الأديب الدكتور عبد الرحمن الكواري لــ العرب: «مملكة بلهمبار» تطرح تساؤلات حول مثلث «السلطة والحرية والعدالة»

العربية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 اختيار «الدالوب» محوراً لرواية «بلهمبار» لإظهار كيف واجه الأجداد التحديات
الرواية تحمل أبعاداً رمزية تجسد صراع الخير والشر والحكمة والجهل
الكُتاب القطريون ساهموا في توثيق التحولات التاريخية في الوطن
المحافظة على الريادة الثقافية للدوحة تتطلب مشاريع تعزز الحوار الثقافي مع العالم
 الكتابة نافذة للحوار مع القارئ وليست تعبيراً عن الذات فقط
الأدب من أقوى الأدوات لمعالجة قضايا المجتمع
 الكتابة عندي رحلة مستمرة.. وتطور أسلوبي نتيجة تراكم الخبرات والقراءات

 

أكد سعادة الكاتب والأديب الدكتور عبد الرحمن بن سالم الكواري وزير الصحة الأسبق، أن المحافظة على ريادة الدور الثقافي للدوحة تحتاج مشاريع طويلة الأمد تعزز الحوار الثقافي بين قطر والعالم.  وثمن سعادته في حوار خاص لـ «العرب» بمناسبة صدور روايته الجديدة «بلهمبار» جهود المؤسسات الثقافية في الدولة، في الارتقاء بالمشهد الثقافي. وشدد على دور الأدب في معالجة قضايا المجتمع، مشيرا إلى أن روايته الجديدة جاءت نابعة من حدث الدالوب وهو الإعصار الذي ضرب الخليج عام 1925 والمعروف بسنة الطبعة، موضحا أنها تحمل أبعادًا رمزية تجسد صراع الخير والشر، كما تَطرح تساؤلات فلسفية حول معنى السلطة، الهوية، والحرية.
ونوه د. الكواري بأن أكبر التحديات التي واجهته كانت الموازنة بين الحقائق التاريخية والجانب الإبداعي، كاشفا عن مشروع رواية جديدة مستلهمة من التاريخ أيضا.
وأكد على دور الأدب في قطر والخليج في المحافظة على الهوية، مشيرا إلى أن الرواية القطرية تحقق نجاحات متواصلة عبر تبني القضايا الإنسانية وأن الكتاب القطريين ساهموا في توثيق التحولات التاريخية.
وإلى نص الحوار:

 في البداية كل التهاني للكاتب الدكتور عبد الرحمن الكواري لصدور روايتك الجديدة «مملكة بلهمبار».. ونود أن نتوقف أمام فكرة الرواية وما الدافع وراء فكرة الرواية؟
شكراً لكم على هذا الاهتمام، بالنسبة لفكرة رواية «مملكة بلهمبار»، فهي نتاج تفكير طويل حول السلطة، الحرية، والعدالة في سياق اجتماعي وتاريخي معين، كنت أرغب في استكشاف العلاقة وبين الفرد والمجتمع في إطار رمزي يتيح لي أن أتناول قضايا العصر بعمق.
وكان الدافع وراء كتابة الرواية رغبتي في تقديم نموذج سردي يتناول الصراع الداخلي والتناقضات التي يعيشها الإنسان ومواجهته للظروف الاجتماعية، مع تسليط الضوء على كيف يمكن للإنسان أن يعيد تشكيل واقعه.

 رواية خيالية غرائبية
 نود أن نتوقف على تعريف موجز لرواية «بلهمبار»؟
هي رواية ثلاثية خيالية غرائبية مثيرة توظف لغة الخرافة والأسطورة والخيال العلمي التصور حتمية الصراع بين الخير والشر، الماضي والحاضر، الفساد والإصلاح، الجن والإنس، البحر واليابسة، القديم والجديد، العصرنة والمواكبة، كما أنها تجسد حياة الأجداد وما واجههم من صعاب ومتغيرات طرأت في حياتهم لأجل الرزق، وما بذلوه من مثابرة وهمة ونشاط في السعي والطموح.
وتدور أحداثها حول الإعصار البحري (الدالوب) الذي حدث في الخليج العربي عام 1925م والذي يطلق عليه أهل الخليج سنة الطبعة»، وراح ضحيته الكثير من البحارة وأدى إلى خسارة اقتصادية لأهل الخليج.
تقع الأحداث في فضاءات ثلاثة، القرية وهي قرية صغيرة في شمال شرق قطر والبحر الذي ضربه الإعصار البحري وحطم سفينة عامر ورفاقه في مغاص بلهمبار الشهير ودفعت بهم الأقدار إلى جزيرة غرائبية يحكمها ملك ظالم من جنس بشري غرائبي.

