من الشهرة إلى الثروة: هل نحتاج إلى رقابة مالية على المؤثرين؟

جريدة عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
في عصر أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي منصة للأعمال وصناعة الثروة، يبرز نموذج «المشهورين» الذين حوّلوا تأثيرهم الرقمي إلى مكاسب مالية ضخمة. قضية استدعاء إحدى المشهورات، التي ذكرت أن دخلها السنوي يتجاوز 120 مليون ريال، تثير تساؤلات جوهرية حول التنظيم الضريبي والعدالة في التعامل مع هذه الفئة الاقتصادية الجديدة.

على الرغم من تصريح المشهورة بأن دخلها السنوي بلغ 120 مليون ريال؛ وهو مبلغ يتجاوز أرباح بعض الشركات المدرجة في السوق المالية، أشارت هيئة تنظيم الإعلام إلى أن هذه المعلومات غير صحيحة. هذا التضارب يطرح تساؤلات حول الأسباب والدوافع وراء تقديم مثل هذه التصريحات المضللة، سواء كان الهدف منها الترويج الشخصي أو تعزيز الصورة العامة. وفي كل الأحوال، فإن هذا النوع من التدليس يُضر بمصداقية المؤثرين ويعكس خطراً على الشفافية في التعامل مع الاقتصاد الرقمي.

في المملكة العربية السعودية، ينظم نظام مكافحة التستر التجاري ولائحة هيئة تنظيم الإعلام بعض جوانب الأنشطة التجارية والإعلانية للمؤثرين، لكن غياب إطار واضح لتنظيم دخول المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي يخلق فجوة قانونية. في المقابل، التجارب الدولية مثل فرنسا أو الولايات المتحدة تفرض قيودًا صارمة على الإفصاح المالي للمؤثرين وإلزامهم بدفع الضرائب على جميع أرباحهم الإعلانية.

تضخيم الأرقام أو طرح معلومات غير دقيقة عن الدخل قد يؤدي إلى تضليل الجمهور وخلق صورة غير واقعية عن النجاح المالي. كما أن هذه التصرفات تُثير تساؤلات حول الإطار القانوني الذي يُنظم نشاط المؤثرين، وضرورة وجود متطلبات أكثر صرامة للإفصاح عن الحقائق. إن السماح بمثل هذا السلوك دون محاسبة قد يشجع المزيد من التدليس ويسيء إلى ثقة المجتمع في النظام الاقتصادي.

إن المبالغة في عرض الدخل، إلى جانب نقص الشفافية، لا يؤثر فقط على سمعة المؤثرين، بل قد يؤدي إلى تضليل الجمهور، ويدفع الشركات والأفراد إلى تبني نماذج اقتصادية غير واقعية. كما أن مثل هذه التصريحات قد تُثني الجهات الرقابية عن فهم الصورة الحقيقية لهذه الفئة الاقتصادية الناشئة وتأثيرها على الاقتصاد الرقمي.

في هذا السياق، يجب أن يشمل التنظيم الضريبي لهذه الفئة فرض ضريبة قيمة مضافة على الدخول المرتفعة كوسيلة لضمان العدالة المالية. يمكن اعتبار هذه الدخول جزءاً من النشاط الاقتصادي التجاري، خصوصاً أن المؤثرين يستخدمون منصاتهم كقنوات للتسويق وتحقيق أرباح ضخمة.

على سبيل المثال:

1- تحديد شريحة دخل سنوية (مثل 5 ملايين ريال وما فوق) لتكون خاضعة لضريبة القيمة المضافة.

2- وضع آليات واضحة للإفصاح عن الدخول مع متطلبات تقديم تقارير مالية دورية.

3- توجيه جزء من هذه الضرائب لدعم القطاعات الأكثر احتياجاً، مثل التعليم والصحة.

لضمان الشفافية والعدالة، يمكن استخدام أدوات تقنية مثل الذكاء الاصطناعي لتتبع الإعلانات والأنشطة المُدرة للدخل على وسائل التواصل الاجتماعي. كما يمكن إنشاء منصة إلكترونية تتيح للمؤثرين تسجيل أرباحهم بشكل دوري وبشفافية.

بدلاً من التركيز فقط على فرض الضرائب، يمكن أن تعمل الجهات الحكومية على شراكة مع المؤثرين من خلال توجيههم لدعم المبادرات الاجتماعية والاقتصادية. يمكن أن تشمل هذه الشراكات التزاماً بنشر محتوى توعوي أو المساهمة في تمويل مشاريع تخدم المجتمع.

الاقتصاد الرقمي يمثل فرصة كبيرة للنمو، لكنه أيضاً يتطلب تنظيماً يعكس العدالة والمصداقية. إن فرض ضرائب على الدخول المرتفعة لا يهدف فقط لضمان العدالة المالية، بل يسهم أيضاً في تعزيز الشفافية وبناء ثقة أكبر في النظام الاقتصادي.

إن ما حدث في هذه القضية يُظهر أن النجاح في منصات التواصل الاجتماعي لا ينبغي أن يكون على حساب الشفافية والمصداقية. المؤثرون هم جزء من منظومة اقتصادية واجتماعية أكبر، ويجب أن يتحمّلوا مسؤولية أكبر تجاه المجتمع من خلال التزامهم بمعايير الإفصاح والنظامية، وبمساهمتهم في دعم الاقتصاد الوطني بشكل عادل ومستدام.


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق