بيئة اقتصادية أكثر قوة وتنوعاً ومرونة تجذب الاستثمارات والمواهب
المنطقة من متلقٍّ سلبي لرأس المال إلى لاعب اقتصادي ذي تفكير عالمي ستراتيجي
"الضريبة الصفرية" رسخت انطباعاً أنها سبب استقطاب الشركات العالمية للمنطقة
دول الخليج قدمت حوافز مواكبة لـ"الضريبة الدولية" حافظت بسببها على ميزتها التنافسية
إعفاءات ستراتيجية رسخت مكانة مدن المنطقة كمراكز أعمال عالمية كسنغافورة وهونغ كونغ
"القيمة المضافة" طُبقت منذ 2018 بداية من الإمارات والسعودية ثم البحرين وعُمان
تنفيذ النظام الضريبي للشركات بشكل جيد يؤثر إيجاباً على النمو الاقتصادي للدول
تمر دول مجلس التعاون الخليجي حالياً بأهم تحول مالي منذ تأسيسها، إذ انه لسنوات، اجتذبت المنطقة الشركات متعددة الجنسيات بنظام "الضريبة الصفرية"، مما رسخ انطباعا لدى الشركات والحكومات على مستوى العالم أن الشركات تنتقل إلى المنطقة بهدف تحويل الأرباح وتقليل الأعباء الضريبية.
وفي تقرير لمجلة "غولف بيزنس" اعتبر أن تبني دول الخليج ومنها الكويت للحد الادنى للمعدل العالمي لضريبة الشركات بنسبة 15% المدعوم من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وتتبناه اكثر من 140 دولة بالعالم، سيؤدي الى انحسار هذا الانطباع.
واعتبرت أنه في ظل النظام الضريبي الجديد، الذي يجري تشريعه في العديد من البلدان بما في ذلك دول مجلس التعاون، ستعمل الشركات متعددة الجنسيات الكبيرة التي تتجاوز ايراداتها العالمية 750 مليون يورو في عامين من أصل أربعة أعوام سابقة في ظل قدر أعظم من الشفافية. ويتعين عليها الآن دفع حصتها العادلة من الضرائب بحد أدنى يبلغ 15%، بغض النظر عن البلد الذي تعمل فيه أو الذي لها وجود قانوني فيه. فعلى سبيل المثال، لم يعد بإمكان شركة يقع مقرها الرئيسي في لندن، ولها عمليات تمتد إلى دبي والمنامة، استغلال النظام الضريبي المنخفض في الإمارات والمنامة لتقليل إجمالي الالتزامات الضريبية للمجموعة.
الاستجابة الإقليمية
وقالت المجلة إنه استجابة لهذه المعايير العالمية، طبقت الإمارات معدل ضريبة على الشركات بنسبة 9% اعتبارًا من يونيو 2023 للشركات التي تزيد أرباحها عن 375 ألف درهم. والأمر الحاسم هنا هو أن هذه الإصلاحات ليست ضرائب على الجميع اذ تقدم الإمارات إعفاءً كاملاً للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي يقل حجم مبيعاتها عن 3 ملايين درهم، إلى جانب إعفاءات وحوافز أخرى مثل الإعفاء من الضرائب في المناطق الحرة بمعدل ضريبي صفري.
وتابعت أن تقديم هذه التدابير يساعد الإمارات على مواكبة المعايير الضريبية الدولية مع الحفاظ على ميزتها التنافسية من خلال الإعفاءات الستراتيجية والحفاظ على مكانتها كمركز أعمال عالمي، إلى جانب المراكز المالية مثل سنغافورة ( الضريبة 17٪) وهونغ كونغ (16.5٪). وذكرت أن دول مجلس التعاون الأخرى بدات تتكيف تدريجياً مع المبادرات الضريبية العالمية فقد طبقت الكويت المعيار العالمي بنسبة ضريبة على الارباح 15% على الشركات المحلية والأجنبية، فيما تحافظ قطر على معدل 10% مع التخطيط لإصلاحات ضريبية عالمية دنيا، وتدخل لوائح الضريبة العالمية الدنيا الجديدة في البحرين حيز التنفيذ في عام 2025. ورجحت المجلة أن تحذو السعودية وسلطنة عمان اتخاذ تدابير مماثلة حيث انضمتا أيضاً إلى تدابير الضريبة العالمية الدنيا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مما يخلق نهجاً منسقاً إقليمياً للضرائب. منذ عام 2018، طبقت دول الخليج ضريبة القيمة المضافة على مراحل، وكانت الإمارات والسعودية من أوائل الدول، ثم حذت حذوهما البحرين وسلطنة عمان.
