قصص إسلامية
إن الذهاب باتجاه"المسامحة المائعة" خطر كبير، وإن التسامح والعفو كفعل محمود ومرغوب، لكن أن يكون بشكل فوضوي، وشامل، وعام لكل المجرمين والقتلة، فهو تفريط بالحقوق.
محاسبة القتلة هي تضميد للجراح النازفة، وباب للوصول للمصالحة الشاملة المستدامة.
رضي الله عن الخليفة عمر بن الخطاب القائل "لست بالخب ولا الخب يخدعني"، اي انني لست مخادعا، والمخادع لا يخدعني.
التاريخ القديم والوقائع الحديثة يعطياننا الدروس والعبر، ويساعداننا في اتخاذ المواقف والقرارات.
مثلاً بنو قريظة نقضوا العهود، وخانوا المسلمين في أصعب الظروف، وتآمروا مع الأحزاب التي حاصرت المدينة المنورة للقضاء على الإسلام والمسلمين، وكان ذلك خرقاً ونقضاً واضحاً للمعاهدة التي عقدها النبي (صلى الله عليه وسلم) معهم أول ما قدم الى المدينة.
فالغدر ونقض العهود والمواثيق خلق نشأوا عليه فلا يستطيعون فراقه، وقد وصفهم الله عز وجل بقوله "أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون"(البقرة:100).
تقول أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها): "لما رجع النبي (صلى الله عليه وسلم) من الخندق، ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل (عليه السلام) فقال: قد وضعت السلاح، والله ما وضعناه، فاخرج إليهم، قال: فإلى أين؟ قال: هاهنا وأشار إلى بني قريظة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم" (رواه البخاري).
أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) أصحابه بسرعة الخروج إلى بني قريظة، قبل إن يتحصنوا بحصونهم قال لهم: "ألا لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة".
فأسرع ثلاثة آلاف مقاتل من المسلمين إليهم، وحاصروهم في حصونهم خمسا وعشرين ليلة، حتى أتعبهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فنصحهم رئيسهم، كعب بن أسد، بأمور منها الإسلام فلم يقبلوا منه، ثم بعثوا إلى النبي (صلى الله صلى الله عليه وسلم) يريدون أبا لبابة (رضي الله عنه) يستشيرونه، وقد كان حليفاً لهم، فنصحهم بالنزول على حكم الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فاستسلموا، وأذعنوا وقبلوا.
فحكّم النبي (صلى الله عليه وسلم) فيهم رجلا منهم، وهو سعد بن معاذ، الذي أصدر حكمه بأن يقتل الرجال، وتسبى النساء، وتقسم الأموال، فقال الرسول (صلى الله عليه وسلم): "لقد حكمت فيهم بحكم الله" (رواه البخاري).
لقد كان يهود بني قريظة حريصين على قتل وإبادة المسلمين، ونقضوا عهدهم مع النبي (صلى الله عليه وسلم)، ومن ثم فعلى الذين يستعظمون هذا الحكم عليهم، ويصفونه أنه كان شديدا وقاسيا، أن يحيطوا علما بجوانبه وظروفه، وما فعلوه من خيانة، ونقض للعهود في وقت كان صعباً وشديداً على المسلمين، ليدركوا أنهم هم الذين جروا على أنفسهم هذا الوبال.
قال ابن القيم: "وأما قريظة فكانت أشد اليهود عداوة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأغلظهم كفرا، ولذلك جرى عليهم ما لم يجر على إخوانهم".
رسالتي الى الإخوة في سورية، فبعد انتصاركم على القتلة والظلمة، احرصوا على عدم التهاون مع العدو، فإن التسامح مع القتلة الظلمة يعد من الأخطاء الفادحة، التي قد تجر الشعوب والأمم إلى الهلاك، فهو بمثابة فتح الباب أمام المخاطر التي تهدد الاستقرار والسيادة.
عبر التاريخ، أثبتت التجارب أن أي تهاون معهم، سواء سوء تقدير للموقف، أو رغبة في تجنب المواجهة، يؤدي في نهاية المطاف إلى نتائج كارثية.
العدو بطبيعته يستغل نقاط التسامح والتهاون، ويبحث عن أي فرصة لتحقيق للانقضاض من جديد، وعندما يجد من أمامه متهاوناً أو متردداً، فإن ذلك يشجعه على المضي قدماً في مشاريعه العدائية.
قد يبدو التهاون أحياناً وسيلة لتجنب الصراعات، لكنه في الحقيقة يرسل رسالة ضعف، ويمنح العدو الثقة للاستمرار، وإنتاج نفسه من جديد.
ورضي الله عن الخليفة عمر بن الخطاب القائل "لست بالخب ولا الخب يخدعني"، اي انني لست مخادعا والمخادع لا يخدعني، وفي هذا القول حكمة ما بعدها حكمة، لو أخذ بها المسلمون لما قبلوا ان يتبعوا من يخدعهم باسم التسامح والتهاون مع القتلة المجرمين.
إمام وخطيب
0 تعليق