حماس تخرج من الأنفاق وبين الأنقاض!!

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الثلاثاء 21/يناير/2025 - 11:57 ص 1/21/2025 11:57:57 AM

من الضروري، وقبل البدء، أن نقرر حقيقة لا مراء فيها.. أن وجود حماس في قطاع غزة يحظى بحاضنة شعبية، تجلت في الكثير من المواقف على مدى الستة عشر شهرًا الأخيرة، إلا أنها تجلت بشكل أوضح، في ذلك الزخم الشعبي، الذي يُجهدك إدراك آخره في وسط غزة، والأهالي يحوطون بمقاتلي الحركة، لحظة تسليم المحتجزات الإسرائيليات الثلاث إلى الصليب الأحمر الدولي، ظهر يوم الأحد الماضي.. ذلك يقول، إن حماس لايمكن إقتلاعها من محيطها، وأنه لا حل لإسرائيل، إذا أرادت التخلص منها، إلا باقتلاع القطاع من جذوره، وإفراغه من أهله.. وإذا كانت القوات الإسرائيلية قد نجحت في تدمير القطاع وحولته إلى ركام، وقتلت عشرات الآلاف من ساكنيه، بخلاف مئات المصابين بإصابات بالغة، إلا أنها لم تقدر على إقتلاع هؤلاء الناس من أرضهم بالتهجير القصري.. والفضل يعود ـ بعد الله ـ إلى مصر وقيادتها، التي أعلنت أن ذلك خطًا أحمر رسمته ولا يمكن تجاوزه، وأنه تفريط في القضية الفلسطينية، لا يمكن أن تسمح به مصر أبدًا.
●●●
كان المشهد يبدو وكأن حماس تخرج من الأنفاق ومن بين الأنقاض في غزة، لتثبت أنها لم تفقد السيطرة على معظم المنطقة، على الرغم من شهور الحرب الطويلة.. ورغم أن حماس عانت من العديد من ضربات الجيش الإسرائيلي، إلا أنها تمكنت من تجنيد أعضاء جدد، بل إنها أبقت الشاحنات والسيارات جاهزة للعودة إلى الشوارع وإظهار وجودها.. وذلك ما استفز قيادات إسرائيل وكُتابها، ومنهم الكاتب الصهيوني، سيث فرانتزمان، الذي كتب في (جيروزاليم بوست)، أن مقاطع فيديو من المفترض أنها من غزة، تُظهر المجموعة وهي تتجول في شاحنات صغيرة بيضاء.. كما تُظهر مجموعات كبيرة من الرجال المسلحين، وهم يلوحون للحشود أو يقفون ويجلسون على مركبات تجوب بهم الشوارع.. كما عادت شرطة حماس، وهي ذراع الحركة، إلى الظهور.. لقد كانت موجودة طوال الحرب، لكن وجودها لم يكن واضحًا في بعض المناطق.. وعرضت وسائل إعلام فلسطينية، صورًا ومقاطع فيديو من غزة، تصور هذا على أنه انتصار لحماس.. كما تظهر (فصائل فلسطينية)، وليس حماس فقط. مع مدنيين يحتفلون إلى جانب المسلحين.. ربما تكون مقاطع الفيديو هذه مخصصة للدعاية في بعض الحالات، ولكن الرسالة العامة واضحة.. فقد خرجت حماس من الأنفاق في غزة، ومن بين الأنقاض في بعض المناطق، وهي تسيطر بوضوح على الأمور.. ولم تختف الجماعة قط ولم يتم تفكيكها قط.
