كشفت صحيفة «نيويورك تايمز»، أنه بينما يتعامل المسؤولون الأميركيون مع الإدارة السورية الجديدة، إلا أنهم يدركون «حلقة مؤلمة» في السياسة الخارجية الأميركية الأخيرة والتي لاتزال عواقبها تتكشف، وهي استيلاء حركة «طالبان» على السلطة في أفغانستان.
والتقى 3 دبلوماسيين أميركيين الأسبوع الماضي في دمشق، مع زعماء «هيئة تحرير الشام»، وكان هدفهم إقناع الجماعة المسلحة بحكم البلاد بطريقة معتدلة.
ويعتقد المسؤولون أن هذا هو أفضل أمل لمنع سورية من الانزلاق إلى العنف والفوضى الجديدة التي قد تزيد من زعزعة استقرار الشرق الأوسط وتمكين الجماعات الإرهابية المناهضة لأميركا.
وقالت باربرا ليف، المسؤولة البارزة في وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، إن قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع، «بدا براغماتياً» خلال الاجتماع في دمشق.
وذكرت أن الشرع قدم «تصريحات معتدلة» في شأن مجموعة من المسائل، بما في ذلك حقوق المرأة والأقليات، وقدم تأكيدات بأن الجماعات الإرهابية لن تعمل داخل سورية.
ماذا يخيف أميركا؟
مع ذلك، يظل المسؤولون حذرين من الشرع، فهم يخشون أن يكون يتحدث بلطف لكسب الدعم الدولي بينما يخطط لتعزيز سلطته وربما فرض حكم إسلامي «متشدد»، كما فعل زعماء «طالبان» عام 2021.
وبينما كانت القوات الأميركية تستعد للانسحاب في ذلك العام، عمل المفاوضون الأميركيون على إدخال «طالبان» في اتفاق لتقاسم السلطة مع الفصائل الأفغانية الأخرى وحثوها على التخلي عن هدف فرض الشريعة الإسلامية على البلاد بأكملها.
ويعتقد بعض المسؤولين الأميركيين أن الجماعة أصبحت أقل تشدداً منذ الإطاحة بها من قبل القوات الأميركية في 2001.
وبعد رحيل آخر القوات الأميركية وفرار الرئيس الأفغاني، اجتاحت «طالبان» كابول واستولت على السلطة.
ولم تضيع الحركة الكثير من الوقت في فرض قيود صارمة على الحياة اليومية، مثل حظر الموسيقى، إغلاق مدارس البنات، اضطهاد الأقليات والمنافسين السياسيين، ومنع النساء من دخول معظم الأماكن العامة.
وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن الأسبوع الماضي خلال ظهوره في مجلس العلاقات الخارجية في مدينة نيويورك: «هناك درس هنا. لقد أظهرت طالبان وجها أكثر اعتدالاً - أو على الأقل حاولت ذلك - في الاستيلاء على أفغانستان، ثم ظهرت ألوانها الحقيقية. والنتيجة هي أنها لاتزال معزولة بشكل رهيب في كل أنحاء العالم».
ووصف هذا المثال بأنه قصة تحذيرية لـ «هيئة تحرير الشام»، لكن بعض المحللين يحذرون من أن الولايات المتحدة كان ينبغي لها أن تتعلم من تجربتها في أفغانستان أيضاً.
وقال بيل روجيو، وهو جندي سابق في الجيش الأميركي ومحرر مجلة «The Long War Journal»، وهي مطبوعة إلكترونية تركز على مكافحة الإرهاب، «كان الناس في وزارة الخارجية هم الذين أخبرونا أن طالبان ستعتدل، وأنها تسعى إلى الشرعية، لكننا فشلنا في فهم أن ما يسعون إليه أولاً وقبل كل شيء هو السلطة، والتمسك بها، وفرض نسختهم من الشريعة على شعبهم».
وفي اليوم نفسه الذي عقد فيه المسؤولون الأميركيون اجتماعاتهم في دمشق، أصدرت الولايات المتحدة وحكومات عدة أخرى بياناً مشتركاً أعربت فيه عن «قلقها البالغ» إزاء منع «طالبان» الأخير للنساء والفتيات من الالتحاق بكليات الطب.
ورأى كولن كلارك، مدير الأبحاث في مجموعة صوفان، وهي شركة استشارية تتعقب الإرهاب العالمي أن «الدرس المستفاد من أفغانستان هو أن النفوذ الغربي محدود».
وأضاف «نعتقد أن هيئة تحرير الشام تسعى إلى الشرعية، وأنها على استعداد للاعتدال لكسب تلك الشرعية. نحن لا نأخذ في الاعتبار أنهم قد يلعبون بنا بالفعل، ويخبروننا بما نريد سماعه».
ويشعر المسؤولون الأميركيون ببعض الاطمئنان من الطريقة التي حكمت بها «هيئة تحرير الشام» الأراضي السورية الخاضعة لسيطرتها قبل الإطاحة بالرئيس بشار الأسد.
الأفعال «حاسمة»
ويقول المحللون إن الهيئة لم تعد تستخدم تكتيكات إرهابية مثل التفجيرات الانتحارية ولا تدعو إلى شن هجمات على دول أخرى.
ومع ذلك، يظل مسؤولو إدارة الرئيس جو بايدن حذرين، ويؤكدون أنهم سيزيلون الهيئة من القائمة الأميركية للإرهاب فقط إذا دعمت المجموعة أقوالها بالأفعال.
وتأكيداً على ذلك، قالت ليف الجمعة «الأفعال هي الشيء الحاسم».
إن أحد الاختبارات الحاسمة هو ما إذا كانت حكومة الشرع الجديدة ستمنع الإرهابيين من استخدام سورية كقاعدة لهم.
ويرى بعض خبراء السياسة الخارجية أن الدرس المستفاد من «طالبان» ليس أن الولايات المتحدة يجب أن تحافظ على مسافة حذرة، بل يجب أن تشارك بشكل أكثر نشاطاً في سورية.
وقال زلماي خليل زاد، الذي شغل منصب المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى أفغانستان في عهد الرئيس دونالد ترامب، وحتى أواخر عام 2021، في عهد بايدن، إن الإدارة ارتكبت خطأً بعدم إجراء المزيد من الاتصالات المباشرة مع «طالبان» بعد توليها السلطة في كابول.
وأعلن أنه حض كبار المسؤولين في بايدن على اتباع نهج أكثر نشاطاً تجاه سورية، وأن اجتماع الأسبوع الماضي مع الشرع ورفاقه كان «خطوة إيجابية».
وأضاف: «سورية أكثر أهمية من الناحية الإستراتيجية للولايات المتحدة من أفغانستان، مما يجعل المهمة أكثر إلحاحاً».
0 تعليق