منذ أيام الشباب، كانت أحلام اليقظة تداعب جفوننا، وتلهب مشاعرنا فـ"الغضب الساطع آتٍ" و"القدس لنا"، وكنا نحلم أن الدول العربية "ستلقي إسرائيل في البحر" وإننا "أمة واحدة ذات رسالة خالدة".
كانت أحلام اليقظة كأنها اليقين، وإن تحرير القدس ما هو إلا مسألة وقت، وأن فلسطين ستعود كاملة لأهلها لا محالة.
أقامت حركة القوميين العرب في ستينيات القرن الماضي الدنيا ولم تقعدها، وهتفت الإذاعات بشعارات الوحدة، ودوّت الآذان بأهازيج وخطابات النصر المرتقب عل إسرائيل، وكان الحديث عن السلام مع إسرائيل خارج العقل، والتطبيع خارج الالتزام القومي، وإقامة العلاقات معها خيانة.
ثم جاءت الصدمة المدوية، نكبة حزيران 1967، وأدركنا أن الوحدة العربية مستوى آخر من أحلام اليقظة، فقد كانت النكبة بالفعل صدمة عنيفة أيقطتنا من سبات عميق، ومن أحلام يقظة وردية، لم ندرك نحن شباب تلك الفترة بسببها، أن العدو ليس فقط في إسرائيل، إنما كذلك في أمور أخرى تغلغلت فينا.
ومن البعيد... البعيد إلى القريب، وكأن الليلة أشبه بالبارحة، ومنذ هجوم "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر العام الماضي، بدأت إسرائيل التدمير الممنهج والعنيف، لما كان يسمى "محور المقاومة"، بدأت مع "حماس"، لكنها أبادت غزة، ثم شنت حربها الشعواء على "حزب الله"، لكنها دمرت الجنوب اللبناني.
ثم التفتت إلى سورية، بعد سقوط نظامها، فدمرت ما تبقى منها، واستكملت احتلالها للجولان، فتداعى ما تبقى من النظام الأمني العربي، وتداعت معه أحلام اليقظة، وأصبحت هذه الدولة المارقة تصول وتجول، وتضع قواعد شرق أوسط جديد، من دون حسيب أو رقيب.
إلى أين سيمضي بنا كل ذلك، وهل أصبحت إسرائيل سيدة الموقف؟ من الواضح أن جميع جبهات المقاومة واطراف الصراع العربي والإسلامي قد حُيِّدت و"خرجت عن الخدمة"، وقد اتضح أن نظاما عربيا أمنيا إقليميا قادر على حمايتنا، من تداعيات النظام الدولي أضحى حلماً من أحلام اليقظة.
ومن الواضح أن النظام العربي يعاني من ضعف بيّن، أمنيا واقتصاديا، وتنمويا، فهل نحن في الخليج بعيدون عن آثار ذلك؟
إذ أن ذلك كله يضع أمامنا جميعا تحديا كبيرا بتقييم أوضاعنا الحالية، وصياغة مشروع عربي واقعي، ينتشلنا من الحالة القائمة على أن لا يكون حلما من أحلام اليقظة.
0 تعليق