تعتبر مدينة أتريب واحدة من أروع المعالم الأثرية في مصر، وهي تقع في محافظة القليوبية، وتعد شاهدة على تاريخ طويل يمتد لآلاف السنين من الحضارة الفرعونية.
يعود تاريخ تأسيس مدينة أتريب إلى الأسرة الرابعة الفرعونية، حيث أسسها الملك سنفرو حوالي عام 2613 ق.م، ومنذ ذلك الحين شهدت المدينة تطورًا كبيرًا، فقد كانت مركزًا دينيًا واقتصاديًا مهمًا في العصور القديمة.
وعلى الرغم من أن المدينة الحالية تُعد جزءًا من مدينة بنها، فإن الموقع الأثري لمدينة أتريب يحمل أهمية تاريخية لا تُضاهى، إذ أنه يشكل جزءًا أساسيًا من تاريخ الحضارة المصرية القديمة.
تعد أتريب، التي كانت تُعرف في العصور الفرعونية باسم “تريبت”، واحدة من أهم مدن الدلتا القديمة، وكانت تشتهر بموقعها الاستراتيجي على الضفاف الغربية لنهر النيل. كانت المدينة بمثابة مركز تجاري وديني مهم، فقد كانت مقرًا للعديد من المعابد والآثار التي تعكس عظمتها في تلك الحقبة.
وقد شهدت هذه المنطقة، على مدار التاريخ، العديد من التحولات الحضارية التي تركت بصماتها على المدينة.
في عام 1909، تم اكتشاف 3500 عملة برونزية داخل جدار من اللبن في منطقة أتريب، وهو اكتشاف مهم ألقى الضوء على النشاط التجاري الكبير الذي كان قائمًا في المدينة في ذلك الوقت. وفي عام 1910، قام الأثري أنجلياك بإجراء دراسات على المنطقة وأثبت أن مدينة أتريب كانت تعد مركزًا حضاريًا عظيمًا يحتوي على العديد من القطع الأثرية.
وقام بتقسيم المدينة إلى 20 تلًا أثريًا تمتد على مساحة 200 فدان، مما يؤكد أنها كانت منطقة غنية بالآثار والمعابد.
من أهم المواقع الأثرية في مدينة أتريب هي “حمامات أتريب” التي كانت تُستخدم كمراكز اجتماعية حيث كان الأهالي يتجمعون في الظهيرة لمناقشة شؤونهم. هذه الحمامات، التي تُعد شبه متكاملة، تشمل صالات استقبال، وغرفًا للملابس، وأماكن لتسخين المياه.
وقد تم بناء الحمامات باستخدام الطوب الأحمر المغطى بالجير والرمل، وقد تعرضت لعدة عوامل جوية قاسية من رياح وأمطار، مما أثر على حالتها.
إضافة إلى ذلك، يُعتبر “التابوت الأثري” الذي تم اكتشافه في شارع فريد ندا بأتريب من أبرز الاكتشافات في المدينة. هذا التابوت، الذي يُحمل اسم “بف ثيو آمون” أو “تا أم حر آمون”، كان يستخدم في عملية دفن الشخصيات المهمة في مصر القديمة، ويحمل التابوت نقوشًا هيروغليفية على جوانبه، رغم أن الظروف الجوية قد تسببت في تلف بعض هذه النقوش.
ويمثل هذا التابوت أحد الأدلة الثابتة على أهمية مدينة أتريب في التاريخ المصري.
كما شهدت منطقة أتريب، على مر العصور، العديد من الاكتشافات الأخرى التي تسلط الضوء على التاريخ الغني لهذه المدينة. ففي عام 1937، تم اكتشاف آثار مهمة في المدينة، ولا تزال البعثات الأثرية المصرية تستمر في استكشاف المزيد من القطع الأثرية في المنطقة.
وفي عام 1968، قامت بعثة هولندية بإجراء حفريات في المنطقة، ومنذ ذلك الحين تستمر أعمال الحفر والتنقيب في المنطقة حتى اليوم.
وفي عام 2019، تمكنت مجموعة من خبراء الآثار في القليوبية من اكتشاف بقايا معبد فرعوني في منطقة أتريب ببنها، ويعود هذا الاكتشاف إلى العصر الفرعوني المتأخر، حيث تم العثور على جدران وأعمدة لمعبد يُعتقد أنه كان مخصصًا للعبادة.
