وجهة نظر: مستقبل المال: هل تستطيع العملات الرقمية إعادة تشكيل النظام المالي العالمي؟

الكويت 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مع تزايد المخاوف حول مستقبل الاقتصاد العالمي، تبرز العملات الرقمية كموضوع حيوي يشغل المحللين وصناع القرار. ومع تصاعد الدين العام الأميركي إلى 35 تريليون دولار، وفقاً لتقرير وزارة الخزانة الأميركية، يثار التساؤل حول إمكانية استخدام العملات المشفرة كوسيلة للسداد، وهي فكرة تحمل تداعيات اقتصادية وسياسية عميقة.

لقد اكتسبت العملات الرقمية، وعلى رأسها بتكوين، زخماً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، حيث تجاوزت قيمتها السوقية 850 مليار دولار في عام 2024. يعتقد البعض أنها قد تشكل بديلاً محتملاً للنظام النقدي التقليدي، لكن تطبيقها لسداد الدين القومي، كالدين القومي الأميركي على سبيل المثال، يواجه عقبات كبيرة، أبرزها معارضة الدائنين والمؤسسات المالية الدولية، فمعظم الدين الأميركي تحتفظ به دول مثل الصين (التي تمتلك 868 مليار دولار من السندات الأميركية) واليابان (1.1 تريليون دولار)، إلى جانب البنوك وصناديق التقاعد والاحتياطي الفدرالي الأميركي، وكلها تعتمد على الدولار كعملة استقرار، وبالتالي فإن قبول أصول متقلبة مثل العملات الرقمية يبدو خيارًا غير واقعي.

حتى لو فرضت الولايات المتحدة السداد بالعملات الرقمية، فإن العواقب ستكون وخيمة. رفض الدائنين لهذا الخيار قد يؤدي إلى تصنيف تخلف فني عن السداد، مما يرفع تكاليف الاقتراض ويهدد استقرار الأسواق المالية، كما قد يتسبب في عمليات بيع مكثفة للسندات الأميركية، مما قد يؤدي إلى انهيار سوق السندات وتراجع الثقة في الدولار.

وفقدان الدولار مكانته كعملة احتياطية عالمية سيؤدي إلى تقليص البنوك المركزية حول العالم احتياطاتها منه، والاتجاه نحو بدائل مثل الذهب. هذا التحول قد يؤدي إلى تضخم حاد في الولايات المتحدة، وارتفاع تكاليف الاستيراد، مما ينعكس سلبًا على الاقتصاد الأميركي.

أما على المستوى العالمي فإن تحول العملات الرقمية إلى النظام المالي الأساسي قد يعيد رسم موازين القوى الاقتصادية. تخيل عالماً تُعقد فيه صفقات النفط بالبتكوين، أو يتم تسعير الذهب بالإيثريوم، حيث تصبح الأنظمة المالية اللامركزية بديلاً لنظام «سويفت» التقليدي. في هذا السياق، قد تتراجع الهيمنة الاقتصادية الأميركية لمصلحة قوى أخرى مثل الصين أو الاتحاد الأوروبي، مما يعيد تشكيل النفوذ الجيوسياسي العالمي.

إضافة إلى ذلك، فإن الاعتماد المتزايد على العملات الرقمية قد يؤدي إلى تغييرات جوهرية في طبيعة النظام المالي العالمي، فالشركات والبنوك ستحتاج إلى تطوير أنظمة دفع جديدة تتماشى مع بيئة المعاملات الرقمية اللامركزية، كما أن الحكومات قد تواجه صعوبة متزايدة في فرض سياساتها النقدية، مما قد يؤدي إلى الحد من قدرة الحكومات على تنظيم الأسواق وجمع الضرائب، مما يخلق تحديات اقتصادية جديدة، أما على صعيد الداخل الأميركي فإن فقدان الدولار هيمنته سيضعف قدرة الاحتياطي الفدرالي على التحكم في معدلات الفائدة، مما قد يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال وأزمات مصرفية وانهيارات في سوق الأسهم.

ومع تزايد انتشار العملات الرقمية، قد نشهد تحولاً جذرياً في طريقة تعامل الأفراد والمؤسسات مع المال، فقد تتغير أساليب الادخار والاستثمار، حيث يلجأ المستثمرون إلى الأصول الرقمية باعتبارها ملاذاً آمناً بديلاً عن الدولار. وفي الاقتصادات النامية، قد يؤدي ذلك إلى تقليل الاعتماد على الأنظمة المصرفية التقليدية، كما هو الحال في السلفادور التي اعتمدت «بتكوين» عملة رسمية.

لكن الانتقال إلى اقتصاد رقمي بالكامل سلاح ذو حدين، فقد يوفر فرصًا لتحقيق نظام مالي أكثر عدالة وشمولية، لكنه في الوقت ذاته قد يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية وتحولات جذرية في موازين القوى. فإلى أي مدى نحن مستعدون لمثل هذا التغيير الجذري؟

في النهاية، يمكن القول إن العملات الرقمية لا تزال تفتقر إلى الدعم المادي المستدام، فهي ليست مدعومة بذهب ولا بسندات حكومية ولا بأي قيمة مادية يمكن الرجوع إليها عند الأزمات، مما يجعلها عرضة للتقلبات الحادة. صحيح أن تبني العملات الرقمية يتزايد، إلا أن استمرارها يعتمد على مدى قدرتها على إثبات جدواها الاقتصادية، في ظل واقع مالي معقد ومتغير، حيث قد لا يصمد أمام الزمن إلا ما يقوم على أساس اقتصادي متين.

أخبار ذات صلة

0 تعليق