مجرمون بلا رحمة
مهنة المحاماة مهنة إنسانية، واجتماعية، أساسها بذل العناية القصوى، وليس تحقيق النتيجة، فالقضاء هو الفيصل، وإليه المنتهى في تقرير العقوبة وفق قناعاته، ومسوغاته التي يستخلصها من الثابت في الأوراق، وما يقر في يقينه، وقناعاته.
ودور المحامي هو الاجتهاد في تقديم القضية بشكلها القانوني شكلاً، وموضوعاً، والبحث عن القانون الواجب التطبيق، وكذلك من قواعد مهنة المحاماة، حفاظ المحامي على أسرار موكليه، وعدم الإفصاح عنها أو نشرها، وإلا أصبح فعله مؤثماً يستحق عليه العقوبة لإفشائه الأسرار؟
لكن هناك من الجرائم البشعة، والحقيرة، والتي يأباها الخلق القويم، والقيم المجتمعية، ويجرمها القانون، وتحرمها الشريعة الإسلامية لكبر جرمها، وفاحشة فعلها الذي يفوق الوصف والتصور، ويخرج عن نطاق الإنسانية.
وهي عندما يعتدي الأب على أبنائه، خصوصاً، بناته جنسياً، ويستغل أبوته الناقصة، وحمايته الواهية سببا لإرغامهن على السماح لشهوته الشاذة، وسلوكه غير القويم. جريمة بشعة عندما يعتدي الأب على شرفه، ويهتك عرضه دون رحمة أو شفقة، أو مراعاة لضمير، أو رادع من دين أو قانون، جريمة (زنا المحارم) كما يصفها الشرع، ويجرمها القانون، وتأنفها النفس الإنسانية السليمة والأخلاق والسلوك القويم.
جرائم يرتكبها هؤلاء المجرمون بلا رحمة مع أقرب الناس لهم والأولى بحمايتهم، والخوف عليهم.
جريمة عقوبتها شرعا القتل حداً، مصداقاً لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): "من وقع على ذي محرم فاقتلوه".
وتصل عقوبتها في بعض القوانين الوضعية الى الإعدام، أو السجن 15 عاماً، جريمة مركبة فهي جريمة زنا وجريمة قطع للرحم، وتفتت لأواصر العائلة بدلاً من العناية بالأبناء وتربيتهم التربية القويمة.
هذا السلوك الشاذ والوحشي مستمر في بعض الحالات منذ الصغر، والى أن تبلغ البنت عنفوان شبابها، وقد يستمر هذا السلوك الشاذ على البنت حتى بعد زواجها للمتعة الشاذة، ولعظم الذنب، وبشاعة الجريمة لا تخرج للعلن لنتانة رائحتها، وأثرها على سمعة الأسرة، وقلة حيلة البنت المغتصبة، وضعف موقف الأم رغم علمها بهذه الجريمة، والتستر عليها، خوفا من بطش وسطوة الأب المجرم، أو سوء عاقبة الإفصاح عنها للأقرباء والمجتمع.
هذا السلوك الشاذ، والمحرم شرعاً، وقانوناً، وإنسانياً، هو نتائج قضايا رُفعت بعد أن ضاق الضحايا ذرعا بهذا السلوك الفاحش، وبعد أن تخلى الأب والأم عن حمايتهم، وإنصافهم، فلجأوا للعدالة حتى لو أثر ذلك على سمعتهم، فمن يعتدي عليهم جسديا، وجنسيا هو أولى الناس بحمايتهم، والدفاع عنهم، هذه الجريمة النكراء بحاجة الى فزعة مجتمعية، ورسمية من ذوي الاختصاص في علم النفس التربوي، والاجتماعي، والديني، بأن نعترف بوجودها أولاً في المجتمع، نتيجة لبعض الأمراض النفسية والاضطرابات التي تصيب البعض نتيجة لتعاطي المخدرات، والمسكرات، ولعدم تطبيق قواعد التربية. من عزل الأبناء عن بعضهم في النوم، وعن الوالدين. وتوعية الأبناء بسلوك التحرش، ومظاهره منذ نعومة أظفارهم، وحثهم على البوح به، والابلاغ عنه لحرمته دينياً، واجتماعياً، وكذلك عقد الدورات، والندوات لمناقشة هذه الجريمة الشاذة، وطرق مكافحتها.
وتوعية الصغار بها، كذلك أن تقوم الدولة بتدريس الأطفال بقواعد السلوك المجتمعي، وعزل الأبناء، وتوعيتهم بطرق التحرش الجنسي، وكيفية الإبلاغ عنها.
إن التستر على هذه الجرائم الفاحشة تحت مبرر الستر، والعيب، وعدم التحدث عنها يساعد المجرمين على الاستمرار بارتكابها دون واعز من ضمير، أو رادع من قانون، فهم وحوش، ومجرمون بلا رحمة.
دكتور في القانون ومحام كويتي
0 تعليق