خبراء ومحللون أكدوا أن أمنها واستقرارها ووحدة أراضيها مصلحة عربية وخليجية "تفترض القيام بدور"
ناجح بلال
"الشام" مهد الحضارات، أرض المحشر والمنشر، قلب العروبة النابض، وصية النبي (ص)، الذي خرج إليها في صباه قبل بعثته، شهدت أرضها أعظم المعارك في تاريخ المسلمين، وسطرت أروع البطولات والأمجاد.
لكن الشام ـ أو "سورية" ـ تعيش أحداثا جساما ـ ليس فقط منذ سقط نظام الرئيس بشار الاسد قبل أيام، بل الحق منذ تولي أبيه مقاليد الامور، اذ أسس الرجل ـ بشهادة علماء السياسة وخبرائها ـ نظاما طائفيا بغيضا يعد ضمن أسوأ أنظمة الحكم التي عرفتها المنطقة، وحكم البلاد على مدى 30 عاما بالحديد والنار، كما ارتهن قرارها واستقلالها لارادة أطراف أخرى في الاقليم لا تخفي طمعها في سورية، وزاد الطين بلة، بتوريث السلطة في البلاد لنجله.
بعد 54 عاما من حكم عائلة الأسد، تمكنت فصائل مسلحة ـ تدعمها قوى دولية ودول جوار من اسقاطها والسيطرة على مقاليد الامور في البلاد، بعد هروب الرئيس السابق واسرته، ورغم ان هذا الامر بحد ذاته يستدعي مشاعر الفرح والسرور بالحرية وانقضاء صفحة الظلم والعسف والطغيان؛ الا ان حالة عدم الثقة في الفصائل المسلحة ـ أو الحكام الجدد في دمشق ـ تثير حالة من القلق لدى الخبراء والمراقبين.
وفي خضم الاحداث الراهنة في سورية يصبح السؤال هو ما المطلوب من دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الراهن؟ وما الدور الذي يمكن أن تلعبه حتى لا تنزلق سورية الى اتون الصراعات والحروب الاهلية مثلما حدث في دول اخرى؟ وهل بالفعل يمكن أن تتحول سورية إلى أفغانستان تحت حكم "طالبان"؟
هذه الأسئلة وغيرها طرحتها "السياسة" على عدد من أساتذة العلوم السياسية وخبراء في التحليل السياسي حيث أجمعوا على ضرورة تنسيق المواقف الخليجية المشتركة لحماية سورية حتى لا تزحف إليها الميليشيات المتأسلمة المسلحة، واليكم التفاصيل:
د.عايد المناع
د.عايد المناع: تنظيم أصولي ينتمي فكرياً إلى "القاعدة" يقود التغيير ويسعى إلى إقامة دولة دينية
أنور الرشيد
أنور الرشيد: نشعر بنفَس "طالباني" وعلى دول الخليج الانتباه لما يجري ووأد أي انتشار إرهابي
أحمد المليفي
أحمد المليفي: تحرُّك دول الخليج ضرورة لتفويت الفرصة على التدخلات الخارجية بشؤونها
د.عبدالله الغانم
د.عبدالله الغانم: النظام السابق في سورية كان دموياً وديكتاتورياً لكن نخشى أن يكون البديل أسوأ
بداية، يؤكد الوزير والنائب السابق المحامي أحمد المليفي ضرورة التنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجية بعد إزاحة النظام السابق مع أهمية دعمها لاستقرار سورية واعطائها الفرصة لتكوين مشهدها السياسي مع دعم ما سيصل إليه القرار السوري.
وشدد المليفي على أهمية تحرك دول الخليج لتفويت الفرصة على التدخلات الخارجية في شؤون سورية من أجل الحفاظ عليها من الميليشيات المتطرفة التي قد تصل سورية من مختلف دول العالم، لا سيما أن انتشار الميليشيات المسلحة يؤثر على دول الخليج، ولذا يجب التحرك العاجل من قبل منظومة دول مجلس التعاون الخليجية من خلال تنسيقها مع جامعة الدول العربية لوقف أي زحف مسلح متطرف إلى سورية. واستشهد على ذلك بأن ليبيا لا تزال تعاني منذ إزاحة نظام القذافي نتيجة للتدخلات الخارجية على أرضها.
دعم مالي وسياسي
ونبه المليفي إلى أن دعم دول الخليج لسورية ماليا واقتصاديا وسياسيا سيلعب دورا كبيرا في استقرار المشهد السوري، ولكن هذا يتطلب ضرورة التوافق الخليجي- الخليجي، حتى لا يكون هناك أي انقسام في الرأي والمواقف بين دول مجلس التعاون الخليجية في الأوضاع الراهنة حتى لا تستفيد أي مليشيات من هذا الخلاف.