ألم تشعر بتحدٍّ عند اختيار حادث سنة الطبعة محورا للرواية.. خاصة أن القراء في قطر يعرفون جيدًا تفاصيله؟
 نعم.. كان هناك تحدٍّ في اختيار حدثٍ معروف ومؤثر في ذاكرة القراء في قطر، لكن هذا التحدي كان في حد ذاته فرصة لاستكشاف التفاصيل غير المعلنة لهذا الحدث وكيف يمكن أن يُرى من زوايا مختلفة كنت أرغب في التعامل مع الحدث ليس من خلال تقديم التفاصيل الحرفية المعروفة، بل من خلال التأمل الفلسفي والرمزي في تأثيره على الأفراد والمجتمع، لهذا اخترت أن أضع هذا الحدث في سياق روائي.

 وماذا عن المعالجة الروائية لهذا الحدث؟ إلى أي مدى تم اعتماد الحقائق وما حجم المتخيل في الرواية؟ وكيف اخترت أشخاص الرواية؟
الرواية تعتمد على مزيج من الحقائق التاريخية والمتخيل الأدبي، في «مملكة بلهمبار»، حاولت أن أظل مخلصًا للجوهر التاريخي للحدث، لكنني في نفس الوقت كنت أبحث عن طرق لإضافة عنصر المتخيل ليمنح القارئ مساحة للتفكير والتأمل، وبعض الشخصيات في الرواية هي شخصيات تاريخية معروفة، بينما البعض الآخر هو نتاج الخيال الذي يساعد في بناء الرواية وتقديم أبعاد إنسانية وفلسفية.
أما اختيار الشخصيات فقد جاء بناءً على تفاعلها مع الأحداث، وأردت لكل شخصية أن تعكس جانبًا من الإنسانية التي تتراوح بين القوة والضعف، النجاح والفشل، وهذا ما يجعل الرواية تعبيرًا عن الصراع الوجودي في مواجهة التحديات.

رسالة «بلهمبار»
ما هي الرسالة التي تحاول إيصالها من خلال «مملكة بلهمبار»؟ وهل تحمل الرواية أبعادًا رمزية أو فلسفية يمكن للقارئ أن يستخلصها؟
«مملكة بلهمبار» ليست مجرد حكاية تروي أحداثًا خيالية، بل هي انعكاس لصراع الإنسان مع ذاته ومع العالم من حوله، أردت من خلالها تسليط الضوء على القيم الإنسانية التي قد تُهمل في خضم صخب الحياة.
 فالرواية تحمل أبعادًا رمزية تجسد صراع الخير والشر، والحكمة والجهل، كما تَطرح تساؤلات فلسفية حول معنى السلطة، الهوية، والحرية. القارئ سيجد في النص مجالًا لاستكشاف تأويلاته الخاصة.

