الإثنين 20/يناير/2025 - 03:40 م 1/20/2025 3:40:00 PM
قبل أن تبدأ إسرائيل تنفيذ المرحلة الأولى من صفقة الرهائن بساعات، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء أول أمس السبت، ليعلن إلى شعبه، (لقد غيرنا وجه الشرق الأوسط)!!.. وقال، إنه (من خلال هذه الكارثة الرهيبة، ظهرت القوة الهائلة لروح الشعب الإسرائيلي، كما ظهرت البطولة العليا لجنودنا، وهذا ما يقودنا بتصميم شديد لتحقيق جميع أهداف الحرب: إعادة جميع رهائننا، والقضاء على قدرات حماس على الحكم، وضمان أن غزة لم تعد تشكل تهديدًا لبلدنا).. مشيرًا إلى أن الحكومة ومجلس الوزراء الأمني وافقت على الخطوط العريضة للصفقة.. لقد ظلت مهمة تحرير الرهائن عالقة في ذهني طوال الوقت.. ومع مواطني إسرائيل والعديد من أنحاء العالم؛ وسنعيد الجميع إلى ديارهم).. وأكد أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب بمجرد انتخابه، حشد نفسه لتحرير الرهائن.. تحدث معي مساء الأربعاء.. رحب بالاتفاق، وأكد بحق، أن المرحلة الأولى من الاتفاق هي وقف إطلاق نار مؤقت.. هذا ما قاله ـ (وقف إطلاق نار مؤقت) ـ وأن ترامب وبايدن أعطيا دعمًا كاملًا لحق إسرائيل في العودة إلى استئناف الحرب، إذا خلصت إسرائيل إلى أن مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق غير مُجدية.
ولم ينس نتنياهو أن يُقدِّر (قرار الرئيس ترامب برفع جميع القيود المتبقية على توريد الأسلحة والذخيرة الأساسية إلى دولة إسرائيل).. كما حدد رئيس الوزراء الإسرائيلي ـ في خطابه ـ بعض المبادئ، بما في ذلك القدرة على العودة إلى القتال إذا لزم الأمر.. سيكون هناك زيادة كبيرة في عدد الرهائن الأحياء الذين سيتم إعادتهم في المرحلة الأولى.. وقال نتنياهو، إنه على عكس موقف حماس في مايو، فإن عدد الرهائن الأحياء الذين كان من المفترض إطلاق سراحهم في المرحلة الأولى تضاعف تقريبًا.. بالإضافة إلى ذلك، ستواصل القوات الإسرائيلية الحفاظ على موقعها في ممر فيلادلفيا!!.. وقال إنه يخطط حتى لزيادة عدد القوات المتمركزة هناك!!.. فهل نحن أمام (وقف مؤقت للقتال في غزة)، يعقبه حرب من جديد على القطاع؟.
سلطت صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبرية، الضوء على الفشل الإسرائيلي في حسم الحرب على قطاع غزة، مؤكدة أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ستظل فاعلة ومتجددة، حتى لو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار واتفاق تبادل أسرى.. وفي مقاله، تطرق المحلل العسكري، يوآف زيتون، إلى مؤشرات الفشل الإسرائيلي في حرب الإبادة على غزة، والتي تتمثل في عدم تحديد أهداف استراتيجية واضحة للحرب، مما يزيد من حجم الخسائر العسكرية، ويؤدي إلى استمرار الحرب دون أفق.. وأوضح أيضًا أن افتقار الحكومة الإسرائيلية للشجاعة السياسية، لاتخاذ قرارات حاسمة بشأن غزة، وغياب بديل حقيقي لحماس، يترك إسرائيل أمام تهديد مستمر قد يتفاقم في المستقبل.
