الجلباب الأبيض... إلى حين؟

المصدر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عاش الكاتب مسعد عبود أحمد الزيتاني، حياة ميكافيلية الطباع استباح فيها الغدر والكذب، في سبيل الوصول للشهرة، فأصاب حظاً من نجاح، وحظاً من فشل وإخفاق ولكنه لم ينسَ قط نصيبه من الخمر والميسر، فأحاط نفسه بفرقة من الكواعب الأتراب يمتعنه، ويُذهبن عنه الحزن، أما مواضيع كتاباته فقد كانت تنويرية مستنيرة تدعو إلى النور والنورانية والسلام والمحبة وأشياء أخرى كثيرة لم أعد أذكرها الآن.

كان الزيتاني، أصلع الرأس، ضيق الصدر، سريع المسامحة فاجر الغضب، أُوتي من الوقاحة بمقدار ما نقص من التقوى، إذا ارتدى بدلة ببنطال يظهر له ثلاثة كروش صغيرة أسفل بطنه، وله أنف أشبه بأنف الجاحظ.

منذ 25 دقيقة

منذ 25 دقيقة

كتب للتنوير ومن أجله، فشنّ حرباً على الجمعيات الخيرية، ودعا لارتداء «البكيني» وممارسة الديمقراطية والحرية وحزمة الأمم المتحدة الشخصية، ونهى عن ارتداء «البوركيني» والجلباب وإطالة اللحى ولبس العمائم، وقال في مقابلة تلفزيونية ذات يوم «إنّ السواك سلوك بدائي وجارح للمنظر العام»، ووقف وحيداً يهاجم الجماعات الإسلامية كلها، ويرميهم جميعاً عن قوسٍ واحدة، فزادت شهرته من جرأة الطرح، وملامسة القضايا الحساسة، والدعوة لنبذ التراث وحماية الأجيال من تطرف خُطب الجمعة والجماعات.

كان الزيتاني، يعتقد أن الدول العربية إذا «انفتحت» فسوف تعود مؤسسات الدول مع مفكريها ومخططيها الإستراتيجيين إلى كتاباته من أجل الاستشهاد بها وتحويلها إلى خطط عمل، وأنه بعد أن يموت و«تنفتح» كل الدول العربية ستزيد مبيعات أطروحاته وكتبه وطبعاتها، ولكن ما حدث كان شيئاً مختلفاً تماماً.

فجأة ومن دون سابق إنذار، حدث تغيُّر دولي في المزاج العام، وتخلت أميركا وأوروبا عن خطاب الحريات والمساواة والتنوع، واتجه العالم إلى خطاب منغلق على الذات، يمجد العادات والتقاليد والديانة الوطنية والتراث، وتم رمي الأمم المتحدة ومكاتبها ومنظماتها من النافذة، فوجد الزيتاني، نفسه أمام معضلة لا يستطيع الخروج منها، وأن خطابه القديم لم تعد تسمعه الآذان ولا تقرأه العيون ، وحتى الشواذ الذين كان يدافع عنهم تم إلقاؤهم يوم الثلاثاء الماضي في قائمة المرضى النفسانيين بعد أن خرجوا منها على الشاشات والأفلام والمسلسلات.

يجلس الكاتب الكبير مسعد الزيتاني، الآن وحيداً، أما الكواعب الأتراب، فقد تخلوا عنه بعد أن وقفت إمداداته من السفارات الأجنبية، ولم يعد يمارس الميسر ولا يشرب الخمر، وطلب من جمعية «العفو عند المقدرة» أن تساعده بشهرية تمنحه عيشاً كريماً، وأصبح يرتاد المساجد، وينشرح صدره برؤية اللحى والمسابيح والبخور، وانضم لفرقة صوفية، وأصبح صاحب طريقة.

وذات يوم غائم نسبياً وبينما كان مسعد الزيتاني، يجلس في زاويته الجديدة بزاوية الشيخ «أبو شنب الثالث»، يحرك مسبحته بعصبية وكأنه يسبح ضد تيار الحياة الذي انقلب عليه، دخل عليه شاب متحمس حاملاً كتاباً قديماً له بعنوان «جسد المرأة... حرية تنويرية»، وقال بلهفة: «شيخنا، وجدنا هذا الكتاب في مكتبة أبي... هل نحرقه أم نستغفر له»؟.

التقط مسعد، الكتاب الذي كان يفتخر به ذات يوم، وهمس بنظارة عينيه المثقلة بالندم: «لا تحرقوه» ثم قال في نفسه سراً «لعل المزاج العالمي يتغير مرة أخرى»!

في الأسبوع التالي، ظهر الزيتاني، على إحدى القنوات يرتدي جلباباً أبيض ويُحرّك مسبحته، مُعلناً توبته النهائية عن «خطايا التنوير»، واصفاً كتبه السابقة بأنها «وساوس شيطان مطبوع» وعندما عرض له المذيع مقطعاً من تسعينات القرن الماضي وهو يصرخ: «العمائم أكياس شاي فارغة!»، اعتدل الزيتاني، في جلسته ومال للأمام قائلاً ببرود: «عندما تراني في الماضي عليك أن تتذكر نعمة الهداية... أما عندما تراني في حاضري فعليك أن تتذكر عظمة المغفرة»!.

اليوم، يقف الزيتاني، أمام أتباعه بجلباب أبيض لكن تحت الجلباب الأبيض الناصع، ما زال يرتدي بنطال التنوير القديم... لسببين: «الراحة... والذكرى!»... ويوماً ما سينزع الجلباب ويدعو الكواعب ويعود لعادته القديمة...هو فقط ينتظر المزاج العالمي... وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

أخبار ذات صلة

0 تعليق