في مارس 2024، ذكرت صحيفة (واشنطن بوست) أن الجيش الإسرائيلي يقول إنه (فكك) عشرين من أصل أربعة وعشرين كتيبة لحماس.. والواقع أن التفكيك لا يعني التدمير، كما يرى فرانتزمان.. فقد عادت حماس إلى الظهور بسرعة.. وهذه ليست جماعة يبدو أنها تكبدت خسائر فادحة كما صورها البعض، أو أنها كانت قادرة على تعويض معظم الخسائر والحفاظ على القيادة والسيطرة.. وهذا ليس مفاجئًا؛ فقد فعلت حماس الشيء نفسه بعد جولات أخرى من القتال.. فقد نشأت حماس أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، وخصوصًا في غزة.. واستمرت في اكتساب الدعم في التسعينيات، حيث عارضت اتفاق أوسلو للسلام.. وبعد الانتفاضة الثانية، خرجت أقوى، على الرغم من خسارتها للعديد من قادتها بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية.. ثم سيطرت حماس على غزة في 2007، بعد فوزها في الانتخابات الفلسطينية.. واستمرت في الظهور بعد حربي 2009 و2014.. وفي مايو 2021، أظهر صراع قصير مع إسرائيل مرة أخرى، كيف أن إسرائيل غالبًا ما تقلل من شأن حماس.
في ذلك الوقت، تم تصوير الجيش الإسرائيلي على أنه يتمتع بسجل مثير للإعجاب في ضرب أنفاق حماس.. وذكر أحد التقارير أن إسرائيل (دمرت) شبكة أنفاق حماس تحت الأرض.. وذكر تقرير آخر من صحيفة (إسرائيل اليوم) أن إسرائيل دمرت مائة كيلو متر من أنفاق حماس، وقضت على خمسة وعشرين من القادة.. وفي الواقع، خرجت حماس سالمة من هذا الصراع.. إن حماس تنطلق بسرعة في غزة، لتفرض سيطرتها وتستعرض قدراتها.. وهي تريد أن تصور ذلك على أنه انتصار كبير، حتى وإن تكبدت خسائر كثيرة.. وهي لا تريد أن ينشأ أي فراغ أو أي مناطق تفقد فيها السيطرة.. ومع انسحاب القوات الإسرائيلية، تريد حماس الدخول بسرعة.. فهي لا تريد أن يتصور أحد في غزة أن حماس ضعيفة، أو أن يكون لديها مجال لانتقادها.. وسوف تعمل حماس على حشد الجماهير للخروج والهتاف، ثم تحاول استغلال هذا.. سوف ترغب حماس، في البدء، في معالجة مسألة إعادة الإعمار، ودعوة وسائل الإعلام إلى محاولة إبراز حجم الدمار الذي خلفته هذه العملية.. وسوف تتولى آلة حماس الإعلامية تنسيق كل خطوة على الطريق.. ذلك أن حماس تتمتع بسيطرة مذهلة على كل جانب من جوانب غزة، من وسائل الإعلام المحلية إلى المستشفيات والمدارس.. وسوف تعمل على حشد كل هذا لتصويره على أنه انتصار للحركة المسلحة.
●●●
ويطرح فرانتزمان، في يوم دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، سؤاله المُندهش: كيف نجحت حماس في الصمود لأكثر من عام من الحرب مع إسرائيل؟.. وبعد هذه المدة الطويلة من الصراع العنيف، كيف تمكنت من البقاء، وإعادة تنظيم صفوفها في غزة؟.. ليعود ويقرر إن الحرب ضد حماس، التي بدأت في أعقاب هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، كانت واحدة من أطول الحروب التي خاضتها حماس طيلة تاريخها، الذي يمتد لنحو أربعين عامًا.. وكانت الحركة مستعدة لمواجهة هذا التحدي.. والآن، بعد أن بدا أن حماس بدأت في الظهور في غزة، فمن الجدير أن نطرح بعض الأسئلة الأولية حول كيفية نجاتها.
عندما بدأت الحرب، أرسلت حماس عدة آلاف من مقاتليها لمهاجمة إسرائيل.. وتشير التقديرات بعد السابع من أكتوبر، إلى أن حماس لديها نحو أ{بعة ةوعشرين كتيبة ـ أي نحو ثلاثين ألف مقاتل.. وكانت هناك جماعات مسلحة أخرى في غزة، في مقدمتها حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، التي كان لديها أيضًا آلاف المقاتلين.. وهذا يعني، أنه عندما بدأت الحرب، ربما كانت الحركة قادرة على حشد ما يصل إلى أربعين ألف رجل.. وقد واجه المقاتلون جيشًا إسرائيليًا، استدعى ثلاثمائة ألف جندي احتياطي، ونشر حوالي خمس فرق للقتال في غزة، وشملت الفرق الرئيسية التي قاتلت في غزة، الفرقة المدرعة 36، والفرقة 162، والفرقة 98 من المظليين والقوات الخاصة، بالإضافة إلى فرقة غزة، والفرقة 99، والفرقة 252.