وقد بدأ زيتون مقاله بتقييم الجيش الإسرائيلي، بأن القتال ضد حماس سوف يُستأنف في المستقبل المنظور، بمجرد الانتهاء من المرحلة الأولى من اتفاق تبادل الأسرى، لأن إسرائيل لم تتمكن من نزع سلاح الحركة، التي ستبقى تشكل تهديدا (يجب محاربته).. ونقل عن مصادره في الجيش قولها: (حتى لو لم يكن هناك قتال على الأرض في البداية، فإنه بعد المرحلة الثانية من الاتفاق، فإن الشريط العازل السميك حول القطاع، سيبقى موطئ قدم للجيش الإسرائيلي، وسيكون نقطة انطلاق للغارات في عمق غزة إذا لزم الأمر).. كما يرى أن حماس ستظل تشكل تهديدًا عسكريًا على المدى البعيد، من خلال أنفاقها التي أصبحت جزءًا من بنيتها التحتية العسكرية، الممتدة لعشرات الكيلومترات تحت الأرض، حيث تعمل على تجميع الأسلحة وتدريب ناشطيها.. وبحسب زيتون، فإن الأنفاق والتسليح سيجعلان من المستحيل القضاء على حماس بشكل كامل في المستقبل القريب، وبالتالي سيتعين على الجيش الإسرائيلي مواصلة محاربتها، سواء من خلال العمليات العسكرية المباشرة، أو تنفيذ غارات في عمق غزة حتى بعد توقيع أي اتفاق.
في المقابل، نقل زيتون عن مصادر عسكرية قولها، إن الجيش الإسرائيلي يقاتل حاليًا في غزة دون هدف حقيقي أو استراتيجي، لكنه في الوقت نفسه يدفع ثمنًا باهظًا، من خلال زيادة عدد مقابره العسكرية كل يوم تقريبًا.. (إننا لا نتردد في إرسال المزيد من الجنود إلى حتفهم في معارك بلا هدف)، هكذا علق.. (إن كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي أضعف من أن يصرخوا، وأصبح السماح بالنشر أمرًا روتينيًا.. وعلى هذا النحو، فإن بيت حانون وجباليا ليستا سوى عرض ترويجي، لما سيحدث للجنود في غزة وخان يونس)، فمنذ أكثر من ستة أشهر، لم يعمل الجيش الإسرائيلي على نطاق واسع في خان يونس أكبر مدن قطاع غزة، وحماس لديها قيادات ذات خبرة هناك، مثل قائد لواء رفح، محمد شبانة، وحماس تسيطر على مدينة ضخمة مكتظة بالنازحين هناك، من النصيرات إلى دير البلح إلى مشارف رفح.. وفصَّل المحلل في صحيفة (يديعوت أحرونوت) الفشل الإسرائيلي في غزة، رغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، قائلًا: (هذا، ولم يدخل الجيش الإسرائيلي بعد إلى مدينة غزة نفسها، بأحيائها الكبيرة، مثل الشجاعية والدرج والتفاح ومخيم الشاطئ وحي الصبرة والرمال وغيرها).. إن العملية المتكررة في جباليا ومحيطها استمرت نحو أربعة أشهر، وأودت بحياة نحو ستين جنديًا في البلدات التي سبق أن دخلها جيش الاحتلال نهاية 2023، وهناك عدد أكبر من السكان متبقين في مدينة غزة، مقارنة بجباليا عشية العملية الحالية، والعملية العسكرية هناك ستكون أطول وأكثر صعوبة!!.
