شرعت الحكومة، بصفتها كذلك سلطة تشريعية، بإصدار عدد من المراسيم بقوانين، لمواجهة القصور التشريعي- كما تراه- في بعض القوانين، وإلغاء وإضافة، كقانون الجنسية، وقانون المرور الذي نحن بصدد التعليق عليه وغيرها.
أول ما يلفت النظر في هذا المرسوم بقانون، والذي سبق ان رفضه مجلس الامة عندما تقدمت به كمشروع بقانون بسبب الغلو في العقوبات، فالتوسع في الغلو بالغرامة أو الحبس أو بكليهما، أمر غير محبذ!
ويبدو أن عدد حوادث السير، قد قاد الى هذا التوجه، فرعونة البعض من قائدي المركبات، وعدم التقيد بارشادات الطريق، أو استخدام وسائل الامان نتج عنها حوادث خطيرة.
ومن الطبيعي ان الدول تراجع منظومة تشريعاتها بين الحين والآخر، على ألا يُخل ذلك بالتوازن والعدالة، بين صالح المجتمع وصالح الافراد، او بين الفعل ورد الفعل المناسب، من دون غلو او انحراف، او الاخلال بميزان العدالة.
وترك القانون مساحة للصلح، في حال تم دفع قيمة الغرامة مباشرة، او اللجوء للمحكمة التي تنظر النزاع، وتوازن حجم المخالفة والعقوبة المقررة (proportionality) وهذا هو المعمول به في القانون الدولي، وقانون الحرب، والقانون المقارن.
وما قد يؤخذ على التعديلات الجديدة في القانون عموما، انه قد غالى في قيمة الغرامة، وهذا نوع من التشدد غير المحمود، ناهيك عن عقوبة الحبس في بعض المخالفات من دون القتل الخطأ، كتجاوز الاشارة الحمراء دون مبرر مشروع، ولا نبالغ ان ردود الفعل على المبالغة في تحصيل الغرامات، واوامر الصلح، تضطر قائد المركبة للامتثال للدفع بدلاً من انتظار مواعيد المحكمة التي قد تطول!
كذلك المخالفات غير المباشرة بالكاميرات، او رجل الشرطة الذي قد يُسيء استعمال سلطته، فيقع قائد المركبة في مخالفة، وهو ما يُخشى منه!
ففي ايطاليا صدر قانون المرور الجديد في ديسمبر 2024، والنقاش حول تغليظ العقوبات على اشده، فالبعض يؤيد والاخر لايرى جدوى من التشدد في العقوبة، وفي فرنسا وسويسرا فالعقوبات اكثر قسوة، لكن الطرق والشوارع نظيفة ومعبدة، والحوادث محدودة.
ان غاية التناسب في القانون الجنائي وقانون تنظيم المرور- يُعد كذلك- يبرز اكثر من خلال احكام القضاء في المخالفات التي وردت بالقانون، كاستعمال الهاتف او الحزام، فقد يكون الشخص مضطراً الى ذلك لظرف خاص، وعلى القاضي تفهم هذه الحالات، ومع ذلك فقد وضع القانون الامر بالصلح، والدفع المباشر، وهي مبالغ مُبالغ فيها!
والمشرع عند مراجعته النصوص التشريعية يأخذ بالحسبان كل هذه المعطيات، وتتضح الصورة اكثر في التطبيق العملي، وغايته هي سلامة افراد المجتمع من حوادث الطرق، لكن دون ارهاق الناس بفرض رسوم، او ضرائب على شكل غرامات!
وفي المقابل، على الدولة ومؤسساتها ان تعمل على توفير وسائل الامان بالطرق والشوارع المتهالكة، وهي شكوى عامة الناس، فالكل عانى بسبب تطاير الحصى، والحفر، وعدم سلامة الشوارع، وتكبدوا اضراراً باجسادهم وممتلكاتهم، ولم يرف جفن الدولة في جبر اصابتهم.
اذن، نحن امام معضلة، فمن جانب هناك غلو في العقاب في صورة غرامات او حبس، او كليهما، وتوجيه بالصلح والناس مدفوعة للقبول ايثاراً للسلامة! تنص القاعدة الفقهية "الغرم بالغنم".
ابدأ باصلاح الطرق والشوارع، ثم حاسب الناس على اخطائهم، هنا يتحقق العدل. والدولة تسعى الى تحقيق العدل، وهذا واجب.
وقد اكتفى قانون الجزاء الكويتي باقامة المسؤولية على وجود الادراك، وهو معرفة الانسان ما يفعل، خيراً او شراً، ووجود الارادة معه. (انظر في ذلك استاذنا الدكتور عبدالوهاب حومد - شرح قانون الجزاء الكويتي - القسم العام - 1972).
ان قانون المرور بتعديلاته الجديدة اضاف اعباء ثقيلة على المواطن والمقيم على حد سواء، وضاعف من قيمة الغرامات بشكل لا يتناسب مع مستوى الدخل وغلاء المعيشة لشرائح المجتمع عموما.
نحن لا ننكر على الدولة ان تعاقب اهمال ورعونة بعض قائدي السيارات، الذين يتسببون في مخاطر على الارواح، والممتلكات، وتتشدد في عقابهم، فهذا حق. بقيت مسألة اخيرة، وهي معاملة كبار السن كمعاملة المعاقين في اماكن الوقوف، وتخصيص مواقف لهم اعمالا للقانون رقم 18 لسنة 2016.
"ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"
مستشار قانوني
0 تعليق