وفي هذا الصدد لفتت وزارة الموارد البشريَّة إلى أنَّها راعت في قرارها ظروف سوق العمل في المهن والأنشطة المستهدفة، كما راعت أعداد الباحثين عن عمل من خريجي التخصصات ذات العلاقة، وأخذت في الاعتبار الدارسين حاليًّا في التخصصات ذات العلاقة بالمهن المستهدَفة، وكذلك واقع القطاع الخاص وقدرته على استيعاب الكوادر البشريَّة الوطنيَّة في التخصصات المهنيَّة.
«المدينة» ناقشت القضية مع عدَّة أطراف، في ظلِّ شبه خلو لهذه المهن من الأيدي العاملة السعوديَّة في مختلف التخصصات، ووجود فجوة كبيرة، باعتبارها مهنًا حرجة ولابُدَّ من خطة شاملة لتوطينها بشكل متدرِّج.في البداية قال رجل الأعمال المهندس عثمان بن صالح الغامدي: يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العمل المهني منظر ذلك الشاب الذي يعمل بيده، ويلبس ثيابًا متَّسخة ويعمل من بعد الفجر إلى غروب الشمس، بيد أنَّه ومع التحوُّل الاقتصادي والتقني التي تعيشه المملكة، فتحت الأبواب للشباب الراغب في العمل المهني، الذي يحقق الحياة المعيشيَّة الجيدة، والوضع الاجتماعي اللائق، ومن هنا يأتي الحديث عن سبب عزوف الشباب عن العمل المهنيِّ رغم براقة مستقبله وجزالة عوائده الماليَّة.
وأرجع ذلك إلى إغراق السوق بالعمالة الرخيصة، ووجود التستر التجاري، وعلى الرغم من جهود الدولة، إلَّا أنَّ حجم المشكلة يحتاج سنوات من العمل والمتابعة لتصفية السوق من هذه الممارسات المضرَّة.
وأشار كذلك إلى ضعف الدافعيَّة الذاتية، أو ما يُسمَّى بالطموح والشغف، فضلًا عن الحاجة للتمويل الرأسمالي والتشغيلي للسنوات الأُولى، مشيرًا أنَّ أغلب البنوك التجاريَّة ليس لديها منتج خاص للراغب بفتح ورشة مهنيَّة، وتطلب منه كفالات لبيت لديه، واقترح تفعيل لجان العمل المهني في الغرف التجاريَّة؛ لإيصال مطالبهم للجهات الحكوميَّة، وتبنِّي المؤسسة العامة للتعليم المهني برامج متابعة لخريجيها ودعمهم ماديًّا وتقنيًّا وتخفيض الرسوم الحكوميَّة عليهم لمدد مجزية.
كما دعا إلى إنشاء شركات صغيرة بين عدد محدود من المهنيِّين ورجال الأعمال، كمبادرات مجتمعيَّة خاصة في المدن الطرفيَّة، وإنشاء اقتصاديَّات جديدة للمهن التقنيَّة.
كما يبقى السماع من الشباب -خاصة خرِّيجي المعاهد المهنيَّة، وهم بعشرات الآلاف على مدار العقود الماضية، من خلال ورش العمل- لمعرفة توجهاتهم، وسبب عزوفهم عن العمل.
من جهته قال المواطن خالد بن هبيد الزايدي: توطين المهن يحتاج إلى أمور عدة، منها إقناع الأشخاص بأنَّها مهن مهمة للمجتمع وشريفة، وتقوم عليها أسس الحضارة، وذلك بالدعم المعنوي والمادي، وتسهيل الحصول على تراخيص للعمل الحر، والتقليل من الاعتماد على العمالة الوافدة، وإعطاء الأولويَّة في المشروعات الحكوميَّة للشركات والمؤسَّسات التي يعمل بها نسبة من السعوديِّين في الأعمال المهنيَّة المختلفة.
أمَّا المهندس خالد بن علي، المدرب في قسم السيَّارات بالمعهد الصناعي، فدعا إلى تعزيز ثقافة العمل المهني وبرامج التوعية، وتحفيز الأسر لدعم أبنائهم في دخول هذه المجالات، وعدم الاقتصار على الوظائف التقليدية، وتقديم برامج تدريب مدفوعة الأجر للخرِّيجين الجدد؛ لضمان دخولهم إلى السوق بسرعة.
كما دعا إلى تقديم الحوافز الماليَّة والمعنويَّة بدعم من روَّاد الأعمال، ومنح قروض ميسَّرة لإنشاء ورش وشركات صغيرة، والترويج للمهن المهنية بين الشباب عبر المدارس والجامعات، وتصحيح الصورة النمطيَّة عنها.
أمَّا المواطن محمد الغامدي، فقال: أرى الاستمرار في تشجيع الشباب على المهن المختلفة، وبالذات ميكانيكا وكهرباء السيَّارات، والبرمجة، والإلكترونيات، مشيرًا أنَّها تعتبر من التجارة ذات العائد الاقتصادي الكبير.
وشاركنا المواطن عبدالرحمن الزهراني قائلًا: نشاهد مناطق صناعيَّة كبيرة شبه خالية تمامًا من أبناء الوطن، لافتًا إلى أنَّ عمر المعاهد الصناعيَّة تجاوز 50 سنةً، وكل عام يتم تخريج آلاف الكوادر، دون أنْ يكون لها أثر واضح في السوق؛ بسبب التسرُّب إلى الأعمال الإداريَّة والمكتبيَّة رغم ضعف الرَّواتب.
0 تعليق