منذ نجاح الثورة في تغيير الواقع السوري، وإسقاط النظام، وكأن صانع القرار الإيراني فقد صوابه، فبدأ يضرب خبط عشواء في تصريحاته، فيما مفرداتها تدل على لغة هزيمة، أكان حيال الوضع في الإقليم عموماً، أو ما يسمى "محور المقاومة" على وجه الخصوص.
في المقابل، لم يكن الوضع الداخلي أفضل، إذ مع انهيار التومان بدأت تتصاعد النقمة على النظام الذي عليه أن يواجه أيضاً استحقاقات كبيرة، إقليمياً ودولياً.
هنا لا بد من الإشارة، إلى أن كل ما تمر به إيران اليوم كان محسوباً، منذ دفعت بأذرعها في الإقليم إلى ممارسات دموية، مرة تحت شعار تحرير فلسطين يبدأ من قطاع غزة، ومرات بتحريك ذراعها اللبناني في تعطيل المؤسسات، ومن ثم فتحه جبهة من الجنوب، كان الهدف منها تحريك المفاوضات خلف الكواليس بين طهران وواشنطن فيما يتعلق بالملف النووي.
فيما لم توفر مناسبة لتحدي دول المنطقة من خلال جماعة الحوثي ومنعها مرور السفن عبر باب المندب، وهو ما جعل الولايات المتحدة وبريطانيا تزيدان من مواجهة هذا الإرهاب البحري.
كما عملت على زعزعة الوضع العراقي، ومحاولة إشراك جماعاتها الطائفية في المذبحة ضد الشعب السوري، كما أنها كانت تتبجح بقدرتها على قلب الطاولة على الجميع في الشرق الأوسط.
كل هذا سقط مع فرار رئيس النظام البعثي من دمشق، لهذا أصبحت اليوم كالغريق الذي يتعلق بقشة الدعم الروسي والصيني، إلا أن الرياح لم تجر كما تشتهي سفينتها، فحسابات الدولتين غير ما هي عليها في طهران، فالحرب الروسية- الأوكرانية باتت معقدة، وموسكو تهمها النتائج على الأرض، فيما بكين مشغولة بمكان آخر، إضافة إلى ذلك أن كلتا الدولتين وجدتا أن تعاونهما مع دول الخليج أكثر فائدة لهما من إيران.
لهذا، يمكن القول إن طهران فقدت الأذرع الأخطبوطية الإقليمية، وخسرت معها الأوراق الإرهابية التي تبتز بها العالم، في المقابل إلى اليوم لم يقتنع صناع قرارها، أن الانتفاضات التي شهدتها منذ العام 1979 إلى الأمس القريب قوّضت قوة النظام داخلياً، ومع الأزمة الاقتصادية والمالية التي تواجهها اليوم، لم يعد لها من مفر إلا العودة إلى الرشد السياسي في معالجة علاقاتها، أقله مع دول الجوار التي مدت لها يد التعاون أكثر من مرة، إلا أنها كانت تقابلها بالإهارب والاستفزاز.
استناداً إلى كل هذا الواقع، لا يمكن لعاقل في المنطقة إلا أن يتمنى للشعب الإيراني الاستقرار، وعيش حياة كريمة، أساسها الخلاص مما تركته أربعة عقود ونصف العقد من أزمات، ويعود للمساهمة في نهضة المنطقة كما كان قبل العام 1979، لأن ذلك يساعد دول الجوار، وكذلك إيران، أن تكون قوة اقتصادية متطورة تساعد على تطوير المنطقة، والخروج من دائرة الأزمات التي سببتها رؤية غير واقعية، وهي "تصدير الثورة".
على النظام الإيراني حالياً، أن يتعلم من دول الخليج العربية، التي اختارت تصدير المعرفة والرخاء والاستقرار، والأمان، ليس لشعوبها فقط، إنما للعالم العربي، علّه يستفيد من الدرس.
هذا هو الفرق بين من يسلك طريق العقل والتنمية، ومن يسير في طريق الإهارب الوعرة، لذا عشية انقضاء عام رأى فيه العالم الكثير من الكوارث، والحروب العبثية، نتمنى للنظام الإيراني أن يحكّم العقل في العام المقبل، ويعمل مع الدول المجاورة من أجل التنمية، بعيداً من الشعارات الخيالية، وتكون هناك قناعة أن الاستقرار والتعاون مع الجوار مفتاح إيران إلى العالم.
أحمد الجارالله
0 تعليق