وذكر أن دول مجلس التعاون الخليجية حماها الله من فتن الربيع والخريف العربي نظرا لاستقرارها، لكن هذا يتطلب في الوقت نفسه تكريس كل الجهود لمنع دخول الفتن لدول التعاون الخليجية وهذا يكون من خلال دراسة التجارب السابقة في الربيع والخريف العربي لتلاشي الاسباب التي أدت إليهاز
مراقبة المشهد
في الاطار نفسه، طالب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت د.عبدالله الغانم دول مجلس التعاون الخليجية بمراقبة أحداث المشهد السوري الراهن حيث لا تزال الصورة غير واضحة، حيث يصعب في الوقت الراهن تقييم الأوضاع السياسية والاقتصادية في سورية بشكل عام في ظل المشهد الجديد، كما يصعب التنبؤ بما سيحدث في المستقبل، لا سيما وأن من يديرون الدفة حاليا في سورية ذوو توجهات تنطلق من جبهة النصرة ومعهم "دواعش" وكثير من الحركات التي تتسم بالعنف، لافتا إلى أن جميع الحركات والتيارات المتأسلمة كالقاعدة وغيرها خرجت جميعها من عباءة جماعة الاخوان المسلمين التي تعد عامل عدم استقرار في أي بلد. ورأى أن دعم أميركا وإسرائيل كان وراء تحول المشهد السوري فضلا عن دور تركيا الرئيس في ذلك.
البديل الأسوأ
وأشار د.الغانم إلى أن النظام السابق لسورية كان دمويا وديكتاتوريا لكن نخشى أن يكون البديل أسوأ منه لا سيما أن جماعة طالبان باركت لهم، مشددا على أهمية توحد وتلاحم دول مجلس التعاون الخليجية إزاء تلك التطورات لحماية منظومة دول التعاون الخليجية من تلك الأوضاع.
وأوضح أن الاشكالية تكمن في أن جبهة النصرة ليست بفصيل جديد، فتوجهات الجبهة معلومة والدعم لها معلوم وكل التنظيمات المشابهة ـ تاريخيا ـ تخرج من بوتقة الإخوان، لكن الأولويات حاليا مختلفة وماهو واضح للعيان حاليا أن تركيا تستخدمها لمصالحها الخاصة ولتحييد الأكراد كما كانت تفعل مع الجيش الحر في ترحيل أفراده من مكان إلى آخر وغدا سيكون لهم دور آخر، لا سيما وأن الجماعات الدينية المسلحة بكل أطيافها ما هي الا أحجار شطرنج يتلاعب بها وتوجه بما يخدم اللاعبين من خلف الستار فهم كانوا هكذا ولا يزالون وسيظلون كذلك.
واعتبر د.الغانم أن تصريحات الرئيس الاميركي جو بايدن حول الشأن السوري الراهن هي تصريحات الوقت الضائع باستثناء البقاء في شرق سورية منبع آبار النفط وتجمع قوات "قسد"، لافتا إلى أن ذلك الأمر رسالة مباشرة لفصائل المعارضة بالابتعاد عن تلك المنطقة حاليا، كذلك تمركز الصهاينة في منطقة جبل الشيخ وهي أعلى منطقة ستراتيجية مشرفة على الحدود اللبنانية- السورية والفلسطينية ولعل الهدف من ذلك توسيع المنطقة العازلة مع سورية كما فعلوا في غزة وجنوب لبنان.
وتوقع ألا تتوقف العمليات العسكرية الصهيونية حتى تجريد سورية من قدراتها العسكرية الثقيلة مثلما فعلوا مع حزب الله
الوضع لا يزال غامضاً
على صعيد متصل، قال الكاتب والمحلل السياسي د.عايد المناع إن الوضع في سورية لا يزال غامضا وما اتضح منه أن تغييرا سريعا قد حدث ويقود هذا التغيير تنظيم إسلامي أصولي ينتمي فكريا إلى تنظيم القاعدة الذي يسعى إلى إقامة دولة أصولية، وفي سبيل ذلك نفذ في الماضي القريب عدة عمليات ارهابية في عدة دول بينها خليجية منها المملكة العربية السعودية والكويت، لكن على دول الخليج أن تتعامل مع قيادة التغيير في سورية كأمر واقع ليس أكثر وتنتظر حتى تتضح هوية النظام السياسي وقد يلعب الرئيس التركي أردوغان دورا ضاغطا وكبيرا للحصول على مباركة للوضع الجديد كونه المتبني الرئيسي للمعارضة المسلحة السورية التي كانت تحارب نظام الأسد، وستعمل تركيا على تولي شركاتها إعادة إعمار سورية وحتما ستكون عين تركيا على دول مجلس التعاون الخليجي لدفع فواتير إعادة هذا الإعمار. وتابع د.المناع: إن على دول الخليج العربية أن تشدد على سلامة وحدة الأراضي السورية واحترام حقوق الإنسان وعدم إقصاء أي مكوّن اجتماعي وصياغة نظام قانوني جديد تكون حقوق المواطنة ـ وليس الانتماء العقائدي أو الحزبي ـ قاعدته وهذا ليس تدخلا في الشأن الداخلي السوري وإنما مبادئ عامة حرصا على إعادة اللحمة للمكونات الاجتماعية السورية وسلامة وحدة أراضيها.
وأضاف: علينا أن ننتظر لمعرفة توجهات الحكم الجديد تجاه دول الخليج، ونتعامل معه جماعيا بما يتفق مع مصالحنا دون فرض إملاءات على الوضع السوري الجديد.
النفس "الطالباني"
من جانبه، قال الحقوقي الدولي أنور الرشيد: إن الأوضاع في سورية الان تشي بنفس طالباني من خلال الاعدامات في العلن، داعيا دول مجلس التعاون الخليجي الى الانتباه لما يجري في سورية حاليا ووأد أي انتشار ارهابي حتى لا تزحف الافكار المتشددة والأيديولوجيا المتطرفة على دول مجلس التعاون الخليجية.
وشدد على ضرورة عدم ترك سورية حتى لا يتحول المشهد لما حدث في العراق بعد عام 2003 حتى لاتختطف المليشيات سورية.
وأضاف: إن المشاهد التي رأيناها في العديد من الفيديوهات التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي سواء من سجن صيدنايا سيئ الصيت والسمعة أو من شوارع دمشق التي سحلت فيها أجساد أزلام الرئيس المخلوع مؤلمة ومقززة وندينها إدانة كاملة وبأشد العبارات، ناهيكم عن الفيديوهات ذات النفَس الطائفي الكريه التي لا تبشر، ولا تطمئن على مستقبل سورية الجديدة التي نتمناها أن تكون قبلة الأحرار والحرائر وقلعة الحرية والديمقراطية.
وعن العنف الذي مارسه النظام السابق، قال الرشيد: انه عنف مدان بطبيعة الحال، فالعنف لا يبرر لأنه يجر وراءه عنفا، وبهذا تستمر الدوامة لتبتلع كل شئ، مطالبا أحرار وحرائر سوريا بالاستفادة من التجارب التي مرت بها شعوب المنطقة التي دخلت بدوامة عنف وطائفية منذ سنوات ولا تزال تدفع ثمن ذلك العنف الذي مورس عليها ومارسته على خصومها. وأشار الى ان الشعب السوري مر بأسوء مراحل تاريخه ومن غير الاعتقاد بأنه مر بتاريخه بأسوأ من مرحلة حكم البعث وحكم عائلة الأسد ولا يستحق ذلك الشعب البطل الأبي أن يعيش في دوامة عنف مستمرة وإن كانت قسد (قوات سوريا الديمقراطية) جادة في مسعاها لإنقاذ الشعب السوري فقد آن الأوان أن تثبت قولا وفعلا احترام حقوق الإنسان في معاملة خصومهم من مجرمي النظام السابق وتقدمهم لمحاكمة عادلة تتوفر بها كل شروط العدالة لتكون نموذجا يضرب بها الأمثال، فالمشاهد التي رأيناها كفيلة بأن تنتزع عدم الراحة والاطمئنان على الشعب السوري وأرجو ألا يقول لي أحد بأنها مشاهد مفبركة عبر أنظمة الذكاء الصناعي أقول له رجاءً احترم عقولنا فالحقيقة والواقع لا تكذب ما تراه العين وما نقرأه من تقارير ونسمعه من زملاء في ساحات الحدث.
نظام مستبد
وأعرب الرشيد عن أسفه للفيديوهات التي راجت في رسائل التواصل الاجتماعي عن السجون والعذابات التي تعرض لها الشعب السوري بعد سقوط نظام الأسد الذي تخلى عنه حلفاؤه كعادة أي نظام مستبد يصل لنقطة لا يمكنه تجاوزها كنتيجة طبيعية لتراكم سياسات الذل والقهر والتعذيب وإهانة كرامة الإنسان والفساد الذي ينخر بذلك النظام حتى يسقطه من الداخل مثل السوس لا تراه من الخارج ولكنه ينخر الجذع حتى يتهاوى. واختتم كلامه قائلا: إن على دول الخليج ودول العالم الحر والأمم المتحدة أن تتدخل بكل قوة لدعم أمن واستقرار سورية لكيلا تكون بؤرة لكل متطرفي العالم الذين سيسعون دون شك للزحف على كل دول الجوار كما أعلن متطرفوهم بكل وضوح وإن لم تتدخل دول الخليج فلن تسلم على الاقل من شظايا التطرف بأحسن الاحوال.
كل الجيران لا يرغبون في سورية مستقلة وقوية... والبعض يريدها حديقة خلفية
أشار د.عبدالله الغانم إلى حقيقة مهمة في سياق التحليل السياسي للوضع في سورية، وقال: ان كل جيران سورية لا يرغبون في سورية مستقلة ولا قوية، فكما أن إيران تريد للعراق أن يكون حديقة خلفية له؛ فإن تركيا تأمل بجعل سورية حديقتها الخلفية، ولهذا فهي تبذل جهدا للتفاهم مع الحلفاء حول هذا الهدف، لافتا إلى أن التغيير في المنطقة لا يزال قائما وربما يكون العراق على موعد مع المرحلة المقبلة.
0 تعليق