أكد في لقاء خاص مع برنامج "إضاءة" على قناة "الأخبار" أن الكويت بلد جيد وأهله كفاءات و"شطار"
محمد العنزي
منذ أن امتطى صهوة الكلمة، وغاص وراء المعلومة بحثا وكتابة ونشرا في عالم الصحافة، آثر إلا أن يرفرف بأجنحة الطموح الاعلامي بين قمم الصحافة المحلية والعربية والعالمية، لا مستجديا مدحا، ولا متهيبا قدحا بل راغبا بإذكاء الوعي المجتمعي، مع الشهرة والمجد فكان علما بارزا لاتخطئه العيون.
في سبيل الكلمة والرأي الحر لم يجد معارضوه بداً من محاولة اغتياله برصاص الغدر لإسكات صوته الصادح بالحقيقة وكشف التلاعب بالمشهد السياسي في العالم العربي آنذاك عبر نشره حلقات من كتاب "لعبة الأمم"، إلا أنه واصل بعزم متمثلا القول المأثور "إن الضربة التي لاتقتلك تقويك"، وقول أمير الشعراء:
"قف دون رأيك في الحياة مجاهدا
إن الحياة عقيدة وجهاد"
وهاهو قد بلغ ذروة الطموح من محرر إلى مالك جريدة "السياسة" وعلم في الصحافة الكويتية، إنه العميد رئيس التحريرأحمد الجارالله.
العميد الجارالله ـ القامة الاعلامية الكبيرة ـ كان ضيف برنامج "إضاءة"، الذي يقدمه الإعلامي منصور العجمي على قناة "الأخبار" الكويتية مساء يوم الجمعة الماضي في لقاء تطرق إلى مسيرته الإعلامية الممتدة لعقود، وتناول بصراحة بداياته في الصحافة، وتأثير الإيديولوجيات السياسية في تشكيل وعيه، كما كشف عن محاولات اغتياله، ومواقفه من القضايا المحلية والعربية والدولية والمستجدات السياسية والإعلامية إضافة الى رؤيته لمستقبل الإعلام والصحافة الورقية، وفيما يلي التفاصيل:
الصحافة بالنسبة لي مهنة وهواية ولم يَعرفني الناس إلا بـ"أحمد الإعلامي"
بدأت مسيرتي الإعلامية عام 1962 بدافع الشهرة وقادني الطموح لتأسيس"السياسة"
القادة لا يبحثون عن المدح.. بل النقاشات العميقة وعليك أن تمارس دورك كإعلامي
تعرضت لمحاولة اغتيال بـ32 رصاصة خططت لها 3 دول بسبب رأيي في "كامب ديفيد"
غزة مدمرة وتحتاج إلى 15 سنة لإزالة الأنقاض و 150 مليار دولار لإعادة إعمارها
يؤلمني أن أجد الشباب لديهم مشاريع في دول المنطقة وفي الكويت غير موجودة
لماذا التلفزيونات الخليجية منتشرة بكل مكان وتلفزيون الكويت لم يجد مساحته؟
تطوير حركة دوران المال سينعش الاقتصاد ولو ظلّت مغلقة سيلجأ الناس للقروض
لا نريد وزيراً أو رئيس وزراء عبقرياً بل نحتاج لشخص لديه القدرة على تحليل المشاكل
الكويت لديها مليار دولار وبترول يكفي لـ100عام ولابد من الاستعانة بـ"الخاص"
البدايات الإعلامية
كشف رئيس التحرير العميد أحمد الجارالله عن أن بداياته الإعلامية كانت في عام 1962 بدافع الشهرة، حيث كان متابعًا بشكل كبير للتاريخ السياسي في المنطقة، مضيفا "الشغف بالظهور ورغبته في أن يكون معروفًا هو المحرك الأساسي لمسيرته الإعلامية وقد استطاع تحقيق ذلك بالفعل، ليصبح أحد الأسماء المعروفة في منطقة الخليج والعالم العربي، لاسيما بين قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وفي المحافل الثقافية والسياسية.
