أحد مظاهر الأزمة لدى الكثير من العرب والمسلمين تكمن في محاولة إضفاء هالة دينية على بعض الأحداث واستغلالها في تخدير العقول وتغييب الوعي، فالفيضانات والحرائق والأعاصير والزلازل ظواهر طبيعية تحدث بين الفينة والأخرى في مناطق مختلفة من العالم، ونعرف أن نصيب العرب والمسلمين منها ليس قليلا كما نعلم جميعا، كل الأمور بيد الله الخالق، يصيب من يشاء ويمنع عمن يشاء، وكل ما نراه في هذا الكون من ظواهر طبيعية مثل الخسوف والكسوف والزلازل والفيضانات، هي مخلوقات لله تخضع لناموسه الأعلى وقدرته المطلقة. هذه الظواهر ليست نتاج غضب أو عقاب، بل هي جزء من نظام كوني دقيق وضع بحكمة إلهية لا تدركها العقول البشرية المحدودة، وربط هذه الأحداث بموت إنسان أو كارثة ما هو إلا من قبيل التخيلات البشرية الضعيفة التي تنبع من الجهل والخوف، وليس من فهم حقيقي لإرادة الله وحكمته، فالله تعالى خلق الكون بقوانين ثابتة، وما يحدث فيه من أحداث هو جزء من هذه القوانين، وليس نتيجة لتفسيراتنا المحدودة أو مشاعرنا العاطفية. لذلك علينا أن نتوكل على الله ونفهم أن كل شيء بقدر، وأن نبتعد عن التفسيرات الخرافية التي لا تستند إلى علم أو وعي، بل تغذي الجهل وتعطل العقول عن التفكير السليم.
ولست هنا بصدد تقديم حصر للكوارث الطبيعية التي تعرضت لها دول عربية وإسلامية في السنوات الأخيرة حتى لا أبدو في حالة شبيهة بهؤلاء "الشامتين"، لذلك يبدو غريبا أن يروج بعض لمشاعر "الشماتة" والفرحة في حرائق أصابت سكان ولاية أمريكية، ومن بينهم مسلمون وعرب فقدوا ممتلكاتهم، وآخرون ليسوا مسؤولين بالمرة عن سياسات دولتهم وممارساتها سواء اتفقنا أو اختلفنا معها.
المشكلة مع مثل هذه الممارسات والأفكار السلبية العابرة للجغرافيا أنها تمثل خطرا لا يقل عن تأثير المخدرات التقليدية، فهي تغيب وعي الشعوب، وتروج لأوهام وتزج بالدين الإسلامي في صراعات وهمية مسيئة وتتنافر مع قيمه الإنسانية النبيلة؛ فهذه الحملات العشوائية التي تنتشر بين الفينة والأخرى في التعامل مع الأحداث تغذي الجهل والخرافات وتعادي العلم وتهيئ الكثيرين للوقوع فريسة للأوهام والخطب العاطفية الكاذبة التي تدغدغ المشاعر وتعطل العقول، وجميع ذلك بيئة مثالية لغرس الأفكار التي تتبناها الجماعات والتنظيمات الدينية المتطرفة.
بلا شك أن الكوارث الطبيعية لا تفرق بين مسلم ومسيحي ويهودي، ولا أريد هنا الخوض في تفسيرات دينية وعقائدية، ولكن الثابت أنها تحدث في كل مكان، ولم يعرف أحد مكانا على ظهر الأرض محصن تماما ضد جميع الكوارث الطبيعية!
ما حدث في حرائق لوس أنجلوس يذكرنا بمواقف مماثلة في اعتداءات 11 سبتمبر الإرهابية، حيث أظهر البعض أيضا شماتة في الولايات المتحدة، والمعضلة ليست في هذه المشاعر كما أسلفت ولا في كونها موجهة ضد الولايات المتحدة أو غيرها من الدول، فالكل يعرف أن من حرقت بيوتهم أو فقدوا سياراتهم وممتلكاتهم سيحصلون على التعويضات المناسبة سواء من شركات التأمين أو من دولتهم، بالنظر إلى تجارب مماثلة سابقة، ولكن المعضلة أن نشر هذه المشاعر بين العرب والمسلمين يؤجل أي محاولات أو جهود لنشر الوعي وانتشال العقول من غياهب الجهل والتواكل ومشاعر الكراهية والحقد التي تغذيها بانتظام تنظيمات التطرف والإرهاب، وما زرعته منذ سنين في العقل الجمعي لدينا، فأصبحت شريحة واسعة بيئة خصبة تمهد لتقبل أفكارها وأيديولوجيتها المعادية للإنسانية بل وجوهر الدين الإسلامي الحنيف.
فكرة الغضب والعقاب الإلهي الذي تسبب في حرائق لوس أنجلوس تعد مثل "المسكن" أو المخدر الذي يروج له تجار الأديان ممن يريدون تغييب عقول أتباعهم ويوظفون الظواهر الطبيعية في محاولة ترويج أفكارهم والتشفي والشماتة في الدول والشعوب من دون أي اعتبار للمنطق والعقل ولا نصوص الأديان التي يزعمون الحديث باسمها.
drsalemalketbi@
0 تعليق