مهلاً... الإصلاح الاقتصادي أوسع من مجرد التقليص المالي!

الكويت 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أتى قرار مجلس الوزراء، هذا الأسبوع، بعدم تجديد أو طرح أي عقود تأمين صحي جديدة لموظفي 11 جهة حكومية في سياق سياسات التوفير أو الترشيد المالي التي انتهجها الحكومة في الأشهر الماضية، مثل إلغاء عقد تأمين «عافية» للمتقاعدين، أو خفض البدل المالي لشرائح من العاملين في القطاع العام؛ في مسعى لتقليص عدد من المصروفات غير الضرورية في الميزانية العامة للدولة.

ومع أن مسألة ترشيد المصروفات العامة هي عملية مطلوبة، بل من واجبات الإدارة العامة، لكن من المهم التأكيد على أن عملية الترشيد المالي أشمل من مجرد تقليص بعض المصروفات، وأن مفهوم الإصلاح الاقتصادي أوسع من الترشيد أو حتى ضبط الهدر في ميزانية الدولة.

الكويت بحاجة إلى قدر أكبر من الجدية مع دعوات ترامب الصريحة لخفض أسعار النفط

خطة ومنفعة

وكي لا يكون الاعتراض في غير محله، فمسألة ترشيد المصروفات العامة حتى تكون ذات منفعة مستدامة؛ يجب وضعها في سياق خطة معلنة وواضحة، تتضمن مراحل زمنية متتابعة للإصلاح الاقتصادي والمالي، تركّز ليس فقط على تقليص المصروفات غير الضرورية، إنما أيضاً على كفاءة الإنفاق العام مقابل جودة الخدمات، لا سيما في قطاعات التعليم والصحة والإسكان والبنية التحتية وغيرها، علاوة على اتخاذ سياسات على المديين المتوسط والطويل تتعلق بإصلاحات جذرية في سوق العمل، وتنمية الإيرادات غير النفطية، ومعالجة التركيبة السكانية، إضافة إلى رفع وتنويع حجم الناتج المحلي الإجمالي ومكوناته.

ولعل الحديث عن مستوجبات الإصلاح الاقتصادي آنفة الذكر، يناقضها العديد من المؤشرات المالية والاقتصادية في الكويت خلال العام الحالي، حتى مع ضبط الإدارة الحكومية لبعض المصروفات و«البدلات» المالية، فحسب بيانات الهيئة العامة للمعلومات المدنية، فإن تركّز عمل المواطنين في القطاع العام بلغ مستوى تاريخياً في نهاية عام 2024 عند 85.1 في المئة من إجمالي العمالة الوطنية، فيما بلغت نسبة الكويتيين العاملين في القطاع الخاص أدنى نسبة تاريخية لها عند 4.1 في المئة، وكلتا النسبتين تناقض كل التصريحات الحكومية الهادفة إلى خلق فرص العمل للشباب الكويتي في القطاع الخاص.

هدر إضافي

ومبعث التركيز على مسألة سوق العمل أنه بات يستهلك 60 في المئة من جملة مصروفات الميزانية، بالتالي فإصلاحه، أو على الأقل عدم معاكسة مستهدفات إصلاحه، هو أولوية قصوى تتجاوز تقليص بعض المصروفات غير الضرورية، وهي بالمناسبة لا تتوقف على إلغاء تأمينَي «الموظفين» و«عافية»، أو خفض بعض البدلات الوظيفية، بل يمكن أن تمتد إلى مصروفات أكثر أهمية كتوفير عشرات الملايين من الدنانير من استبدال تأجير الجهات الحكومية للمجمعات التجارية بالمدارس والكليات غير المستغلة وتقليص الوزارات لعقود الاستشارات والمستشارين إلى جانب التحكم بمصروفات المهمات الخارجية والمؤتمرات، فضلاً عن ضبط صرف مئات الملايين في ميزانية الدولة مصنفة بصيغ مبهمة مثل «مصروفات خاصة، وأعمال أخرى، وخدمات متنوعة، وأنشطة مختلفة».

