ما شهده البيت الأبيض الأميركي قبل أيام من حوار ساخن بين الرئيس دونالد ترامب ونائبه من جهة، ومن الأخرى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، هو ما يسمى "الديبلوماسية العارية"، التي تكون خلف الأبواب المغلقة، لذا هي المرة الأولى حيث يرى العالم هذا الحوار الساخن جداً، إلا أنه كان يكشف حقيقة طالما أُخفيت عن الناس، وهي كيف يكون اللعب بمصائر الشعوب.
ترامب المتحدث من دون قفزات قال جملة معبرة موجهة إلى الرئيس الأوكراني، وهي "أنت تسعى إلى حرب عالمية ثالثة"، إذ يدرك أي مسؤول في حواره مع نظيره ما يسعى إليه كل منهما، وبالتالي حين أعلنت الإدارة الأميركية الحالية سعيها إلى السلام، وتحقيق تسوية في الحرب الروسية - الأوكرانية، كان يدرك سيدها أن الأمور إذا استمرت على هذا المنوال فإن الحرب آتية لا ريب.
هذه المخاوف ليست محصورة بالأميركيين فقط، إنما موجودة في أذهان قادة العالم أجمع، الذين يعلمون أن من السهل جداً أن تصل إليه الدول، فالحرب العالمية الأولى، كانت جراء حادثة اغتيال ولي عهد النمسا، رغم أن مقدماتها كانت موجودة، لكنها احتاجت إلى شرارة، جاءت من أرعن متطرف صربي، وكانت نتيجتها مقتل نحو 23 مليون نسمة.
فيما الحرب العالمية الثانية، أيضا كانت لها أسبابها، إلا أن الشرارة الأولى هي الغزو الألماني لبولندا، جراء نازية معتوه، أراد إثبات أنه قادرعلى حكم العالم، فسعى بتحالفه مع الفاشية الإيطالية والتطرف الياباني إلى إشعال العالم، وكانت النتيجة ما يزيد عن70 مليون نسمة قتلى، والدمار الهائل الذي حل بمعظم الدول الأوروبية، وفي نهايتها استعملت القنابل الذرية للمرة الأولى في التاريخ.
نعم، زعماء الدول بشر، ولديهم نوازعهم الشخصية، ورغباتهم، وهذا ينطبق على الجميع، لذا حين توفي روزفلت، وحل محله ترومان أراد الأخير أن يثبت قوته، وجدارته والسعي إلى انتخابه مرة أخرى، وكذلك الانتقام من اليابان على قصفها ميناء بيرل هاربر، وأيضا كي يحجز مكانه بين رؤساء العالم، لذا أمر بإلقاء القنابل النووية على هيروشيما و ناكازاكي.
لذا فإن الحرب الأوكرانية – الروسية، التي يبدو أن لا أفق لها، يمكن أن تدفع بالرئيس زيلينسكي إلى جر أوروبا والعالم إلى حرب نووية لا شك أنها ستؤدي إلى إبادة البشرية، وهذا ما ألمح إليه ترامب الساعي في ولايته الجديدة أن يركز على مشكلاته مع الصين والاقتصاد الأميركي، وليس الانشغال بأزمات دولية تضعف دور بلاده العالمي.
من السهل إشعال الحرب، لكن صناعة السلام صعبة جداً، خصوصا إذا كانت هناك شخصيات تتحكم فيها الرغبات الفردية، وفي العالم أمثلة كثيرة من هؤلاء، الذين تسببوا بموت مئات آلاف البشر من أجل مجدهم الشخصي، أو طمعاً بالتمتع بالامتيازات الرئاسية، وفي هذا الشأن عربياً هناك العديد منهم، أكان مع معمر القذافي أو صدام حسين، أو أخيراً مع بشار الأسد، ولا ننسى الجزار أو بنيامين نتنياهو.
هناك قاعدة ديبلوماسية، وهي لمنع الخصم من تحقيق أهدافه، عليك كشف خطته للعلن فتحبطها، وهذا ما فعله دونالد ترامب الذي يستحق الشكر على هذا الحوار العلني بينه وبين زيلينسكي.
- أحمد الجارالله
0 تعليق