ورغم كل هذه الخسائر العسكرية التي يتكبدها جيش الاحتلال، يرى المحلل العسكري، أن الجيش الإسرائيلي يواصل خوض معركة طويلة ومُكلفة في قطاع غزة، فيما تواصل الحكومة الإسرائيلية المماطلة في اتخاذ القرارات السياسية الحاسمة، التي قد تضع حدًا لهذه الحرب.. ونقل عن محللين عسكريين إسرائيليين قولهم، إن (الحكومة الحالية بقيادة وزراء مترددين، لا تملك الشجاعة لمواجهة التحديات الكبرى التي تفرضها حرب غزة، وبينما يواصل الجنود الإسرائيليون دفع الثمن في معارك بلا أهداف واضحة، فإن الخسائر في الأرواح تتراكم، دون رؤية استراتيجية تحقق الأمن في المستقبل القريب.. وبدلًا من العمل على معالجة القضايا الأمنية الكبرى، يظل الوزراء مشغولين بأمور فورية، مثل توجيه الجيش لضرب غزة، إذا استأنفت حماس إطلاق الصواريخ، أو التعامل مع حوادث محددة في مناطق أخرى مثل السامرة).
وفي رأيه، فإن وزراء الحكومة ـ وعلى رأسهم رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو ـ غير قادرين على طرح رؤية شاملة، حول كيفية إنهاء الحرب في غزة بشكل فعال ومُستدام، وهذا يؤدي إلى إرسال الجنود إلى معارك مُكلفة لم تحقق نتائج ملموسة، دون أن تكون لديهم رؤية واضحة أو هدف محدد.. ناهيك عن الضغوط التي يتعرض لها الجيش، بسبب العمليات العسكرية المتعددة التي يخوضها على عدة جبهات، حيث يجد الجنود الذين يقاتلون في غزة أنفسهم في وضع صعب للغاية، ويضطرون لمواجهة تحديات متعددة في نفس الوقت، منها نقلهم إلى العمليات الأمنية في الضفة الغربية وسوريا، مما يعرضهم للإرهاق، وبالتالي يؤثر على قدرة الجيش على تحقيق أي نصر حاسم في غزة، ويزيد من حجم الضغوط النفسية التي يعاني منها الجنود.
وحول عدم وجود رؤية لدى الحكومة الإسرائيلية لشكل الحكم في غزة، يقول زيتون، (يطلب كبار المسئولين في الجيش الإسرائيلي من القيادة السياسية خلف الأبواب المغلقة، تكليفهم بمهمة محددة لتحقيق هدف سياسي محدد لغزة، حتى لو كان إعادة التوطين وإلغاء الانسحاب منها أو أي هدف مؤقت، مثل تشكيل حكومة عسكرية إسرائيلية كما كانت موجودة في الماضي، أو إيجاد حكومة محلية بديلة لحماس بالتعاون مع السلطة الفلسطينية، ولكن الحكومة الحالية تخشى أن تقرر أو تناقش، وكل نقاش من هذا القبيل مؤجل).. ويقول، نقلًا عن كبار جنرالات الاحتياط، أنهم يعبرون عن شكوكهم في أن الهدف الحقيقي للحكومة الإسرائيلية هو إعادة توطين غزة.. وقال الجنرالات إن الحكومة (ماكرة بما يكفي، لعدم الكشف عن هذا الهدف لعائلات المقاتلين والاحتياطيين)، لأن أي قرار سياسي بشأن غزة، يتطلب حملات إقناع داخل إسرائيل وخارجها، إلى جانب التخطيط المُطول، والميزانيات الضخمة، والثمن السياسي والاقتصادي الباهظ).. ولذلك يرون، أن (النتيجة هي التضحية بأرواح الجنود، إذ لا مشكلة في التضحية بهم من دون مبرر من أجل الوزراء).
وفي محاولة لتخفيف الضغوط الداخلية والخارجية، أطلقت الحكومة الإسرائيلية بعض المبادرات السياسية، مثل الإعلان عن خطط لتوزيع مساعدات إنسانية على سكان غزة، من خلال شركاء أمريكيين.. لكن هذه المبادرات فشلت على أرض الواقع بشكل واضح، وتبين أنها كانت مجرد محاولات لكسب الوقت والإيحاء بوجود خطة بديلة.. ليخلص زيتون أن (ترويج الحكومة لهدف انهيار حكم حماس المدني والعسكري، هو كذبة تم تسويقها للجمهور منذ الأسبوع الأول من الحرب، وهي لا تملأ الفجوة المطلوبة بشدة: من سيحكم المليوني شخص من سكان غزة بدلًا من حماس؟).. ولخص زيتون الأزمة التي تواجه الاحتلال بقوله، (تطورت حماس إلى قوة عسكرية ومنظمة، مدعومة بشبكة من الأنفاق والأسلحة، وما زالت تحتفظ بحضور قوي في غزة رغم سنوات الحروب، وبالتالي فإن العمليات العسكرية التي تُنفذ ضد الحركة قد تستمر لسنوات طويلة)!!.
