عن قيمه، وألحق الضرر بسمعته فى مجال حقوق الإنسان، والدفاع عن مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون!
وبعيدًا عن تلك الحلقة المفرغة من مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون، رأى البعض أن تلك المحاولات من البحث عن دول خارج التكتل الأوروبى كمراكز لاستقبال اللاجئين، يجعل الإتحاد عرضة للإبتزاز والتلاعب بإستخدام الهجرة كسلاح ضده وورقة ضغط عليه، كما فعل الرئيس الليبى «معمر القذافى» 2011 وتهديداته بإطلاق «طوفان» من المهاجرين إلى أوروبا إذا استمرت فى دعم المحتجين، لنصل فى النهاية إلى حلقة مفرغة من الأزمات والصراعات تبحث عن حل دون جدوى.
أخيرًا: ربما شرحت السطور السابقة خطورة «لغم اللاجئين» الذى تعانى منه أوروبا وتريد تصديره خارج حدودها، ويمكن تلخيصه فى جملة كتبتها «انجيلا ميركل» فى مذكراتها التى صدرت مؤخرًا تحت عنوان «الحرية ذكريات 1954 -2021 » عن تلك اللحظة الفارقة بعد فتح حدود ألمانيا، والتوترات الاجتماعية والسياسية التى أعقبت هذا القرار تقول: كانت لحظة لها « ما قبل وما بعد»!
فى النهاية : يجب التوازن الشديد بين الالتزامات الأخلاقية ومصالح البلاد بعيدًا عن إغراءات المنح والتفاهمات، والانتباه إلى خطورة التورط فى تلك الأزمة نيابة عن أوروبا، فنصبح تائهين بين قرار: « سنتمكن من ذلك» وبين صرخات: « لن نستطيع.. لن نفعل ذلك »، ونكون بين عشية وضحاها أمام إنفجار لغم لا يمكن السيطرة عليه.
حفظ الله مصر من كل سوء.


[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق