مستويات جودة الحياة من العيش إلى التمتع بالحياة!

مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
شاركت مؤخرا في مؤتمر الرياض للفلسفة 2024 بورقة بحثية بعنوان "إطار فلسفي لتعزيز جودة الحياة في المدن في سياق التنوع والتعددية الثقافية". حاولت في هذه الورقة تسليط الضوء على العناصر الجوهرية في المدن لصياغة إطار لتعزيز جودة الحياة في عصر التنوع والتعددية الثقافية. يساعد هذا الإطار صُناع السياسات العمرانية في توجيه الممارسات العملية نحو تبني استراتيجيات التخطيط العمراني التي تعزز جودة الحياة. اعتمدت الورقة البحثية على المنهج النظري والتحليل النقدي المقارن لمجموعة واسعة من الدراسات التي تناولت مفاهيم جودة الحياة، بما في ذلك تحليل تطبيقات ثلاث مدن مصنفة ضمن المستويات العشرة الأولى في "مسح جودة الحياة" وهي فيينا، وكوبنهاجن، وزيورخ. يمكن القول إن جودة الحياة هي بمثابة سلم يتكون من مستويات تبدأ من تمكين الإنسان من العيش وصولا إلى التمتع بالحياة. هذه الفلسفة تؤكد أن جودة الحياة ليست مجرد القدرة على العيش؛ بل التفاعل والتأثير والشعور بالرضا والانتماء.

أولا: المستوى الأول "قابلية البيئة للعيش"، ونعني بها تطويع البيئة العمرانية كمكان قابل للعيش، بما في ذلك توفير الخدمات العامة والمرافق والأماكن العامة والملاعب والحدائق والنقل العام. تتضمن المؤشرات البيئية في هذا المستوى التدابير كافة التي تضمن بيئة صحية خالية من الملوثات والضوضاء، وآليات ملائمة للتخلص من النفايات وبشكل يقلل من الآثار السلبية للملوثات.

ثانيا: المستوى الثاني "قابلية الشخص للحياة"، ويؤكد هذا المستوى على ربط الفرد بأهدافه في الحياة من خلال تهيئة السبل كافة الممكنة لاستدامة الحياة، وتقليل أي عوامل أو منغصات تؤثر سلبا على حياة الإنسان. ويشمل ذلك توفير المرافق التي تدعم مراحل حياة الإنسان، مثل المرافق النوعية لكبار السن، ومرافق لرعاية الأطفال. أما المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية فتتضمن تفاعل الإنسان مع محيطه، من خلال إدراك مشاكل الحي السكني والتفاعل معها وتعزيز الخدمات التي تدعم الترابط الاجتماعي وتوفير الإسكان الميسر لمحدودي الدخل.

ثالثا: المستوى الثالث "فائدة الحياة"، ونعني بها تعزيز القيمة المضافة للفرد والمجتمع نحو الحياة، فالانطلاق نحو هذا المستوى لا يعني فقط الحياة؛ بل القيمة النفعية للحياة. تؤكد المؤشرات المادية على قيم الحفاظ على الثقافة والفنون والمشاهد الإبداعية التي تعكس الهوية المحلية والاعتزاز بالنفس. أما المؤشرات البيئية فتشمل التدابير التي تضمن استمرار البيئة والنظام الأيكولوجي بكفاءة، بما في ذلك دعم المسار التطوعي والحركات الداعية للحفاظ على البيئة. في حين تشمل المؤشرات الاجتماعية تعزيز قيمة الفرد وانتمائه، من خلال مستويات عالية من المشاركة المجتمعية في صناعة القرار التنموي، وتعزيز الشعور بالانتماء والإدماج الاجتماعي.

رابعا: المستوى الرابع "التمتع بالحياة"، وينتقل هذا المستوى إلى أبعاد تتخطى مسألة العيش إلى التمتع بالحياة نفسها، ويتحقق ذلك من خلال تعزيز مستويات الرضا الاجتماعي والشعور بالسعادة. هذا الشعور ليس بالضرورة أن يتحقق من خلال تعزيز كفاءة الخدمات المادية أو الصحية فحسب؛ بل إدراك الفرد بأهميته في المجتمع والاستماع إلى آرائه ومعدلات الاستجابة لشكاوى المواطنين في المدينة. كما يرتبط هذا المستوى بالتدابير الصحية التي يمكن اتخاذها لخفض معدلات الوفيات وتحسين المزاج العام حول الخدمات البلدية المقدمة للمواطنين دون تمييز.

ختاما، أوصت الورقة بضرورة إدماج مؤشرات جودة الحياة في الخطط الاستراتيجية للمدن، بما في ذلك قياس الرضا المجتمعي، والمشاركة المجتمعية في اتخاذ القرار، والحوكمة، وتعزيز قيم العدالة الاجتماعية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق