رحل عام واستقبلنا آخر، ولنا أن ننظر لما مضى، ونحلم بما آت سائلين الله لوطننا الخير والرقى.
ورغم الحزن المرير على آلاف الشهداء فى غزة، وأوجاع المُشردين والمُهجرين والخائفين تحت قسوة آلة الحرب الإسرائيلية المتوحشة، ورغم هموم المصريين وأوجاعهم فى ظل الأزمات الاقتصادية والظروف القاسية، فإننى مُتفائل بالعام الجديد، وآمل أن يكون عام خير واستقرار وسعادة للمصريين.
كان 2024 عاما صعبا، شهدت مصر خلاله أزمات قاسية، وواجهت تحديات جسيمة، وعانى المجتمع معدلات غير مسبوقة للتضخم نتيجة تراجع قيمة الجنيه، متأثرا بالانخفاض الكبير فى عائدات قناة السويس، والتراجع اللافت فى دخل السياحة نتيجة العدوان الإسرائيلى الدامى على غزة، وآثاره الخطيرة على المنطقة ككل.
لقد دفعت مصر من قبل نصيبها من فاتورة الحرب الروسية الأوكرانية، إذ واجهت ارتفاعات قياسية فى أسعار كثير من الغلال والخامات الأساسية، واستطاعت أن تواجه كل ذلك برُشد وصبر وكفاءة، مثلما نجحت قبلها فى التعافى من آثار جائحة كوفيد 19 على الاقتصاد.
وإذا كانت هذه الضربات المُتلاحقة مُنذ عام 2020 قد حملت كثيرا من الآثار السلبية على الشعب المصرى خاصة على المستوى الاجتماعى، إلا أنها نبهت صناع القرار والمجتمع الاقتصادى ككل لتصحيح كثير من الأوضاع غير السليمة فى بنية الاقتصاد، بما يُقلل من أى آثار لأزمات أخرى.
وبطبيعة الحال فقد لفتت هذه الازمات، الأنظار لمواطن الخلل فى بنية الاستثمار، وعجلت بدراسة الاصلاحات المؤسسية المفترضة للاستثمار. وفى الوقت نفسه، فقد ردت الاعتبار للاستثمارات الخاصة، والأجنبية باعتبارها أفضل الحلول الحاسمة والفعالة للمشكلات المتراكمة.
والأهم فى تصورى، هو أنها أعادت ثقة الحكومة فى القطاع الخاص، وأوجبت اتصال الحوار بين الجانبين باعتبار أن القطاع الخاص هو شريك حقيقى وضرورى فى التنمية، وهذا ما شهدناه قبل أيام قليلة خلال لقاء الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، برجال الأعمال المصريين. فعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات فى الرؤى، إلا أن انطلاق الحوار بصراحة وشفافية يمثل استعادة لقيمة حضارية أساسية فى إدارة اقتصاد دولة كبيرة بحجم مصر.
إن للأزمات الاقتصادية بشكل عام بعض الجوانب الإيجابية، مثل خلق الدافع لتقييم الأوضاع والتعرف على مختلف التصورات سعيا لتغيير السياسات بما يحقق نتائج أفضل. وهى أيضا نمثل إلحاحا وإلزاما لصانع القرار لوضع خطط تطوير وتحسين أداء، وهى مُحفزة لمواكبة السياسات والأفكار والنظم المتطورة فى شتى أنحاء العالم.
وهذا هو سر تفاؤلى بالعام الجديد، الذى آمل أيضا أن تنجح فيه جهود مصر والدول العربية فى إيقاف الحرب الدائرة فى غزة، لأن استمرارها يضر بالمنطقة ككل. كما أتمنى أن تصدق الأنباء المتداولة بشأن اعتزام روسيا وأوكرانيا التفاوض من أجل السلام، لينعم العالم باستقرار حقيقى. وأدعو الله أن يحفظ سوريا وشعبها العظيم وأن تنجو من شبح الاضطرابات والحرب الأهلية بعد سنوات طويلة من الدمار.
ولا شك أن تحقق ذلك سيعيد الانتعاش لأسواق السياحة والتجارة والخدمات فى المنطقة التى لا تكاد تنعم بقليل من السلام، حتى تتجدد فيها الصراعات والأزمات مرة أخرى. وهو ما يفتح الباب لتدفقات استثمارية ضخمة لمنطقة الشرق الأوسط. ولأن مصر فى المركز منها، ولديها سوق كبير، وأنظمة ومؤسسات قوية، وتتمتع بفرص عظيمة، فإنها قادرة على اجتذاب روؤس الأموال والمشروعات العظيمة.
لكن المُهم أن نستعد ونواصل إصلاحاتنا فى ثبات، حتى نتمكن من التفرغ لأهم ملفات التنمية المنسية وهى التعليم والصحة.
وسلامٌ على الأمة المصرية
0 تعليق