من التأثر بالمد الناصري إلى تأسيس"السياسة"
وحول قراره بدخول عالم الصحافة، أكد العميد الجارالله أنه في بداياته كان متأثرًا بصحيفة "الكفاح" اللبنانية، التي كانت تضم كتابات لعدد من المفكرين العرب، وكانت خاضعة آنذاك لخط الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، مضيفا،"في ذلك الوقت، كنا جميعاً متأثرين بالمد الناصري، خاصة بعد ثورة 1958، حيث اجتاحت أفكاره معظم الدول العربية".
وتابع:"نعلم جميعًا أن أيديولوجية عبد الناصر كانت مستمدة من الاتحاد السوفيتي، الذي نشر الفكر الاشتراكي والشيوعي في المنطقة، بينما كانت الولايات المتحدة تدعم تيارات سياسية أخرى، ففي تلك الفترة، كنا جميعًا تابعين لهذا المد الفكري دون إدراك كامل لعواقبه".
وقال إن الفكر الشيوعي كان مؤثرًا آنذاك، خاصة بسبب شعاراته التي نادت بمبدأ "اعمل بقدر طاقتك وخذ بقدر حاجتك"، مضيفا "في ظل الفقر الذي كانت تعاني منه بعض الدول العربية، وجدت هذه الأفكار رواجًا كبيرًا، لكنها لم تحقق أي تطور فعلي، خاصة بعد هزيمة 1967، حيث بدأ العالم العربي في إدراك زيف الكثير من الشعارات التي تم الترويج لها".
الطموح الإعلامي
وأوضح العميد الجارالله أن بداياته في العمل الصحفي، كان "محررا صحافيًا في جريدة "الرأي العام" الكويتية، التي كان يملكها عبد العزيز المساعيد، مضيفا" بعد فترة شعرت برغبة وطموح في الانطلاق بمشروع إعلامي مستقل، فأسست جريدة "السياسة" عام 1967".
وأردف قائلا:" شاءت الأقدار أن أقرأ كتاب "لعبة الأمم" الذي ألفه اثنان من رجال المخابرات الأميركية، حيث كشفا كيف تم التلاعب بالمشهد السياسي في العالم العربي، وكيف تم الدفع بجمال عبد الناصر إلى السلطة ليكون شخصية مؤثرة يتم الاعتراف بها عالميًا، تمهيدًا لخلق واقع سياسي جديد في المنطقة".

رئيس التحرير متحدثاً إلى الإعلامي منصور العجمي خلال برنامج "إضاءة" على قناة "الأخبار"
الهجوم الثلاثي
وتابع: "عندما بدأت بنشر الكتاب، تعرضت لهجوم شرس من ليبيا وسوريا وإيران، حيث اعتُبرت هذه الدول من المعسكر القريب للفكر الشيوعي، واتهموني حينها بأنني عميل للمخابرات الأميركية، وهو ما كان جزءًا من حملة منظمة ضدي".
32 رصاصة
وروى العميد الجار الله تفاصيل محاولة اغتياله، قائلا إنها كانت بتخطيط من ثلاث دول هي ليبيا وسوريا وإيران، بسبب مواقفي المؤيدة للرئيس المصري الراحل أنور السادات واتفاقية كامب ديفيد، لافتا الى أن منفذي العملية تابعوه لمدة ستة أشهر، قبل أن ينفذوا الهجوم في يوم مغبر، حتى يتمكنوا من الفرار بسرعة.
وأضاف: "عندما خرجت من مكتبي، كانت هناك سيارة أمامي، ونزل منها أحد الأشخاص وأطلق 32 رصاصة، أصابت ست منها يدي.
وبيّن انه لم يكن معي حينها سوى السائق، الذي طلبت منه أن يذهب بي إلى المستشفى بأقصى سرعة."