●●●
طريق نتنياهو للموافقة (الجبرية) على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، محفوف بالمخاطر التي قد تودي بحكومته، ومن ثم محاكمته على قضاياه الجنائية المنظورة أمام القضاء.. لعل واحدة من أبرز العقبات أمام الاتفاق، تتمثل في موقف شركاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي، والحديث هنا تحديدًا عن بتسلئإيل سموتريش، وزير المالية، وعن إيتمار بن جفير وزير الأمن القومي.. وقد اجتمع الحزب الديني القومي ـ الصهيونية الدينية، الذي يتزعمه سموتريتش لبحث خطواته، بعد عدم التوصل إلى تفاهم بين سموتريش ونتنياهو في لقاءاتهما هذا بشأن الصفقة مع حماس.. وفي بيان رسمي، أعلن حزب الصهيونية الدينية، أنه يعارض الصفقة بشدة، وأضاف أن (الفصيل يقف وراء مطالب رئيس الحزب، الوزير بتسلئيل سموتريش، من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بضمان عودة إسرائيل إلى حرب تدمير حماس، وعودة كافة المختطفين، مع تغيير مفهوم القرار والانتصار، مباشرة بعد انتهاء المرحلة الأولى من الصفقة، وذلك كشرط لبقاء الحزب في الحكومة وفي الائتلاف).. وصرح عضو الكنيست تسفي سوكوت، من الصهيونية الدينية، (ليس لدينا في الوقت الحالي وعود واضحة باستمرار هذه الحرب، وبدون ذلك، لا أرى سببًا لبقائنا في هذه الشراكة.. سنقف ضد من ينهي حدث السابع من أكتوبر بانتصار حماس.. إذا انتهت هذه الحرب بسيطرة حماس على كامل غزة، فهذا نصر واضح لها.. لا نريد تفكيك الحكومة، لكن إذا أدت هذه الحكومة إلى انتصار حماس في هذه الحرب، هذا حدث سنقاتله!!).
ليس ذلك فحسب، بل إن هناك من يرى إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين بمثابة كابوس للإسرائيليين، ومن هؤلاء، ستيفن فلاتو، رئيس الصهاينة المتدينين في الولايات المتحدة. وهو والد أليسا فلاتو، التي قُتلت في هجوم فلسطيني عام 1995، ومؤلف كتاب (قصة أب: كفاحي من أجل العدالة ضد الإرهاب الإيراني).. يقول فلاتو، (كنت أعلم أن هذا اليوم سيأتي.. فمنذ بدأت إسرائيل في إطلاق سراح السجناء كبادرة حسن نية وفي مقابل الرهائن، كنت أعلم أن الوقت سيأتي عندما يتم إطلاق سراح الإرهابيين الذين تلطخت أيديهم بالدماء!!)، بحسب تعبيره.. وكأن نتيجة إطلاق سراح سجناء فلسطين في 2011، مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليط، الذي ظل محتجزًا لدى حماس لمدة خمس سنوات، لم تكن بمثابة تحذير كافٍ، فإن الجولة التالية من عمليات الإفراج ستكون مزعجة بنفس القدر بالنسبة للإسرائيليين.
