بعد زلزال سورية، ثمة هزات ارتدادية كثيرة تنتظرها المنطقة، خصوصاً دول ما يسمى "محور الممانعة"، لا سيما العراق الأكثر حساسية من خلال وضعه الداخلي، والسيطرة الإيرانية على معظم الميليشيات الطائفية، وعلاقتها غير المباشرة، مع "القاعدة" و"داعش"، وغيرهما من القوى الإرهابية، وهو ما يشكل نقطة اهتمام ستراتيجية، لا يمكن التغافل عنها.
لذا، هناك تعويل على رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، الذي عمل في السنتين الماضيتين من رئاسته على إعادة ضبط الأمور الداخلية، وتحسين علاقات بلاده مع دول الجوار الخليجي، تحديداً، وتبديد القلق الذي كان قائماً من خلال التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للعراق، عبر ميليشياتها، وهو ما كان يشكل تهديداً للمحيط الستراتيجي، لا سيما مع وجود طهران العسكري في سورية، والدفع لإثارة الحساسيات مع المكونات الأخرى في البلاد.
صحيح أن هناك اختلافاً بين البلدين الجارين، إذ للعراق خصوصيته، رغم أن الموقع الستراتيجي لسورية يجعلها نقطة الارتكاز في الإقليم، غير أن جارها الشرقي يمثل بوابة على الخليج وغرب آسيا، إلا أن عليه أن يتخلص من أعباء كثيرة شكّلتها هيمنة نظام الملالي خلال عقدين من الزمن.
منذ الأزل يطلق على العراق بلاد ما بين النهرين، وهذه الميزة جعلته يكتفي غذائياً، مع سهوله الخصبة، فيما منحته الثروة النفطية إمكانات ضخمة، لكنها لم تستغل طوال العقود الماضية بما كان يمكن أن يحوله قوة صناعية، وزراعية فاعلة في الإقليم.
فقد ابتُلي منذ العام 1958 بحكم شمولي قمعي، ومن ثم في السنوات الـ20 التي تلت سقوط نظام صدام، عاش في قلاقل افتعلتها طهران سعياً إلى تحقيق هدفها الستراتيجي "تصدير الثورة".
لهذا اليوم، وبعد المتغيرات الكبيرة التي شهدتها المنطقة، والجهود الكبيرة التي بذلها رئيس الحكومة الحالية الدكتور محمد شياع السوداني، أصبح من الضروري أن تتحول أنظار دول الخليج إلى هذه الدولة العظيمة، وأن يكون العمل جاداً لتحريرها من القبضة الإيرانية، عبر تركيز الاستثمارات فيه، التي تكون عامل جذب للملايين من أبناء العراق، مع تشجيع الانفتاح مع دول المنطقة.
كذلك مساعدة الحكومة الحالية على تفكيك حقل الألغام الميليشياوي، ما جعل هذا البلد، حتى وقت قريب، أقرب إلى الدول الفاشلة، حين سيطرت تلك العصابات على الثروة وعملت على توظيفها لمصلحة نظام الملالي.
من نافلة القول، إن التهديد الكبير للمنطقة ينبع من نظرية عبثية بدأ تنفيذها العام 1980، عندما شن النظام الفارسي الحرب على بلاد ما بين النهرين لـ"تصدير الثورة"، مستفيدا من افتعال فتنة طائفية، عبر مذهبة أماكن تعتبر مقدسة لدى إحدى الطوائف، لهذا عمل على ارتكاب بعض الجرائم ذات طبيعة طائفية، ما أجّج مشاعر القلق لدى المكونات ووظفها لاحقاً في بناء ميليشياته.
ولأنه كما يقال في الأمثال "إن اليد الواحدة لا تصفق"، ما يعني أن رئيس الحكومة العراقية لن يستطيع وحده، ومهما تمتع من حنكة وديبلوماسية، أن يواجه العاصفة، إذا لم تكن هناك قوة عربية اقتصادية تدعم جهوده، وهي موجودة لدى دول الخليج التي عليها أن تضطلع بدورها، الذي هو ضرورة تنموية لها، قبل أن يكون للعراق.
دول مجلس التعاون الخليجي بحاجة إلى سند اقتصادي يوسع من مجالاتها الاستثمارية الدولية، وحين تنفتح على هذا البلد العظيم، فذلك يكون نواة لسوق على غرار تلك الأوروبية، بل ستكون فاعلة أكثر، لأنها منطقة ستراتيجية نسبة إلى المزايا التي تتمتع بها.
استقرار العراق هو عامل استقرار للإقليم ككل، ومع وجود رئيس حكومة فاعل كمحمد شياع السوداني فإن المستقبل يبشر بخير كثير إذا كانت هناك نية خليجية للخروج من دائرة القلق التي سادت المنطقة منذ العام 1979.
- أحمد الجارالله
0 تعليق