وأشار إلى أن أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد أمر وزير الصحة حينها، عبد الرحمن العوضي، بتوفير الرعاية الصحية الكاملة له، حيث أشرف على علاجه طاقم طبي مكون من عشرة أطباء، تمكنوا من إجراء عمليات جراحية دقيقة لإعادة ترميم العظام المتضررة.
الصحافة بين المهنية والتأثير السياسي
وحول طبيعة عمله الإعلامي وعلاقته بالقادة والزعماء، أكد العميد الجارالله أن الصحافة يمكن أن تكون مجرد "واجهة" أو مهنة حقيقية، أما بالنسبة لي، فالصحافة مهنة وهواية، ولم يَعرفني الناس إلا بـ"أحمد الإعلامي"، لأنني أحب التحليل والمناقشة، وأملك ذاكرة تاريخية قوية عن الكويت والعالم"، مشيرا الى أنه كان الإعلامي الوحيد الذي تمكن من مقابلة رئيسي الصين المتنازعين حينها، والتقى بالكثير من زعماء أوروبا".
لقاءات القادة
أضاف: "القادة لا يريدون المدح، بل يسعون إلى حوارات عميقة حول القضايا الكبرى، حتى لو لم يتم نشر بعض التفاصيل لاحقًا، لذلك، عندما تلتقي بالحكام، عليك أن تمارس دورك كإعلامي محترف"، مبينا أنه إحدى أبرز محطاته الصحفية، عندما سافر إلى اليمن خلال فترة النزاعات المسلحة، حيث اضطر للانتقال عبر السعودية للوصول إلى الحدود اليمنية، ليقابل الملك الذي كان متحصنًا في أحد الكهوف الجبلية.
الأوضاع في الكويت
وبسؤاله عن الأوضاع في الكويت، قال الجار الله:"إن الكويت بلد جيد وأهلها "شطار" ولكن يؤلمني أن أجد الشباب لديه مشاريع في دول المنطقة وفي بلده غير موجودة، مضيفا "السبب مجلس الأمة الذي كانت بعض قراراته عبثية ولكن نحن أمام عهد جديد الآن وهذا الأمر يشعرني بالراحة".
أفضل من السابق
وأشار العميد رئيس التحرير إلى أن واقع العالم العربي والمنطقة بعد وصول الرئيس الأميركي ترامب، أفضل من السابق، الرئيس ترامب له آراء ولكن ليست بالضرورة قابلة للتطبيق لاسيما موضوع تهجير أهل غزة في ظل رغبتهم بخروج الجنود الأمريكيين من العراق وسورية.
15سنة
وتابع "غزة مدمرة وتحتاج إلى 15 سنة حتى يتم إزالة الأنقاض و150 مليار دولار حتى تتم إعادة إعمارها، لذلك الرئيس الأميركي الجديد لن يستطيع حل مشاكله مع الصين وأوكرانيا وغزة وكذلك مشاكله في الملفات الداخلية في غضون 4 سنوات.
الواقع الاعلامي
في الجزء الثاني من اللقاء انتقد العميد الجارالله الواقع الإعلامي في ظل التحولات،مؤكدا أن "لدينا الإمكانات كاملة لكن: لماذا التلفزيونات الخليجية منتشرة بكل مكان؟ ولماذا تلفزيون الكويت لم يجد مساحته من هذا الانتشار؟
أضاف:" نحن بالسابق كنا نعاني من مجلس الامة وتحكمه في القرار، لكن أملنا كبير في العهد الجديد والدور المنشود في تطوير حركة دوران المال، فإذا كانت هذه الأمور مغلقة فان الناس سوف تلجأ للقروض والفوائد لذلك هناك فوائد عدة لهذه الحركة التي تنعش الاقتصاد، لاسيما أن الكويت لديها مليار دولار وبترول يكفي احتياجاتها لـ 100 عام".