في أعقاب مقتل ابنتي أليسا ـ بستطرد فلاتو ـ في هجوم في كفار داروم عام 1995، تمكنت إسرائيل من القبض على بعض المتورطين في مقتلها وإدانتهم والحكم عليهم بالسجن مدى الحياة.. وبينما يجلسون اليوم في سجن شديد الحراسة، بموجب أحكام بالسجن مدى الحياة، فأنا على يقين من أنهم يبتسمون أكثر من المعتاد، بسبب احتمال إدراجهم في قائمة السجناء الذين سيتم إطلاق سراحهم قريبًا.. لا شك أن أسر الأسرى الإسرائيليين مسرورة للغاية باحتمال لم شملها مع أحبائها، الذين ظلوا محتجزين لأكثر من عام في ظروف لا توصف تحت الأرض في غزة.. وأنا مسرور أيضًا، لأن الأسر سوف تجتمع من جديد، ولكن فرحتي تتضاءل عندما أعلم أن هؤلاء الفلسطينيين أصبحوا الآن قادرين على ممارسة (الإرهاب) من جديد.
هذه ليست تجربتي الأولى في التعامل مع إصرار إسرائيل على إطلاق سراح السجناء.. ففي مناسبتين سابقتين خلال الأعوام الخمسة والعشرين الماضية، عندما كانت إسرائيل تنفذ عمليات إطلاق سراح السجناء، بحثت بلهفة عن قائمة السجناء الذين سيتم إطلاق سراحهم.. وحين حصلت عليها، بحثت بعناية في قائمة الأسماء العربية المكتوبة بالأحرف العبرية، بحثًا عن أسماء نضال مصطفى بوري، وأحمد داود أبو داتشي، ومرام إبراهيم سلامة، والحليم صاحب عمر بلباسي، الذين يقضي كل منهم عقوبة السجن المؤبد، بسبب تفجير كفار داروم. وخلافًا للولايات المتحدة، لا تطبق إسرائيل عقوبة الإعدام على الإرهابيين.
ويرى فلاتو، أن هناك أسباب وجيهة لعدم إطلاق سراح الفلسطينيين المدانين. ورغم أن مثل هذه القرارات غالبًا ما تكون مدفوعة باعتبارات دبلوماسية أو أمنية أو إنسانية، فإنها (تنطوي على مخاطر كبيرة وتداعيات سلبية.. والصفقة الحالية لإطلاق سراح السجناء ضارة بإسرائيل، وعلى المدى البعيد، بالمجتمع الغربي لعدة أسباب).. إن إطلاق سراح السجناء من شأنه أن يقلل من قدرة إسرائيل على الردع ضد المقاومة.. وإذا كانت سياسة إسرائيل تتلخص في فرض عقوبات قاسية على أولئك الذين يرتكبون أعمالًا إرهابية، لردع المهاجمين المحتملين، فإن إطلاق سراح هؤلاء السجناء، من شأنه أن يقوض هذا الهدف، ويرسل إشارة إلى أعدائها، بأن حتى المسئولين عن مقتل المواطنين الأبرياء، قد يتم إطلاق سراحهم في نهاية المطاف.. ومن ثم، فإن هذا من شأنه أن يضعف من إحساس إسرائيل بالمسئولية.. إن إطلاق سراح الإرهابيين يشجع جماعات مثل حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، على ارتكاب الهجمات الإرهابية، معتقدة أن ثمن أفعالها قد لا يكون السجن الدائم.. وعندما يتم إطلاق سراح السجناء الملطخة أيديهم بالدماء، تحتفل المنظمات الإرهابية بذلك باعتباره انتصارًا.. وتصور هذه المنظمات مثل هذه الإفراجات باعتبارها دليلًا على قوتها وقدرتها على الضغط على إسرائيل.. والاحتفالات العامة والمسيرات وتمجيد السجناء المفرج عنهم، لا تعمل فقط على تعزيز الروح المعنوية لهذه المنظمات، بل وتعزز أيضًا مكانتها بين المؤيدين.. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى زيادة التجنيد وجمع الأموال والنشاط العملياتي، وبالتالي تصعيد التهديدات للأمن الإسرائيلي.