والحديث عن ضبط الهدر لا يشترط أن يكون مالياً صرفاً، إنما يكمن الهدر حتى في ضياع العوائد الاقتصادية أو تقييم كفاءة الإنفاق، خصوصاً فيما يتعلق بضعف استغلال أملاك الدولة أو ما يسببه من تضخم إلى جانب الفرص الضائعة من انحراف الإنفاق على المشاريع والمناقصات العامة من حيث فرص عمل وأموال وجودة الخدمة، بالتالي فإن عملية ضبط الهدر في المصروفات العامة لا يمكن حصرها في تقليصات مالية محدودة بل يجب أن تمتد إلى تقييم مدى جودة عوائد الإنفاق العام على الاقتصاد وخدماته عموماً، مع التأكيد على أن الإصلاح الاقتصادي أوسع وأشمل من سياسات التقليص المالي أو حتى ضبط الهدر في المصروفات.

الهدر غير المباشر في أملاك الدولة والمشاريع يضيِّع عوائد مالية واقتصادية

الجدية مطلوبة

وفي الحقيقة، فإن الإدارة العامة، لاسيما الاقتصادية، في الكويت بحاجة إلى قدر أكبر من الجدية في التعامل مع ملفات مالية الدولة واقتصادها، خصوصاً وسط الإشارات المبكرة التي أطلقتها أسواق الطاقة بالتزامن مع تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهام الرئاسة، ودعوته منظمة «أوبك» علناً إلى خفض أسعار النفط، وتلويحه بالحرب التجارية مع العديد من الاقتصادات الكبرى في العالم، وأهمها الصين، والاتحاد الأوروبي، ناهيك عن تخفيف الشروط الحكومية في الولايات المتحدة في عمليات الحفر والإنتاج النفطيين، وهو ما أعلنته شركة «شيفرون» أنها بدأت الإنتاج في توسعة قيمتها 48 مليار دولار لحقل «تنجيز» النفطي العملاق، مما سيرفع إنتاجه إلى نحو 1 في المئة من إمدادات الخام العالمية، مما يزيد بالتالي أعباء المعروض في سوق النفط... مع العلم أن ترامب مناهض بقوة لسياسات البيئة والحد من التغير المناخي، إذ أعاد تعهداته، في أول يوم من رئاسته، بالانسحاب - كما فعل في ولايته الأولى - من اتفاقية باريس الإطارية للمناخ.

ترشيد المصروفات ليكون ذا منفعة مستدامة يجب وضعه في سياق خطة معلنة وواضحة

صلاحيات وإحجام

لذلك، فالكويت معنية أكثر من أي دولة في العالم باحتمالات تراجع أسعار النفط العالمية، لأنها تعتمد على ايراداته بما يصل إلى 90 في المئة من اجمالي الايرادات وبما يوازي نصف ناتجها المحلي، بالتالي فإن سياسات الترشيد أو التقليص المالية غير الأساسية - وبعضها يحمل المجتمع مسؤولية الإخفاق الإداري - يمكن تفهمها من حكومات ذات صلاحيات محدودة أو مغلولة برقابة سلطات أخرى، وليس من حكومة تمتلك اليوم وبشكل استثنائي كل الاختصاصات التشريعية والتنفيذية في البلاد... وبدلاً من أن تطلق مشروعها الاقتصادي الشامل، الذي يستهدف الاستدامة ومعالجة الاختلالات المزمنة متضمناً جذب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز المحلية ورفع كفاءة المصروفات والخدمات؛ نجدها تحجم عن إصدار حتى برنامج عمل، وتعمّق اختلال سوق العمل، وتقوّض مفهوم الإصلاح الاقتصادي والترشيد والمالي في تقليص بعض المصروفات.

أخبار ذات صلة

0 تعليق