وهذه الاكتشافات أكدت على أن المدينة كانت تحتوي على العديد من المعابد والآثار التي تدل على عراقتها الحضارية.
وبالإضافة إلى هذه الاكتشافات الأثرية، تمتلك مدينة أتريب موقعًا استراتيجيًا مهمًا يجعلها مقصدًا سياحيًا هامًا. في هذا السياق، أكد المهندس أيمن عطية، محافظ القليوبية، خلال تفقده لمنطقة آثار أتريب، أهمية تحويل المنطقة إلى مزار سياحي.
ووجه بتطوير المناطق الأثرية في المدينة بشكل يحافظ على تاريخها ويعزز مكانتها السياحية، مع إزالة النباتات الضارة وتجميل المنطقة بما يتناسب مع قيمتها الأثرية.
وبذلك، فإن مدينة أتريب تمثل جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الحضارة المصرية، وهي تحمل في طياتها كنزًا من الآثار التي تروي قصصًا عن الحضارة الفرعونية القديمة. ورغم التحديات التي تواجهها المدينة حاليًا، فإن الجهود المبذولة للحفاظ على هذا التراث العريق واستكشاف المزيد من معالمها الأثرية ستساعد في إبراز مكانتها كأحد أبرز المواقع التاريخية في مصر.
وعلى الرغم من الأهمية التاريخية والآثرية الكبيرة التي تتمتع بها مدينة أتريب، فإن هذه المدينة العريقة عانت من إهمال طويل في الحفاظ على آثارها. أتريب، التي تأسست في العصور الفرعونية وازدهرت في العصور اليونانية والرومانية، تمتلك تاريخًا طويلًا يحمل في طياته العديد من الآثار القيمة التي تعكس عظمتها كمركز ديني وتجاري. إلا أن هذه الآثار ظلت لسنوات عديدة مهمشة، مما أثر سلبًا على جهود الحفاظ عليها واستكشافها.
منذ اكتشاف أولى الآثار في المنطقة في بداية القرن العشرين، كانت المدينة واحدة من أهم مواقع الحفريات الأثرية في مصر. ومع ذلك، ظلت جهود التوثيق والتنقيب محدودة، وكان الإهمال يعصف بالعديد من المناطق التاريخية التي تحتوي على معابد ومقابر ومنازل قديمة. في السنوات الأخيرة، تم اكتشاف العديد من التوابيت الأثرية والمقابر والتماثيل في أتريب، إلا أن هذه الاكتشافات لم تحظَ بالعناية اللازمة من قبل السلطات المعنية، ما أدى إلى تعرض الكثير من القطع الأثرية للتلف والضياع.
أحد الأسباب الرئيسية لهذا الإهمال هو غياب الدعم المالي الكافي لعمليات الترميم والصيانة في المنطقة. على الرغم من القيمة الكبيرة التي تمثلها آثار أتريب، إلا أن الأموال المخصصة لهذه الأنشطة كانت ضئيلة، مما أدى إلى تدهور الحالة العامة للموقع. كما أن بعض الآثار كانت عرضة للسرقة والتخريب، وذلك بسبب عدم وجود حراسة كافية أو إجراءات أمنية محكمة.
علاوة على ذلك، فإن التخطيط العمراني في المنطقة لم يأخذ في اعتباره حماية المواقع الأثرية. فقد شهدت بعض أجزاء المدينة توسعات سكانية وزراعية على حساب العديد من المواقع الأثرية، مما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة من المدينة القديمة. فقد تم بناء المباني الحديثة بالقرب من المواقع الأثرية، مما جعلها عرضة للتدهور بسبب العوامل البيئية مثل التلوث والرطوبة.
تتطلب مدينة أتريب الآن انتباهًا عاجلًا من أجل وقف هذا الإهمال الذي يهدد معالمها الأثرية. فمن غير المقبول أن تظل هذه الآثار شاهدة على تاريخ عظيم، في حين أنها مهددة بالتدمير في ظل تجاهل مستمر وتقصير في الحفاظ عليها.
0 تعليق