بعد الهجوم الأولي على إسرائيل، والذي خسرت فيه حماس بعض مقاتليها، تراجعت حماس إلى الأنفاق في غزة.. وتشير التقديرات إلى مقتل الكثير من الفلسطينيين في الهجوم على إسرائيل، ولكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه التقديرات صحيحة.. ما يهم هنا، أن حماس انتظرت في غزة هجوم القوات الإسرائيلية.. كما انتظرت القوات الإسرائيلية، من السابع إلى السابع والعشرين من أكتوبر لشن الحملة البرية.. وقد أعطى هذا لحماس الكثير من الوقت للاستعداد والتعافي من هجوم السابع من أكتوبر.. وبطبيعة الحال، كان على إسرائيل أن تتعافى حقًا، ولكن حماس كان عليها أيضًا أن تتعامل مع عدد غير مسبوق من الرهائن، وأن تواجه الغارات الجوية الإسرائيلية التي أعقبت السابع من أكتوبر.
كان التقدم الأولي للقوات الإسرائيلية يستهدف شمال غزة، وكان الهدف منه عزلها عن الجنوب.. ولم تكن أغلب عمليات التقدم الأولية في المناطق الحضرية.. بل تحركت الفرقة 162 من زيكيم جنوبًا على طول الساحل، في حين عبرت الفرقة 36 جنوب غزة في ممر نتساريم، واستولت على طريق صلاح الدين ومناطق رئيسية أخرى.. وبمجرد أن اتحدت الفرق، شن الجيش الإسرائيلي هجمات على شمال غزة.. وقدرت القوات الإسرائيلية ووزارة الدفاع، أن هذه الهجمات الأولية نجحت في إلحاق الهزيمة بعشر أو اثنتي عشرة كتيبة تابعة لحماس في شمال غزة.. ولكن تبين فيما بعد أن هذا التقدير خاطئ.. ولكن حماس خسرت آلاف المقاتلين في الشمال.. ولم تدخل القوات الإسرائيلية قط العديد من الأحياء المحيطة بمدينة غزة.. وحتى عندما دخلت القوات الإسرائيلية أماكن مثل جباليا أو بيت حانون، لم تقم بتطهير هذه المناطق بالكامل.. فقد ابتعدت حماس، وانتظرت.. وفي العديد من الحالات، لم تقم القوات الإسرائيلية بمراقبة المدنيين الفارين من مدينة غزة إلى الجنوب، ومن الواضح أن حماس كانت قادرة على المغادرة إذا أرادت.. في يناير وفبراير 2024، أصبحت حملة الجيش الإسرائيلي أقل حدة.. فقد حول الجيش تركيزه إلى خان يونس، وقضت الفرقة 98 أشهر في تطهير هذه المنطقة الرئيسية من حماس.. وبحلول أبريل، انتهت الفرقة 98 وغادرت.. ثم قرر الجيش الدخول إلى رفح، بعد توقف طويل.
حصلت حماس على نوع من وقف إطلاق النار بحكم الأمر الواقع في غزة، في شهري مارس وأبريل، الأمر الذي مكنها من إعادة تنظيم صفوفها.. كانت تلك هي الحقبة التي كانت فيها الولايات المتحدة تضغط من أجل بناء رصيف عائم متصل بممر نتساريم.. وقد فشل الرصيف، لكن الوقت الذي استغرقه كل هذا كان له أهمية كبيرة.. وعندما دخل الجيش الإسرائيلي أخيرًا إلى رفح وممر فيلادلفيا على الحدود مع مصر في مايو 2024، تمكنت حماس من العودة إلى خان يونس، لأن الفرقة 98 غادرت.. وأصبحت مهمة الفرقة 162 إبعاد حماس عن رفح، وهي العملية التي استغرقت ثلاثة أشهر.. وربما تم القضاء على ألف مقاتل من حماس واعتقال المئات.
