قصص إسلامية
تاريخ النفاق والخيانة في هذا العالم قديم بالغ القدم، وتصعب معرفة بدايته بالضبط، والمقصود هنا حالة بعض الناس أو الكيانات، التي تسمى أحيانا دولاً، عندما يُظهر هؤلاء الولاء والانتماء لأمة ما، وهم في الحقيقة يخفون حقداً عليها، وتحالفا مع عدوها. لكن العملاء الخائنين لا يستطيعون إخفاء تحالفهم مع العدو طول الوقت، وبمرور الزمن يفتضح أمرهم، مهما أصروا على النفي والمخادعة.
ويبدو أن الخونة، والمنافقين، والعملاء لا يتعظون، ولا يتعلمون، ولا يتوقفون، رغم أن نهاية هؤلاء الخونة والمنافقين دائما كانت هي الذل والهوان، وأحيانا القتل على يد العدو الذي ساعدوه، وستلاحقهم اللعنات عبر التاريخ الى قيام الساعة.
ففي عصرنا الحديث نرى حولنا كثيراً من الخونة الجدد الذين يسارعون الى التعامل مع عدو الأمة، دون أن يطرف لهم جفن. من أشهر الخونة والمنافقين في التاريخ "أبو رغال" الذي ساعد أبرهة الحبشي في محاولته الفاشلة لهدم الكعبة، حتى صار رمزا للخيانة لدرجة أن الناس كانوا يرجمون قبره بعد أن يحجوا إلى الكعبة، قبل ظهور الإسلام.
وبعد ظهور الإسلام وانتصاره على الوثنية أخذت جيوش المسلمين في خلافة عمر الفاروق، رضي الله عنه، تضرب في الأرض مجاهدة في سبيل الله، وتخوض المعارك ضد الوثنية، وتخليص الشعوب من الظلم الطغيان.
ووقعت معركة في العراق تسمى معركة "عين التمر" بين قوات المسلمين والقوات الساسانية الفارسية، ومعها جموع من قبائل العرب النصارى، وهي منطقة أسسها الفرس لحماية حدودهم.
اذ بعد سقوط الحيرة على يد خالد بن الوليد، عام 633 ميلادي، توجه إلى الحامية الفارسية الكبيرة التي كانت في عين التمر الواقعة على الطريق إلى دومة الجندل، وكان يقطنها العرب النصارى الموالون للفرس.
كانت الحامية مؤلفة من قسمين، الأول: فارسي تحت قيادة القائد الفارسي مهران بن بهرام، والثاني: عربي بقيادة عقة بن أبي عقة.
تميزت هذه المعركة الغريبة بسرعة انتهائها، اذ لاذ العرب النصارى بالفرار، قبل أن تبدأ المعركة فعلياً، وكان قائدهم مغروراً ومتعجرفاً، والرغبة تملكته لحيازة الفخر والمجد بالانتصار على المسلمين هو وحده، فقد طلب من القائد الفارسي أن يخلي الساحة ليقاتل هو المسلمين وحده، دون مساعدة.
كان مهران قد أراد تجنب قتال المسلمين لعلمه أنهم لا يقهرون بعد انتصاراتهم المتلاحقة في العراق، وقد انتقد قادته ذلك الأمر.
خرج عقة المغرور، ومن معه، من عين التمر للصدام مع المسلمين، وأوغل في الصحراء غروراً منه لمبادرتهم بالهجوم، ووصل إلى منطقة الكرخ، وعبأ قواته، ووصل المسلمون إلى أرض المعركة وعبأ خالد جيشه بسرعة، واستعد للقتال.
ولم يكن خالد قد رأى عقة من قبل، ونظر إليه نظرة الفاحص الخبير بنفوس المحاربين، فعلم أن هذا الرجل شديد الغرور، فقرر القيام بحيلة بارعة شجاعة، جريئة، وهي خطف القائد عقة نفسه في عملية فدائية، أشبه ما تكون بعمليات الصاعقة، فانتخب مجموعة من الأبطال، وأطلعهم على الفكرة الجريئة.
وكانت الخطة تقضي أن يبدأ جناحا جيش المسلمين بالمناوشات البسيطة من دون شن هجوم كبير لإشغال الطرفين المقابلين، بينما بقي القلب في سكون حتى يعطي خالد إشارته بشن الهجوم، وهذا ما جعل عقة يستغرب من تأخر قلب جيش المسلمين عن الهجوم، وكان خالد ومرافقوه في مقدمة الجيش. ولكن ما حدث في اللحظات التالية هو أن الجنود اندهشوا من هذه المجموعة الصغيرة التي تهجم عليهم، وهم عشرات الآلاف، ولم يفيقوا من هول الصدمة إلا وخالد قد أسر عقة، وحمله بين يديه كالطفل الصغير، وعاد به إلى صفوف المسلمين.
عندها تجمدت الدماء في عروق الاعداء، وركبهم الفزع الشديد، ففروا من أرض المعركة دون أن يسلوا سيفاً واحدا، فلمَّا بلغ مهران هزيمة عقَّة وجيشه، وكان قد أرسل الاستطلاع لمراقبة مجريات المعركة، نزل من الحصن وهرب مسرعاً مع حاميته باتجاه قطسيفون أو المدائن، وترك الحصن من دون حماية. ورجعت فلول خونة العرب إلى الحصن فوجدوه مفتوحاً فدخلوه واحتموا به، فجاء خالد وحاصرهم أشد الحصار، فلمَّا رأوا ذلك سألوه الصُّلح فأبى إلا أن ينزلوا على حكم خالد، فجعلوا في السَّلاسل، وتسلَّم الحصن، ثمَّ أمر فضربت عنق عقَّة ومن كان أسر معه، والذين نزلوا على حكمه أيضاً أجمعين، وغنم جميع ما في ذلك الحصن.
وجد خالد في الكنيسة التي في الحصن أربعين غلاماً وعليهم باب مغلق، فكسره وسألهم عن حالهم فأجابوه بأنهم رهائن لدى أهل عين التمر، فقسمهم على أهل البلاد من جنده.
من هؤلاء الغلمان سيرين الذي اشتراه أنس بن مالك الأنصاري وأعتقه، وهو والد الفقيه المعروف محمد بن سيرين.
والغلام نصير، وهو والد الفاتح الإسلامي والقائد الشهير موسى بن نصير، والغلام يسار جد محمد بن إسحاق كاتب السيرة "المغازي".
إمام وخطيب
0 تعليق