فى قلب الأزقّة العتيقة لمدينة كفرالشيخ، حيث تطغى على الأجواء أصوات المطارق وهى تهوى فوق ألواح الصفيح والنحاس، تتحول الورش الصغيرة المنتشرة فى المكان إلى متاحف للحرف اليدوية التى توارثتها الأجيال.
فى ورشته المتواضعة التى بالكاد تتسع له، يجلس الحرفى طارق غندر، صانع الفوانيس التقليدية القديمة، خارج ورشته الصغيرة، منشغلًا بتشكيل فانوس معدنى بيديه الخبيرتين، ليضع اللمسات الأخيرة على تحفته التى ستضىء ليالى رمضان فى بيوت الأهالى.
«طارق» الذى ورث الحرفة عن أجداده، يمزج فى أعماله بين الأصالة والإبداع، ليبقى فن صناعة الفوانيس حيًا فى زمن طغت عليه الآلة، فكل ضربة مطرقة، وكل قطعة نحاس، تحمل فى طياتها حكاية تراث يقاوم فى زمن الحداثة، وذاكرة شعب تحتفل بقدوم الشهر الكريم بفانوس يضىء الطرقات.
يقول «عم طارق»- كما يُفضل أن يُنادى- وهو يمسك بفانوس من الطراز الإسلامى: «تعلمت هذه الحرفة من والدى، وورثتها عن جدى، لكن اليوم نواجه تحديات كبيرة، أهمها غزو الفوانيس المستوردة التى تغزو الأسواق بأسعار أرخص، لكنها بلا روح أو أصالة».
ويسكت «عم طارق» لثوانٍ وينظر لفوانيسه ثم يتحدث بفخر وثقة، ويقول: «رغم المنافسة الشديدة من الفوانيس البلاستيكية القادمة من الصين، لا يزال الفانوس المصرى المصنوع يدويًا من الصفيح والزجاج الملون، يحظى بمكانة خاصة لدى العائلات المصرية، إذ إن زبائنى هم عشاق التراث، الذين يفضلون الفانوس المصنوع بحب، وليس المنتج على خط إنتاج آلى». وعن مراحل تصنيع الفانوس المصرى، يقول: «تمر الصناعة بعدة مراحل تبدأ بتصميم الهيكل المعدنى، ثم تقطيعه ولحامه، وبعدها تأتى مرحلة تركيب الزجاج الملون الذى يضفى عليه سحره الخاص، ثم يتم تزيينه بالنقوش الإسلامية والزخارف التراثية التى تعكس الطابع المصرى الأصيل، إذ يبقى للفانوس المصرى طابعه الخاص الذى لا يمكن تقليده، ليظل صامدًا رغم كل التحديات».
وبينما يغلق دكانه الصغير فى نهاية يوم طويل، ينظر إلى الفوانيس المعلقة ويبتسم قائلًا: «طالما هناك رمضان، ستظل الفوانيس تنير القلوب قبل البيوت، فأنا صانع البهجة ويكفينى أن أرى السعادة على قلوب زبائنى وهم يشترون فوانيسى ويمدحون فى الفانوس المصرى، لأنه يذكرهم بالماضى وأصالته، فسعادة الناس هى مهمتى الأصلية».
وينهى عم طارق حديثه معنا، قائلًا: «حين أرى طفلًا يمسك بفانوسه ويغنى (حالو يا حالو) أشعر بأن تعبى لم يذهب سدى، هذه الحرفة ليست مجرد عمل، بل رسالة لنقل فرحة رمضان من جيل إلى جيل».
0 تعليق