ودع الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية سنة 2024، بتوقيع اتفاقية قرض في 19 ديسمبر بقيمة 5.2 ملايين دينار لتمويل مشروع تعزيز إنتاج الطاقة الكهربائية في طاجيكستان، ولا نملك حق الاعتراض، بل نتفهم مرغمين سياسة "الصندوق" الديبلوماسية.
"الصندوق" هو الذراع السياسية للكويت، لتقديم المساعدات، والقروض الميسرة، في شتى أنحاء العالم، وهو "الصندوق" نفسه الذي له حماسة ملحوظة في تمويل مشاريع عملاقة في العالم، لكن سياسته الإعلامية لا لون لها، ولا طعم ولا عضلات، فهي سياسة إعلامية رخوة!
الشعوب المستفيدة من مشاريع ضخمة لا يعلم الشعب المستفيد بتفاصيلها التنموية، وسياسة القروض الميسرة أو "الحسنة"، وقد برهن الغزو العراقي على ذلك، ولم تشفع كلمة "الخلان" للكويت، ولا الدول المستفيدة وشعوبها من مشاريع تنموية، وقروض سخية!
في وقت مضى، رأت بعض الجهات تفسير "الخذلان العربي" لموقف بعض البلدان المستفيدة من مشاريع "الصندوق الكويتي"، وأيدت الغزو العراقي، بسبب تقصير إعلامي كويتي، بعدم مخاطبة شعوب تلك البلدان، والشعوب المستفيدة من جسور المساعدات الكويتية.
ليس من الصواب تبرير كل ما مضى ومقبل بسبب "جهل الشعوب" بجميع ما قدمته الكويت لبلدانهم في بناء المدارس، والمستشفيات، والطرق، والمشاريع الضخمة، التي تعود على دولهم وشعوبهم بعوائد مجزية.
لست ممن يهوى نكء الجروح، لكنني شديد الحرص على تشخيص وتحليل مراحل تاريخية عربية، وكويتية مهمة للغاية، لا سيما ما صاحب الغزو العراقي للكويت في العام 1990 من "خذلان" من الدول والشعوب العربية في إشاعة الحماسة الجماهيرية تأييداً للاحتلال، ونكراناً للحق الشرعي الكويت!
إن المساعدات الكويتية هي علنية وليست هبات خيرية، وهي في الواقع قروض ميسرة لدول صديقة أو محتاجة، لذا ليس ثمة ما يبرر "السرية"، في السياسات التنموية الكويتية الموجهة إلى هذه الدول وشعوبها، فالهدف الأساسي تحقيق رفاهية حياة الشعوب، وليس أنظمة بعينها.
كانت هناك مقارنة عقيمة، وغير عادلة تتصدر المشهد الإعلامي، والسياسي، والحوارات الشعبية الكويتية أثناء الغزو، على مستوى ما قدمه الطاغية صدام لبعض الانظمة العربية، التي اتخذت موقفاً مؤيداً للغزو بسبب "طباعة" الكتب، والكراسات المدرسية، وعليها اسم ديكتاتور بغداد، في حين المساعدات الكويتية السخية لم تكن حاضرة في العقول، والضمائر المستفيدة، بسبب فشل سياسات الصندوق الإعلامية، والإعلام الرسمي أيضاً، خصوصا في عدم تبني تحرك إعلامي ممنهج، ومتناغم، في التواصل الجماهيري مع شعوب الدول المستفيدة.
واضح أن الصندوق الكويتي لم يستفد من دروس إعلامية مؤلمة، ومفاجآت صاعقة، على الصعيدين الرسمي، والشعبي، في الكويت وخارجها، بسبب مغالطات شتى وأخطاء جسيمة وقعت فيها قطاعات واسعة من الشعوب العربية قبل أنظمتها، لأسباب عدة، منها ما تتحمله حكومات كويتية قبل الغزو على الصعيدين الإعلامي والسياسي تحديداً.
فمصدر "الجهل" في دور الكويت التنموي قبل الغزو كان كويتياً رسمياً أساساً، وليس صحيحاً التبرير أيضاً بأن "ذلك الجهل يكمن في عدم رغبة الكويت في الإعلان عن تلك التبرعات من باب أنها من أعمال الخير السرية".
كان يفترض أن تصاحب المساعدات الكويتية التنموية، في دعم البنية التحتية والمشاريع الموازية في العديد من الدول، سياسة إعلامية وتحرّك بالمستوى نفسه من أجل التواصل جماهيرياً مع الشعوب المستفيدة، قبل قياداتها السياسية، لا سيما أن هناك الكثير من هذه القيادات من استفاد -سابقاً- مالياً من مشاريع الكويت التنموية، بل جرى استغلالها لغايات غير تنموية!
قدم "صندوق التنمية" مبادرة إعلامية يتيمة لمواكبة زيارة الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد إلى المملكة المتحدة بعد تقلده مسند الإمارة، وتجمد الصندوق عند تلك المبادرة!
قدمنا العديد من الملاحظات، والمقترحات، والتحفظات، على سياسة الصندوق الإعلامية، ولم تتغير الخطط والسياسيات الإعلامية، ولا أسلوب التفكير، والتخطيط؛ فهل الصندوق ينتظر "خذلانا" جديدا لاستيعاب الجهل الإعلامي؟
0 تعليق