وماذا عن التحديات التي واجهتك أثناء كتابة «مملكة بلهميار»؟
أكبر التحديات كانت الموازنة بين الحقائق التاريخية والجانب الإبداعي، بالإضافة إلى بناء الشخصيات بطريقة تجعلها متماسكة وواقعية، كما أنني كنت أطمح لأن تكون اللغة بسيطة لكنها تحمل عمقًا فلسفيًا..
 أثناء الكتابة واجهت تحديات متعددة، بعضها كان أدبيًا وبعضها الآخر كان فكريًا: التحدي الأول كان في بناء عالم الرواية، عندما تكتب عن مملكة خيالية، عليك أن تخلق عالماً متكاملاً: جغرافيته، مجتمعه، قيمه، وحتى تناقضاته، كان من الصعب تحقيق هذا التوازن بين الواقعية والخيال، بحيث يبدو القارئ وكأنه يعيش داخل هذا العالم، دون أن يشعر أنه يقرأ شيئًا بعيدًا عن الواقع.
التحدي الثاني كان في التعامل مع القضايا الإنسانية الكبرى التي تناقشها الرواية، كنت أريد أن أطرح أسئلة جوهرية حول السلطة، العدالة، والمصير، دون الوقوع في المباشرة أو الوعظ. أردت أن تكون الرسائل ضمنية، تظهر من خلال الشخصيات والصراعات التي يعيشونها.
أعتقد أن كل تحدٍ واجهته كان جزءًا من الرحلة، وجعل الرواية أكثر نضجًا وعمقًا.
فلسفة سميدرا
كيف تصف تجربة كتابة هذه الرواية مقارنة برواية “سميدرا” السابقة والتي فازت بجائزة كتارا للرواية العربية فئة الرواية القطرية المنشورة؟
“سميدرا” كانت تجربة مختلفة لأنها تناولت القضايا الإنسانية كالحرية بمفهومها الواسع، بينما “مملكة بلهمبار” أكثر التصاقًا بالواقع التاريخي. ومع ذلك، أجد أن التحديات في كلا العملين متشابهة: كيف أجعل النص يعبر عن أفكاري دون أن يفقد روح الإبداع.

من وجهة نظرك هل تمكن الكتاب القطريون من توثيق التحولات التاريخية الحديثة في قطر من خلال أعمالهم الأدبية؟
نعم، تمكن الكتاب القطريون من توثيق التحولات التاريخية الحديثة في قطر من خلال أعمالهم الأدبية، حيث تناولوا في رواياتهم وقصصهم التغيرات التي طرأت على المجتمع القطري، مثل التحول من حياة البادية إلى المدينة، ومن حياة البحر إلى حياة مجتمع النفط، وسلطوا الضوء على إنجازات قطر في مجالات البنية التحتية، التعليم، والثقافة أبرزوا الهوية في ظل العولمة، كما جسدوا مشاعر الأفراد وتفاعلهم مع التحولات الكبيرة التي شهدتها البلاد، ومع ذلك، لا يزال المجال مفتوحًا لتوثيق أكبر لهذه التحولات بطرق أدبية أكثر شمولية وإبداعًا.
استكشاف القضايا الإنسانية
كيف تنظر إلى تطور أسلوبك الأدبي حتى إصدار هذه الرواية؟ وما الذي يزيد شغفك في الكتابة ويحفزك على تقديم أعمال جديدة؟
 الكتابة بالنسبة لي رحلة مستمرة، تطور أسلوبي جاء نتيجة تراكم الخبرات والقراءات، عندما أنظر إلى بداياتي، أجد أن الكتابة كانت أكثر عفوية، ربما تميل إلى التعبير المباشر عن الأفكار والمشاعر. ومع مرور الوقت، تعلمت أن أستخدم الأدب كأداة أكثر دقة، بحيث أُوصل الرسائل بصورة غير مباشرة عبر الشخصيات والصراعات. أصبح أسلوبي أكثر عمقًا وتركيزًا على التفاصيل التي تمنح القارئ شعورًا بالاندماج في القصة.
 كذلك، أصبحت أكثر ميلًا إلى استكشاف القضايا الإنسانية الكبرى بطريقة رمزية وطبقات متعددة. أما ما يزيد شغفي بالكتابة، فهو القدرة الدائمة للأدب على الإلهام والتأثير. الكتابة بالنسبة لي ليست فقط تعبيرًا عن الذات، بل هي نافذة للحوار مع القارئ، أجد متعة خاصة في التفاعل مع القراء الذين يجدون في أعمالي شيئًا يلامس قلوبهم أو يثير أسئلتهم.
ما يحفزني أيضًا هو الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع والإنسانية. كل عمل جديد أكتبه هو محاولة لفهم العالم بشكل أعمق، وربما للمساهمة في تغييره نحو الأفضل. كنت دائماً أردد هذه الخاطرة التي كتبتها حينما ولجت إلى عالم الرواية؛ يدفعني الشغف فأسير لا أقف، ها هي بوصلتي تدلني على الهدف.