إن إطلاق سراح السجناء، وخصوصًا أولئك المُدانين بالقتل، من شأنه أن يؤدي إلى تآكل ثقة الجمهور في الحكومة والنظام القضائي، حيث يُنظَر إلى ذلك باعتباره تقويضًا لسيادة القانون.. ويشعر العديد من الإسرائيليين بأن مثل هذه القرارات تخون ذكرى الضحايا ومبادئ العدالة.. وكثيرًا ما تحمل الضحايا وأسر الضحايا ندوبًا تدوم مدى الحياة، سواء كانت جسدية أو عاطفية.. والغضب والألم ملموسان.. ونحن نشعر بأن معاناتهم ومعاناة أحبائهم قد تم تجاهلها من أجل تحقيق مصلحة سياسية.. ولعل العواقب الأكثر خطورة، المترتبة على إطلاق سراح السجناء الملطخة أيديهم بالدماء، تتمثل في إمكانية تحفيز عمليات الاختطاف واحتجاز الرهائن.. فقد استخدمت المنظمات الإرهابية تاريخيًا الأسرى الإسرائيليين كوسيلة ضغط للتفاوض على إطلاق سراح السجناء.. على سبيل المثال، شكل تبادل أكثر من ألف سجين عام 2011، بما في ذلك العديد من السجناء الملطخة أيديهم بالدماء، مقابل شاليط، سابقة مفادها أن مثل هذه التكتيكات قد تسفر عن نتائج مهمة.. على سبيل المثال: كان يحيى السنوار، مُدبر هجمات السابع من أكتوبر وما تلاها، يقضي عدة أحكام بالسجن المؤبد بتهمة تدبير عمليات قتل الإسرائيليين والفلسطينيين المتهمين بالتعاون مع إسرائيل.. وبعد إطلاق سراحه في صفقة تبادل الأسرى شاليط، صعد إلى منصب قيادي داخل حماس، وأصبح زعيمها الفعلي في غزة، حتى قتلته القوات الإسرائيلية العام الماضي.
●●●
إن الفرحة العارمة التي استقبل بها أهالي قطاع غزة نبأ الاتفاق على وقف إطلاق النار، رغم تصعيد الاحتلال الإسرائيلي هجماته قبل أربع وعشرين ساعة من دخوله حيز التنفيذ، وانتشار شرطة حماس في القطاع ومعاودة نشاطهم، وعرض مقاتليها في الشوارع، خلق غصة في حلوق الإسرائيليين، الذين رأوا في الاتفاق نصرًا لحماس، بينما لم تحصل إسرائيل على شيء لم تكن تمتلكه في السادس من أكتوبر 2023، كما قالت صحيفة (تايمز أوف إسرائيل) التي رأت أن اتفاق السلام الذي أبرمته مؤخرًا مع حماس، كان فوزًا واضحًا لحماس وخسارة لإسرائيل.. ولا عجب إذن أن يهلل الناس في غزة لهذا الاتفاق.. وتقول، إن ما انتصرت به حماس في هذه الحرب هو، أنها قلبت الرأي العام العالمي ضد إسرائيل.. أنها تفاوضت على إطلاق سراح مئات السجناء الفلسطينيين، الذين حُكِم على العديد منهم بالسجن المؤبد.. وفي حين قُتل بعض قادتها، فسوف يتم استبدالهم بقادتها الجدد.. وفي حين قُتل العديد من مقاتليها، فقد أعادت حماس، وفقًا لتقارير صحفية، بناء جناحها القتالي، الذي يضم الآن إثنتا عشر ألف جندي في غزة.. لقد أثبتت حماس أن إسرائيل مستعدة للتخلي عن أشياء ضخمة للحصول على شيء صغير في المقابل.. وتستطيع حماس أن تزعم بفخر، أن هجوم السابع من أكتوبر 2023، جلب نتائج مذهلة.. والواقع أن إسرائيل أصبحت أضعف الآن مما كانت عليه في السادس من أكتوبر.. إن الإفراج عن الرهائن أمر مربح حقًا.. وفي حين دُمر جزء كبير من غزة، فإن العالم على وشك توفير مبالغ ضخمة من أجل إعادة بنائه.. ومن المتوقع أن ينتهي المطاف بكمية كبيرة من هذه المبالغ بشكل غير مباشر في خزائن حماس.. ستظل حماس تسيطر على غزة.. وستظل الأونروا كما كانت.. خلقت الحرب صدعًا خطيرًا بين إسرائيل والولايات المتحدة.
