أيام في الأندلس

الوفد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أسبح بأفكاري دون أن أصل إلى شيء، حتى أنني لم أغرق. تقول الحقيقة إنني أستمتع بذلك. يقول جدي: "كان لنا جذور أندلسية، لذا أحببت أن أتعلم اللغة الإسبانية بأسرع وقت." يشجعني جدي على ذلك. أما أمي، فترى أنني لن أفلح طالما لم أنتبه لمحاضراتي في كلية الهندسة. لم يهمها لحظة حبي للغة الإسبانية.

تقول:
"هذا هراء، اهتمي بالشهادة أولاً ثم فكري في جذورك الإسبانية كأنكِ سكنتِ هناك من قبل!"

"أمي، أريد أن أسافر، رأيت في حلمي أنني في قصر الحمراء في غرناطة كأنني أتجول."

"لماذا مازلت أحلم بالذهاب دائماً؟ إنني أعشق الماضي."

إنها تحفة معمارية تسمى قصر الحمراء. بينما أتفحص الصور، أريد أن نعود بأمجاد الماضي، لكن كل شيء له نهاية.

لا أحب النهايات.

أنهيت دراستي بالجامعة وتمكنت من تعلم اللغة الإسبانية.. فكرت أن أذهب أخيراً.

تكلمت مع جدي:
"أعرف أنك حاولت لأكثر من مرة السفر، ولكنك لم تبرح مكانك يا جدي."
"لكنني أريد أن أعود للماضي. أشعر أنني كنت هناك من قبل بزمن غابر. هل كنت فتاة من ذاك العصر حقاً؟"
"لا أعرف يا ابنتي، ولكنك تعشقين الخيال."
"وأنا أحب هذا، لكن أمي سترفض ذلك."
"أفهمك، ولكن المنحة جاءتني، ماذا سأفعل؟"
"سأحاول إقناعها."

وبينما أنا نائمة، رأيت ذاك الحلم مرة أخرى. أرتدي زياً قرمزياً وحُلياً مبهرة. وبجانبي أمير. نظرت إليه وابتسمت، ثم استيقظت على صوت أمي:
"لا أريدكِ أن تذهبي يا عزيزتي."

فكرت جيداً:
"فكري مرة أخرى. هناك قرارات نتحمس لها في البداية، لكن النهاية تبقى حزينة ويبقى الندم."

اليوم عدت ببهجة. لقد جاءت منحة السفر إلى إسبانيا. بالتأكيد سأبحث عن عمل أيضاً.

أحببت رجلاً عن بعد، شئت أم أبيت. أنا أنتظر أميراً من زمن غابر يعيش في مدريد حالياً في جسد كارلوس. يعشق العرب ويعشقني. لا أعرف لماذا أحببته، ولكن الحب ليس له حسابات.

لقد وعدني أننا سنذهب سوياً إلى آخر بقعة ترك العرب بصمتهم فيها.

أحضرت حقائبي وودعت أهلي وبدأت الرحلة.

السفر ينعش النفس كثيراً.

ذهبت إلى مدريد وانتظرت كارلوس أن يأتي. جاء بهيبة رجل شرقي كما توقعت. تحدثنا بالإسبانية وكلي شغف لأول مرة أتحدث بتلك الطلاقة. حكيت له كل شيء عن وجود العرب هنا وعن الأثر الذي تركه المسلمون. رأيت في عينيه شيئاً من الدهشة.

يبدو أنني التقيت بأمير له جذور عربية. ولكن كيف أقنع أمي بذلك؟

كأنني جئت من ذي قبل، هكذا قلت له إن كل شيء أصبح مألوفاً لي.

ذهبنا هنا وهناك ورأيت كل الأماكن، حتى جاء اليوم الذي اتصلت فيه أمي لتخبرني بأن جدي توفى ويجب عليّ أن أعود. غمرني الحزن كالفيضان.

حدثت كارلوس بالأمر ودموعي تتساقط كأنها الأمطار الغزيرة في ليلة شتوية جداً. ما أقسى هذا الشعور.

قالها وهو لا يريد أن أذهب:
"سأرحل معك."

"لا، أرجوك، سأعود لك."

"لا تنسَ، كل لقاء له موعد وداع مؤجل."

أعلم أنني تعلقت به، ولكن الأمور أكبر منا. عدت إلى أمي وبقيت بجانبها، ولم أعد مرة أخرى إلى إسبانيا، فقد رفضت أمي وبقيت وحيدة.

احتفظت بتلك الزيارة في قلبي، وأغلقت على ذلك الحب للأبد.

ثمة أشياء تحدث تؤلم القلب، ولكن من الأفضل أن تبقى ذكرى عتيقة نزورها بين حين وآخر.

 

إيمان صلاح

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق