افتتاح المتحف المصرى الكبير يشكل حدثًا عالميًا فريدًا، ليس فقط لأنه أكبر متحف متخصص فى العالم، ولكن لأنه يشكل مع أهرامات الجيزة بانوراما تاريخية سياحية فريدة من نوعها، تجمع بين أقدم وأعرق حضارة فى العالم، وبين الحداثة والتطور فى قمتها من خلال أحدث وسائل العرض المتحفى والواقع الافتراضى لرحلة عبر التاريخ للحضارة والتراث المصرى عبر عدة حقب زمنية ومن خلال أكثر من قاعة عرض، ليصبح هذا المتحف أعظم مشاريع القرن الواحد والعشرين فى العالم باعتراف كل الخبراء والمؤسسات الدولية، التى تنتظر بشغف الافتتاح الرسمى الذى يدعو إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى عددا من ملوك وقادة وزعماء العالم قريباً لتدشين هذا الحدث الذى يشكل أعظم هدية ثقافية وإنسانية تقدمها مصر للعالم، فى رسالة جديدة ترسخ قيمة مصر الثقافية والحضارية، وأيضا قدرتها على تجاوز وتحدى أعتى الصعاب والنهوض من جديد لمواكبة كل أشكال الحداثة والتطور على شتى المستويات، ولم يكن استعادة مصر لوجهها الحضارى إلا واحدة من المعارك التنموية التى خاضتها فى العشر سنوات الأخيرة وحققت فيها جميعاً ما يشبه المستحيل.

< الحقيقة أننى كلما مررت بمنطقة الرماية أتوقف أمام متحف مصر الكبير، وتفاجئنى التطورات المستمرة والتغيير الجذرى للمنطقة وعمليات التطوير والتحديث للبنية التحتية والإنشائية التى جعلت هذه المنطقة فى صورة حضارية باهرة.. وتقفز إلى ذهنى كل الأحداث والمشاهد المرتبطة بهذا المتحف عندما كان مجرد حلم يراود الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، وفى أحد حواراتى الصحفية معه طرح الفكرة بشكل خيالى عندما قال إنه سيكون أكبر متحف فى العالم ليشكل بانورا مع الأهرامات بانورا للعراقة والحداثة لا تتكرر فى أى بقعة بالعالم، وكنت أشعر بأن خيال وطموح فاروق حسنى سوف تتصادم بمعوقات كثيرة منها عملية التمويل وعشوائية المنطقة وغيرها، إلى أن فاجأنا بإعلانه عن الاتفاق مع اليابان على منحة للبدء فى المشروع، وبالفعل جاءت لحظة وضع حجر أساس المتحف عام 2000 بحضور الرئيس الراحل حسنى مبارك، وأعلن فاروق حسنى فى هذا اليوم أن هذا المتحف سوف يشكل أكبر حدثاً ثقافياً حضارياً فى العالم، كاشفاً عن العوائد الضخمة لهذا المشروع وقدرته على مضاعفة الجذب السياحى لمصر بعد ربطه بمنطقة الأهرامات وتطويرها وتحديثها، وأيضا العوائد الأدبية لمصر باعتبارها مركز الإشعاع الثقافى والحضارى، إضافة إلى حماية واستغلال كنوز مصر الأثرية التى تكتظ بها مخازن العديد من المتاحف وإعادة عرضها بشكل يليق بالحضارة المصرية.

< مؤكد أن فاروق حسنى فاق كل أقرانه من وزراء الثقافة السابقين واللاحقين، ليس فى سنوات توليه المسئولية، وإنما فى تعظيم الإرث الثقافى المصرى على شتى المستويات، ساعده فى ذلك عالمه الإبداعى وقناعته أن مصر إذا كانت دولة نامية اقتصاديا وسياسيا، فإنها دولة عظمى حضارياً وثقافياً وتمتلك عشرات ومئات المواقع التى تجعلها أكبر متحف مفتوح فى العالم وهو الأمر الذى دفع الفنان فاروق حسنى للعمل فى مسارات متعددة لمدة ربع قرن وتحتاج إلى مجلدات لرصدها.. ويحسب للفنان فاروق حسين على الجانب الوطنى والسياسى أنه كان مبدعاً أيضاً فى رفض التطبيع مع إسرائيل وعدم مشاركتها فى معرض الكتاب ومهرجان القاهرة السينمائى وغيرها من الفعاليات الثقافية، وعندما التقاه عزرا فايتسمان رئيس إسرائيل وسأله عن سبب عدم التطبيع مع إسرائيل، رد فاروق حسنى بعبقريته أن التطبيع قرار شعبى، وأنا وزير ثقافة ولست رئيساً للمثقفين.. أسابيع قليلة تفصلنا عن افتتاح مشروع القرن بحضور فاروق حسنى صاحب الفكرة والمشروع، ومؤكد أن هذه اللحظة سوف تشهد أعلى درجات التكريم من الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى وضع قيم وأسس الجمهورية الجديدة وعلى رأسها تقدير عطاء أبناء هذا الوطن الذين ساهموا بشكل فاعل فى تقدمه وتحضره والحفاظ على أمنه وسلامته واستقراره.

حفظ الله مصر