أعادت حماس تنظيم صفوفها في شمال غزة، في الشجاعية وجباليا، واستقرت في وسط غزة، في النصيرات والبريج ودير البلح والمغازي.. وفي هذه المناطق، أنشأت حماس دولة صغيرة واستمرت في الحكم.. كما سيطرت على منطقة المواصي الإنسانية، ومن هناك فرضت نفوذها وقوتها، من خلال الاستفادة من المساعدات التي تأتي إلى غزة.. وفي سبتمبر، حول الجيش الإسرائيلي تركيزه إلى حزب الله.. فتوجهت الفرقة 98 شمالًا، ولم يتبق في غزة سوى عدد قليل من القوات.. وقام الجيش الإسرائيلي بتوسيع ممر نتساريم، وقتل زعيم حماس، يحيى السنوار، لكن نقص القوات يعني، أنه لا يمكن استغلال هذا.. وانتظرت حماس وراقبت.. وبحلول ذلك الوقت، لم تعد حماس تعمل على السطح إلا في مجموعات صغيرة.. كما بدأت في استخدام المزيد من الأفخاخ المتفجرة ضد القوات الإسرائيلية.
وبحلول شهر أكتوبر، كان الجيش الإسرائيلي مستعدًا لشن هجوم جديد في شمال غزة.. فأرسل الفرقة 162 إلى جباليا، ثم إلى مناطق في بيت حانون وبيت لاهيا.. وفي جباليا، اضطرت إسرائيل إلى إخلاء سبعين ألف مدني، ووجدت آلافًا من مقاتلي حماس.. وكانت هذه معركة صعبة، إذ سقط عشرات القتلى والجرحى من جنود الجيش الإسرائيلي.. وأظهرت حماس أنها لم تُهزم، بل إنها نجحت في تجنيد المزيد من العناصر، وربما زادت قوتها في جباليا.. وبحلول الوقت الذي انتهى فيه الجيش الإسرائيلي من تطهير هذه المنطقة، كان قد تم توقيع صفقة الرهائن.. والآن انسحب الجيش الإسرائيلي من شمال غزة وأعاد انتشاره من نتساريم.
لقد نجت حماس لأنها لم تُهزم قط في وسط غزة أو مدينة غزة.. وعندما فقدت حماس وحدات، أعادت بناءها.. وعندما فقدت قيادات، حلت محلهم.. لقد فقدت حماس العديد من القادة والزعماء في الماضي، مثل الشيخ أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، وصلاح شحادة.. كما فقدت حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية قادة في الماضي، مثل بهاء أبو العطا.. لكن خسارة المقاتلين والقادة هي أسلوب حياة لهذه الجماعات.. خلال حرب مايو 2021، زعم الجيش الإسرائيلي أنه قضى على خمسة وعشرين من كبار قادة حماس.. من المحتمل أن يكون هذا مبالغة، ولكن حتى لو لم يكن كذلك، فقد حلت حماس محلهم.
والآن.. تسيطر حماس على سكان غزة، البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة.. وهي تجند عناصرها من بين حوالي ثلاثمائة ألف شاب.. وكل ما يتعين على حماس أن تفعله، هو تجنيد نسبة ضئيلة من هؤلاء الشباب، حتى تتمكن من مواصلة تجديد صفوفها.. والواقع أن سكان غزة من الشباب، وأكثر من نصفهم دون سن الثامنة عشرة، وحماس لديها مجموعة جاهزة من المجندين.. إن كل جيل ينشأ تحت حكم حماس، وهم لا يعرفون شيئًا آخر.. فهم لا يتذكرون أي وقت مضى دون حروب كل عام أو عامين.. وهم معتادون على الغارات الجوية الإسرائيلية والمشي بين الأنقاض.. وهم لا يرون بديلًا عن المقاومة والثأر لأحبائهم، الذين قتلتهم قوات الغدر الإسرائيلية..
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق