قالت دار الإفتاء المصرية، إن حكم ذبح العتيرة في شهر رجب هو أمرٌ مستحبٌّ ومُرَغَّبٌ فيه شرعًا، وهو قربةٌ لله تعالى، كما أنَّ توزيعه للذَّبيحة كاملةً يوصف بالحرصِ على كمال الأجر والثواب من الله سبحانه، وإخلاصِ العمل له.
وأوضحت دار الإفتاء أن ما ورد من النَّهي عن ذبح العتيرة إنما هو عما كان من أمر الجاهلية من الذَّبح لغير الله تعالى، أو هو محمولٌ على نفي الوجوب عنها، أو أنها ليست كالأضحية في الاستحباب أو في ثواب إراقة الدم.
فضل الأشهر الحرم ومضاعفة الثواب والعقاب فيها
وأشارت دار الإفتاء إلى: اقتضت حكمة الباري سبحانه وتعالى تفضيل بعض الأزمنة والشهور على بعض؛ فَمَيَّزَ الأشهر الحرم على سائر الشهور، ومن رحمته بعباده أن جعل لهم فيها مواسم للخيرات، وحثهم فيها على اغتنام الأوقات والإكثار من الطاعات؛ رجاءَ رحمته، وابتغاءَ ثوابه، كما حذرهم من المعصية وظلم النفس فيها، فجعل عقوبةَ المعصية فيها مضاعفةً، كما جعل الأجر والثواب على الطاعات فيها مضاعفًا؛ فقال سبحانه: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: 36].
وقد كانت العرب تحترم هذه الشهور وتعظمها؛ اتباعًا لملة سيدنا إبراهيم عليه السلام؛ وقد بلغوا من شدة تعظيمهم لها أن اختصُّوها ببعض القربات، كما حرَّموا على أنفُسهم فيها سفك الدماء؛ فكان الرجل منهم يلقى قاتل أبيه في هذه الأشهر ولا يتعرَّض له بالأذى، حتى جاء الإسلام فأقرهم على تعظيمها.
قال فخر الدين الرازي في "مفاتيح الغيب" (16/ 41، ط. دار إحياء التراث العربي): [وأما قوله: ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ فقد أجمعوا على أنَّ هذه الأربعة؛ ثلاثةٌ منها سرد؛ وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وواحدٌ فرد؛ وهو: رجب، ومعنى الحُرُمِ: أنَّ المعصية فيها أشدُّ عقابًا، والطاعة فيها أكثر ثوابًا، والعرب كانوا يعظمونها جدًّا حتى لو لقي الرجل قاتل أبيه لم يتعرَّض له].
وقال الإمام البيضاوي في "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" (3/ 80، ط. دار إحياء التراث): [﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ﴾ أي: مبلغ عددها. ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ معمول عدة؛ لأنها مصدر. ﴿اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ في اللوح المحفوظ، أو في حكمه، وهو صفةٌ لاثني عشر، وقوله: ﴿يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ متعلقٌ بما فيه من معنى الثبوت أو بالكتاب إن جعل مصدرًا. والمعنى: أن هذا أمر ثابتٌ في نفس الأمر مذ خلق الله الأجرام والأزمنة. ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ واحدٌ فَرْدٌ؛ وهو رجب، وثلاثةٌ سَرْدٌ: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ أي: تحريم الأشهر الأربعة هو الدين القويم دين إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، والعرب ورثوه منهما. ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ بهتك حرمتها وارتكاب حرامها، والجمهور على أن حرمة المقاتلة فيها منسوخة، وَأَوَّلُوا الظلم بارتكاب المعاصي فيهن فإنه أعظم وزرًا؛ كارتكابها في الحرم وحال الإِحرام].
0 تعليق