وهبَ اللهُ - جلّ جلاله - الإنسانَ إمكانات عقلية هائلة، لكنه مع هذا لا يستطيع النظر من كل الزوايا، ولا أخذ كل الجوانب والمسائل المتصلة بما يبحث فيه بعين الاعتبار، ولهذا فإنّ الإنسان نظرته للأمور لا تكون شاملة مهما ادّعى ذلك. إلا أنّ وعينا بأنفسنا وبمحيطنا وبيئتنا لا يتبلور إلّا من خلال تمحيص الصور الذهنية التي نحملها عن أنفسنا وعن تاريخنا وعن العالم من حولنا، فالنقد أداة مهمة لانضاج الوعي، لأنه يتيح لمجموعة من العقول فرصة التأمل والنظر والمعالجة لقضية أو مشكلة واحدة، وهذا يجعل الرؤية أوضح وأقرب إلى الصواب.
كثير من الناس ينفر من النقد لاعتقاده أنه يُحدث الخلافات والفرقة، أو يخدش هيبة بعض الأمور، وغالبا يهز ويشوش ثقة الجماهير بتاريخها أو حضارتها. إلا أن هذا يناقض المنهج الرباني، حيث إن كتابنا الكريم ذكرَ بوضوح عن أُمم الأنبياء السابقين، وعن الأخطاء التي وقعوا فيها، وكان مواكباً لحركة المجتمع الإسلامي، محذّراً من بعض السلوكيات، وموجهاً إلى ما هي أفضل وأقوم، وهذا واضح في الأحاديث الشريفة أيضاً.
تجلّى النقد الذي نتحدث عنه في الآية الكريمة، حيث قال سبحانه «لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ* وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ». سورة القيامة (1-2)، وهي النفس التي تلوم صاحبها على تقصيره وإخلاله بالتكاليف الشرعية، وتمرده على القيام بواجباته، كما أنها تلومه على الوقوع في المعاصي، وهذا من النقد الإيجابي البنّاء الذي نحتاجه، لأن وظيفة النقد هي تنبيه الوعي على التخلص من الكثير من الأفكار والأساليب السلبية، وتحولها لمعين ومساعد على الإنجاز والنجاح من دون معوقات.
إنّ النقد من أهم المهارات التي يجب على المرء امتلاكها، لأن بالنقد يتم الإصلاح والتقويم. والنقد عمل من الأعمال العقلية الراقية لما فيه من تحليل عميق لمكونات الشيء المنتقَد، وما فيه من إدراك عميق للإمكانات التي يجب الانفتاح عليها. لأنه من خلال النقد ونقد النقد نقترب أكثر من جوهر الحقيقة وتصبح الأمور أمامنا أوضح.
mona_alwohaib@
0 تعليق