وتستمر الصحيفة العبرية في تعداد مكاسب حماس من وراء الاتفاق.. تؤكد، أنه في البداية، لن تضطر حماس إلى إطلاق سراح سوى ثلاثة رهائن.. وسيتعين عليها إطلاق سراح أربعة رهائن آخرين بعد ذلك بفترة وجيزة.. خلال المرحلة الأولى من الصفقة، لن يتم إطلاق سراح سوى ثلاثة وثلاثين رهينة.. قد تتاجر إسرائيل بمزيد من السجناء الفلسطينيين الذين تحتجزهم حماس مقابل المزيد من الرهائن بعد ذلك.. وبالتالي، في نهاية المرحلة الأولى من الصفقة، ستتمكن حماس من الاستمرار في احتجاز حوالي ثلاثين رهينة، وقد يكون بعضهم قد مات بالفعل.. فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها كما ذكرت في بداية الحرب، والتي تضمنت القضاء التام على حماس في غزة.. من المفيد ارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك ليس فقط جرائم الحرب التي ارتكبتها حماس خلال السابع من أكتوبر، ولكن أيضًا بإطلاق آلاف الصواريخ على إسرائيل، وكلها جرائم حرب.. كانت التكلفة التي تكبدتها إسرائيل من هذه الحرب هائلة.. ولم تتمكن حماس من قتل أكثر من أربعمائة جندي إسرائيلي في غزة منذ مذبحة السابع من أكتوبر فحسب ـ وهذا رقم كاذب ـ بل زاد الدين القومي الإسرائيلي بشكل كبير، وتضرر اقتصادها أيضًا.. وقد قُدِّر أن النشاط الاقتصادي الإسرائيلي انخفض بأكثر من 20٪ بسبب الحرب.. وفي حين ستحصل إسرائيل على بعض الراحة من قوات حماس في غزة، إلا أنها لا تزال لديها الأجزاء المتبقية من محور المقاومة الإيراني، بما في ذلك الحوثيون وحماس في الضفة الغربية، وإيران، للتعامل معها.. وستبدأ إسرائيل في سحب قواتها من غزة، وفي الوقت الحالي، سيتوقف القتل.
إن الاتفاق يتألف من ثلاث مراحل.. ويبدو أن شروط المرحلة الأولى قد تم الاتفاق عليها.. أما المرحلتان الثانية والثالثة، فتتطلبان مفاوضات إضافية.. وقد ترفض حماس التفاوض على شروط معقولة خلال هذه المراحل، مع ضمان عدم منح إسرائيل أي شيء آخر.. ولن يتم إطلاق سراح جميع الرهائن.. وسوف تظل حماس قادرة على إعادة بناء نظام الأنفاق الذي لا يزال حوالي 40% منه قائمًا.. وهذه ليست المرة الأولى التي تخوض فيها حماس وإسرائيل حروبًا ويتم التوصل إلى اتفاق.. في كل مرة تنتهك حماس كلمتها وتبدأ حربًا أخرى.. حدث هذا مؤخرًا عام 2021.. ومنذ ذلك الحين سمحت إسرائيل لقطر بجلب ملايين الدولارات كمساعدات لحماس مقابل السلام.. وخلال العامين التاليين، بنت حماس نظامها المعقد من الأنفاق وآلاف الصواريخ، أثناء الاستعداد للسابع من أكتوبر.. لا يوجد سبب للاعتقاد بأن حماس لن تنتهك كلمتها وتهاجم إسرائيل من غزة مرة أخرى.
