كانت الرياح تصرخ فوق مياه البحر الشمالي، تحمل في طياتها ذكريات أزمان قديمة، حيث امتزجت الدماء بماء البحر، وأصداء الحروب بصرخات الانتصار، على هذه الأرض القاسية، وقفوا مجددًا، رجال الفايكينج، أحفاد أودين، وكأن التاريخ قد اختار لهم لحظة أخيرة ليحفر أسماءهم في ذاكرة العالم.
تحت السماء الرمادية المثقلة بالغيوم، اصطف المحاربون بأسلحتهم الثقيلة، دروعهم المتهالكة عكست قصص معارك لا تُحصى، وسيوفهم الحادة تحمل وشوم الزمن؛ كل جرح على المعدن يروي صراعًا قديمًا، هنا، عند حافة العالم المعروف، كانوا يستعدون لمواجهة عدوٍ لم يسبق لهم أن عرفوه، لم يكن العدو هذه المرة جيشًا أو مملكة طامعة، بل كان الزمن ذاته.
وقف قائدهم، «إريك ذو العين الواحدة»، على تلة صغيرة تطل على الساحة، كان وجهه يشبه منحوتة حجرية صقلتها الرياح والعواصف، عينه الوحيدة تحمل بريقًا أشبه بنار خافتة، رفع سيفه إلى السماء، فتوقف صخب الرياح للحظة وكأن الطبيعة تصغي له، صاح بصوت يملأه الكبرياء:
«إخوتي! لقد صنعنا من هذه الأرض أساطيرنا، وأبحرنا في البحار لنكتب التاريخ بدمائنا، اليوم، نقف أمام نهايتنا، لكن دعونا لا نجعلها نهاية عادية، دعونا نحولها إلى أغنية تُغنى للأجيال القادمة!».
تعالت صرخات المحاربين، أصواتهم كالرعد، ملأت الهواء بحماسة لا تخشى الموت، بالنسبة للفايكينج، الموت في المعركة هو طريق إلى «فالهالا»، القاعة الكبرى التي يجتمع فيها الأبطال، لم يكن أحدهم يخشى النهاية، بل كانوا يستقبلونها بأذرع مفتوحة.
بدأت المعركة، اصطدمت السيوف والدروع في سيمفونية من الحديد والنار، كل ضربة كانت صرخة تحدٍ في وجه الزمن، الأرض تحت أقدامهم اهتزت، وكأن الطبيعة ذاتها شاركت في هذا النزال الأخير، كان الفايكينج يقاتلون بشراسة الذئاب، وكأنهم يحاولون ترك بصمتهم الأخيرة على وجه العالم.
لكن الزمن كان أقوى، المحاربون سقطوا واحدًا تلو الآخر، وجوههم مغطاة بالعرق والدماء، ولكن أعينهم ظلت تحمل بريق التحدي حتى اللحظة الأخيرة، وقف إريك في النهاية وحيدًا، محاطًا بجثث رفاقه، والعدو يقترب منه ببطء، رفع سيفه مرة أخرى، كأنه يتحدى السماء والأرض معًا.
في تلك اللحظة، مر شريط الذكريات أمام عينيه، تذكر مغامراته في البحار، ضحكات رفاقه حول النار، وصوت أمواج البحر وهو يغني لهم أغاني الحرية، تذكر كل لحظة عاشها كمحارب لا يعرف الخوف، وشعر بشيء أشبه بالسلام.
عندما سقط، لم يكن سقوطه هزيمة، كان أشبه بانطفاء شعلة شمعة أضاءت طريقًا طويلًا، لكنها الآن تستريح، انتهت المعركة، لكن الفايكينج لم يُهزموا، أرواحهم صعدت إلى «فالهالا»، حيث سيستمرون في القتال والاحتفال للأبد.
أما الأرض التي شهدت معركتهم الأخيرة، فقد أصبحت مكانًا صامتًا، لكن الهواء فيها يحمل شيئًا مختلفًا، هناك، بين الرياح الباردة ورائحة البحر، يمكنك أن تسمع همسات قصصهمو تلك الحكايات التي يرويها الزمن عن رجال رفضوا أن يكونوا عاديين، حتى في نهايتهم.
وهكذا، انتهت أسطورة الفايكينج على الأرض، لكنها بدأت في الخلود، لقد رحلوا بأجسادهم، لكن أرواحهم ما زالت تجوب البحار، تبحث عن مغامرات جديدة، وتعلمنا أن النهاية ليست سوى بداية جديدة في مكان آخر.
0 تعليق