وفي حين لم يتم الإعلان رسميًا عن ذلك، فقد تطبق قطر والكويت ضريبة القيمة المضافة قريبًا في غضون العامين إلى ثلاثة الأعوام المقبلة. وفي حين بدأت معظم الدول بمعدل 5%، فقد رفعت البحرين والسعودية منذ ذلك الحين المعدل إلى 10% و15% على التوالي، مما يدل على السيادة على معدلات الضرائب.
دول الخليج: نظرة مستقبلية
أظهرت الأبحاث أن النظام الضريبي للشركات والدول حيث يتم تنفيذه بشكل جيد يؤثر بشكل إيجابي على النمو الاقتصادي من خلال زيادة فرص العمل وتحفيز التوسع التجاري وجذب استثمارات جديدة. وعلاوة على ذلك، فإن الإيرادات الضريبية الإضافية تمكن الحكومات من الاستثمار في البنية التحتية والخدمات.
بينما تدرس عُمان فرض ضريبة الدخل الشخصي على أصحاب الدخول المرتفعة، تظل سياسة عدم فرض ضريبة شخصية في دول الخليج عامل تمييز حاسم ويحافظ هذا القرار الستراتيجي على ميزة المنطقة على المراكز المالية المتنافسة، حيث تتجاوز معدلات الضريبة الشخصية غالبًا 20%. ويستفيد صناع السياسة الإقليميون باهتمام متزايد من المواهب العالمية.
تنتقل دول الخليج من كونها متلقية سلبية لرأس المال العالمي إلى أن يصبحوا لاعبين اقتصاديين نشطين وذوي تفكير ستراتيجي على الساحة العالمية، إذ انه بعد انتقال السعودية مؤخرًا إلى الفوترة الإلكترونية، تحذو الإمارات حذوها من خلال الفوترة الإلكترونية الإلزامية للمعاملات بين الشركات وبين الشركات والحكومة بحلول يوليو 2026. وتمثل هذه المبادرة خطوة ستراتيجية نحو رقمنة البنية التحتية الضريبية وتعزيز الشفافية.
تهدف عملية إنشاء الفواتير الإلكترونية وتبادلها وتخزينها في الوقت الفعلي إلى تقليل الأخطاء البشرية، وتقليل مخاطر الاحتيال، وتحسين كفاءة النظام بشكل عام.
توفر الفواتير الإلكترونية للشركات الصغيرة والمتوسطة إمكانية الوصول إلى ممارسات الفوترة المتطورة لتعزيز الكفاءة التشغيلية والقدرة التنافسية، فالنسبة للشركات الأكبر حجمًا، فهي تقدم فرصة لتحديث العمليات، وخفض التكاليف، وبناء علاقات أقوى مع الجهات التنظيمية، وتعزز هذه المبادرة مكانة الإمارات كقائد إقليمي في مجال الابتكار الاقتصادي والتحول الرقمي.
وقالت المجلة إن التعديلات قصيرة الأجل أمر لا مفر منه حيث ستشهد الشركات تأثيرات فورية على صافي أرباحها. ومع ذلك، فإن الرؤية طويلة الأجل واضحة: "بيئة اقتصادية أكثر قوة وتنوعًا ومرونة تجذب الاستثمارات والمواهب الجيدة".
واضافت إن إدخال الإدارة الضريبية الرقمية، بما في ذلك الفوترة الإلكترونية، يشير إلى التزام المنطقة بالابتكار التكنولوجي. ومع إدخال ضريبة الشركات وقانون الحد الأدنى العالمي للضرائب، إلى جانب الفوترة الإلكترونية وزيادة الرقمنة، فإن الأمر لا يتعلق فقط بتحصيل الضرائب. بل يتعلق الأمر بإنشاء نظام بيئي اقتصادي شفاف وفعال يمكنه المنافسة على الساحة العالمية.
0 تعليق