هناك مفارقة في كل هذا.. فقد باع نتنياهو روحه للأحزاب السياسية العنصرية المتطرفة دينيًا، واليمينية المتطرفة بقيادة سموتريتش وبن جفير، من أجل تشكيل ائتلاف يسمح له مرة أخرى بتولي منصب رئيس وزراء إسرائيل.. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، أعطى سموتريتش وبن جفير وزارات مهمة وسيطرة كبيرة على الضفة الغربية، مع الاحتفاظ بوزارة الخارجية ووزارة الدفاع لحزب الليكود.. وقد فعل ذلك معتقدًا أنه من الأهمية بمكان أن يكون رئيسًا للوزراء في أي حرب قادمة، والتي كان من المتوقع أن تأتي خلال فترة ولايته الحالية.. ومن المؤسف، أنه بدلًا من أن يكون إرثه الرجل القادر على الدفاع عن إسرائيل، سيُسجل باعتباره أول رئيس وزراء إسرائيلي يخسر حربًا على الإطلاق.
●●●
لكل ما سبق، ونتيجة للضغوط التي يواجهها نتنياهو جراء هذا الاتفاق، نزولًا على رغبة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فإن مستقبل القطاع يظل مجهولًا في ظل حجم المأساة التي تسببت فيها الحرب على مدار أكثر من خمسة عشر شهرًا، منذ نشوب القتال في القطاع.. إذ يقول الكاتب باتريك وينتور، في مقاله بصحيفة (الجارديان) البريطانية، أنه على الرغم من أن منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره، كانوا في انتظار ذلك الاتفاق حتى يضع نهاية للكارثة الإنسانية التي مر بها سكان القطاع منذ اندلاع الحرب، فإن ذلك الصراع خلف آثارًا سلبية على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، لا يمكن تجاوزها بسهولة.. وأضاف أن الاتفاق لن يمحو من ذاكرة الفلسطينيين لسنين طويلة، المعاناة التي مروا بها خلال فترة الحرب، إلى جانب أنه لن يمحو كذلك الصورة السيئة التي تولدت لدى المجتمع الدولي عن إسرائيل لعقود طويلة، بسبب ممارستها أثناء الحرب.. ومن الجائز أن تكون عودة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للبيت الأبيض مرة أخرى، قد شكلت بعض الضغوط على الجانب الإسرائيلي، لقبول اتفاق وقف إطلاق النار، ولكنها لم تضمن على الإطلاق تحقيق السلام في المنطقة.
ولفت إلى أنه ليس من المحتمل أن يتبنى الرئيس الأمريكي الجديد، مقترح وزير الخارجية في الإدارة الأمريكية السابقة، أنتوني بلينكن، بأن تتولى السلطة الفلسطينية السلطة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة تحت إشراف الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن الجانب الإسرائيلي يغامر كذلك بخلق فراغ داخل القطاع، بعد رفضه التعاون مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).. وليس من الواضح بعد، ما إذا كانت القيادة الفلسطينية الحالية، لديها القدرة على تولي السلطة في كل الضفة الغربية وقطاع غزة أم لا؟، في ظل تقدم السن برئيس السلطة الحالية، محمود عباس، لافتًا في نفس الوقت، أن السلطة الفلسطينية لم تتمكن من تجاوز خلافاتها مع حركة حماس، خلال المحادثات التي عقدت في وقت سابق في موسكو وبكين والقاهرة.. لكن بعيدًا عن كل هؤلاء، هل هناك قوى تريد إفساد الصفقة بين حماس وإسرائيل؟.. سنجيب غدًا، إن شاء الله.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.
0 تعليق