القطاع الخاص
وأشار الجار الله إلى أهمية إشراك القطاع الخاص في حل المشاكل التي تحدث بالبلاد لاسيما في الكهرباء، لافتا الى أن عدم الاستقرار تسبب بالكثير من المشكلات، فمنذ 30 عاماً تم تشكيل 46 وزارة والوزير يوضع اسمه بالليل ويزال في الصباح، مضيفا لا نريد وزيراً أو رئيس وزراء عبقرياً بل نحتاج إلى شخص طموح لديه القدرة على تحليل المشاكل لاسيما في الطرق والكهرباء.
الصحافة الورقية... 5 سنوات
أكد العميد الجارالله أن الصحافة الورقية لن تستمر أكثر من 5 سنوات، ونحن قد هيأنا أنفسنا للتطوير، وفي المقابل أتمنى من تلفزيون دولة الكويت ان تكون لديه حلقات تجذب المقيمين بالخارج أكثر من الداخل وأن يعمل الشباب بعقولهم لا بأجسادهم.
سألت عبدالناصر : ما رأيك بقتل 15 ألف شخص على قناة السويس؟
بسؤال العميد الجار الله عن علاقته بجمال عبد الناصر والمخابرات قال" رأيته مرتين الأولى بالسعودية بعد عام 1967 وتابع " وفي المرة الثانية رأيته في القاهرة حيث رؤساء التحرير العرب وقد حضر عبد الناصر وسلم عليهم ولكنني بادرت حينها بالقول " ما يصير نشوفك وتمشي.. ما رأيك بقتل 15 ألف شخص على قناة السويس نحن نريد مناقشتك" ولكن وزير الإعلام احمد بهاء الدين قال لعبد الناصر هذا أحمد الجار الله رئيس تحرير "السياسة" لكنه رد هي ليست جريدة بل مجلة ولكنني رفضت حينها وقلت لا بل هي جريدة وقال "بعد وصولي إلى الفندق أتت المخابرات المصرية وأخذتني إلى مقر جمال عبد الناصروفوجئت بانه أجاب على بعض القضايا وقلت له هل ذلك للنشر وأجابني بالرفض.
عرفات اتهمني بالعمالة لإسرائيل والحصول على 7 ملايين دولار
ذكر العميد أن رئيس السلطة الفلسطينية السابقة ياسر عرفات زار الكويت وتحدث أمام الحاضرين المؤيدين للقضية الفلسطينية واتهمني بأني عميل لإسرائيل وبأنني "قبضت" 7 ملايين دولار وتم إبلاغي حينها من بعض المسؤولين في "السياسة" فقلت لهم ضعوا صورته على صدر الصفحة الأولى واكتبوا ما قاله عني".وتابع " قبل زيارة عرفات تقدمت لأحد البنوك بطلب قرض ورفضوا وبعد أن شاهدوا ما نُشر عني بأن لدي 7 ملايين دولار وافقوا على القرض، والتقي بعرفات بعد مدة وقلت له حينها انت خدمتني باتهامك لي ويا ليت قلت بأنني "قبضت" 15 مليون دولار فقد اخذت قرضا من البنك بسبب هذا الاتهام، ولكنني فوجئت به يقول" ما يطلع لنا شي من المبلغ!".
توسطت للسعدني عند الرئيس مبارك فكتب عني كتابين
بسؤال العميد الجارالله عن أن الكاتب المصري محمود السعدني وصفه بقوله" احمد الجارالله صحفي كويتي حقيقي يتعامل بمزاجية وحرفية عالية، أجاب الجار الله ، السعدني كان يعمل بالإمارات التي أبعدته لأنه انتقد شاه إيران واتى للكويت وعمل لدى "السياسة" ولكنه بدأ ينتقد بعنف الرئيس المصري السابق أنور السادات على الرغم من تأييدي له وبعد فترة اتصلت على أطراف من الحكومة وطلبت مني بأن لا يكون موجودا بالكويت بسبب زيارة السادات للكويت وقد ذهبت به إلى العراق وقلت له "بتغييب شوي".
وبعد مقتل السادات ذهبت إلى حسني مبارك وطلبت منه النظر في ملفه لعودته إلى بلده وقد أثر ذلك الموقف بالسعدني فكتب عني كتابين حينها.
0 تعليق