‏ الأدب والمجتمع
وكيف ترى دور الأدب في معالجة قضايا المجتمع وإثارة النقاش حولها؟
الأدب هو مرآة المجتمع وصوته الناقد. من خلاله يمكننا إيصال الرسائل العميقة بطريقة مؤثرة، وهو يتجاوز حدود الزمان والمكان ليطرح الأسئلة التي قد تخجل السياسة أو الاقتصاد من مواجهتها، فالأدب هو أحد أقوى الأدوات لمعالجة قضايا المجتمع وإثارة النقاش حولها، لأنه يمتلك القدرة على الوصول إلى القلوب والعقول في آن واحد، وهو لا يقدم حلولاً مباشرة، ولكنه يفتح أبواب التفكير ويثير التساؤلات

هل لديك أعمال جديدة قيد الكتابة أو أفكار تسعى لتطويرها بعد هذه الرواية؟
نعم، لديَّ عدة أفكار قيد التطوير. أعمل حالياً على مشروع رواية تاريخية. الرواية التاريخيّة عمل فنيّ يتّخذ من التاريخ مادة للسرد، ولكن دون النقل الحرفيّ له.

كيف ترى تطور مكانة الرواية القطرية في المشهد الأدبي العربي؟ وهل من اقتراحات لتعزيز المشهد الأدبي في قطر؟
الرواية القطرية شهدت تطورًا ملحوظًا بفضل جهود الكتاب ودعم المؤسسات لتعزيز المشهد فهناك حركة أدبية تتنامى، مدفوعة برغبة الكتّاب في التعبير عن قضاياهم وتجاربهم بأسلوب أدبي رفيع، فالرواية القطرية بدأت تُلامس قضايا ذات بعد إنساني عالمي، مع الاحتفاظ بالطابع المحلي الذي يمنحها تميزًا، هذه الموازنة بين المحلية والعالمية هي ما يجعل الرواية القطرية قادرة على التفاعل مع القارئ العربي، وفي بعض الأحيان مع القارئ العالمي.
ولكن علينا التركيز على المبادرات الثقافية التي تتيح التفاعل بين الكتاب والجمهور، وتشجيع النقد الأدبي الذي يثري الأعمال.
مستقبل المجتمع الخليجي
ما هي رؤيتك الشخصية لدور الأدب في تشكيل مستقبل المجتمعات الخليجية؟
الأدب يلعب دورًا مركزيًا في تشكيل مستقبل المجتمعات الخليجية، لأنه أكثر من مجرد وسيلة للتعبير عن المشاعر أو تسجيل الوقائع، فهو أداة لفهم الذات، وتأمل الماضي، والتفاعل مع الحاضر، وبناء رؤية للمستقبل. فالأدب ليس مجرد مرآة تعكس الواقع، بل هو أداة لتشكيله وإعادة صياغته، وعلى الأدباء الخليجيين اليوم التركيز على القضايا المشتركة التي تربطنا جميعا، مثل الهوية الخليجية المشتركة، وكيف يمكن لهذه الهوية أن تتكيف مع التحديات العالمية. كما أنني أؤمن بدور الأدب في بناء القوة الناعمة للمجتمعات الخليجية؛ ويمكن أن يكون سفيرًا ثقافيًا على المستوى العالمي، مما يعزز الدبلوماسية الثقافية ويعكس ثراء الثقافة الخليجية وتنوعها.

باتت الدوحة واحدة من أبرز العواصم الثقافية عربيًا.. من وجهة نظرك، كيف تحافظ الدوحة على هذا المستوى؟
الدوحة أثبتت أنها عاصمة ثقافية رائدة من خلال مبادراتها المتميزة مثل معارض الكتب والمهرجانات الثقافية المتواصلة على مدار العام سواء من وزارة الثقافة أو متاحف قطر أو المؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا) أو مكتبة قطر الوطنية وكافة المؤسسات المعنية بالشأن الثقافي سواء حكومية أو مؤسسات مجتمع مدني، وللمحافظة على هذا المستوى، يجب أن نستمر في دعم الإبداع، مع التركيز على مشاريع طويلة الأمد تعزز الحوار الثقافي بين قطر والعالم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق