هل فنتازيا المسلم نافذة ضوء فيه خوف؟

مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
من باب ما جاء به الكاتب السعودي أسامة المسلم في إنتاجه رواية خوف وتبنيه مدرسة الفنتازيا في عالم الأدب من وجهة نظر سعودية قادني الفضول لمتابعة المشهد الثقافي من بداية إعلان الكاتب عن المشروع حتى تغريدة الناقد الأدبي السعودي الدكتور سعد البازعي، حينما وصف المسلم في تغريدته كظاهرة فقاقيع سردية وهذا طرح يستحق النظر، بل حتى الاستفهام والتعجب!

لو أمعنا النظر قليلا في تاريخ الفنتازيا وأصولها الأدبية وخصائصها واتجاهاتها الحديثة وفهم ملامح التجربة التي يريد إيصالها الكاتب السعودي أسامة المسلم من روايته "خوف"، لاستطاع القارئ والمتذوق والناقد الأدبي الخروج من عباءة المألوف التقليدي إلى تحليل غير المألوف الحداثي، حتى وإن وصف النخبة الكلاسيكيون أعماله بالفقاعات السردية.

كما أنني لا أزعم أن لدي وجهة نظر تخصصية في مجال النقد والأدب، إلا أني على الأقل لدي الحق في طرح رأيي المتواضع من وجهة نظر فنية تطلعية للطرح المتزن بين ما هو تشويق وما هو فلسفة. وأسامة المسلم، بوصفه كاتبا سعوديا، استطاع أن يدمج بين الأصالة والمعاصرة، بين التراث العربي الثري وبين الحداثة الأدبية التي تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية. في رواية "خوف"، نرى كيف استطاع المسلم أن ينسج عالما خياليا مليئا بالتفاصيل الدقيقة، حيث يتقاطع الواقع مع الخيال في لوحة فنية آسرة.

دعونا نأخذكم إلى نبذه بسيطة عن أصول الفنتازيا الأدبية وجذورها التي تعود إلى الحكايات الشعبية والأساطير القديمة التي كانت ترويها الشعوب لشرح الظواهر الطبيعية أو لنقل القيم الأخلاقية والدروس الحياتية. من أشهر الأمثلة على ذلك الأساطير اليونانية والرومانية، وحكايات "ألف ليلة وليلة" في التراث العربي. ومع تطور الأدب تحولت هذه الحكايات إلى أعمال أدبية أكثر تعقيدا، مثل "ملحمة جلجامش" و"الإلياذة" و"الأوديسة". ناهيك عن بروزها في العصر الحديث بشكل مغاير تماما على أيدي كتاب عالميين استطاعوا أن يصنعوا منها جنسا أدبيا مستقلا بذاته، خاصة بعد ظهور أعمال كتّاب مثل تولكين (سيد الخواتم) وسي.إس. لويس (سجلات نارنيا)، الذين أسسوا لمعايير هذا النوع الأدبي وفتحوا الباب أمام كتّاب آخرين لاستكشاف عوالمهم الخيالية.

بل أن هناك خصائص للفنتازيا الأدبية تميزها عن جنس غيرها في عوالمها الموازية أو البديلة، كونها مستقلة تماما عن عالمنا الواقعي أو متصلة به عبر بوابات سحرية أو أحداث خارقة، فهي تنطلق من كائنات أسطورية غير موجودة في الواقع، مثل التنانين، والعفاريت، والجن، والكائنات السحرية الأخرى. حيث يقوم السحر والقوى الخارقة بدورهما المحوري كأداة لتغيير الأحداث أو حل للصرعات التي غالبا تتمحور حول صراع أبدي بين قوى الخير والشر، مع وجود أبطال يواجهون تحديات كبيرة لتحقيق النصر. بالرغم أن الفنتازيا تبدو سطحية أحيانا بسبب عناصرها الخيالية، إلا أنها غالبا ما تخفي وراءها رموزا ودلالات عميقة حول الحياة، والإنسان، والمجتمع.

من وجهة نظري أرى المسلم في روايته "خوف" قد استلهم من هذه المدرسة، لكنه أضاف إليها لمسة عربية سعودية، حيث نلمح في ثنايا الرواية إشارات إلى الثقافة المحلية، والعادات، والتقاليد، بل وحتى الأساطير الشعبية التي تتناقلها الأجيال في المنطقة. ما يميز هذه الرواية هو قدرة المسلم على خلق توازن دقيق بين التشويق والفلسفة. فبينما تأخذنا الأحداث في رحلة مثيرة عبر عالم غريب، تطرح الرواية في الوقت نفسه أسئلة عميقة عن طبيعة الخوف، والإنسان، والمصير. وهذا الجمع بين المتعة الفكرية والتشويق الروائي هو ما يجعل العمل يتربع على عرش الأدب الفنتازي العربي.

فهو يعد نموذجا للكاتب الذي استطاع أن يقدم أدبا عالميا دون أن يفقد ارتباطه بجذوره المحلية. فقد استطاع الكاتب أن يقدم عملا يمكن أن ينافس الأعمال العالمية في هذا المجال، دون أن يتنازل عن هويته الثقافية. وهذا بحد ذاته إنجاز كبير، خاصة في ظل التحديات التي تواجه الأدب العربي في الساحة الدولية.

باختصار، أسامة المسلم عبر روايته "خوف"، قدم إضافة نوعية للأدب السعودي والعربي، مؤكدا أن الفنتازيا ليست حكرا على الثقافات الأخرى، بل يمكن أن تكون أداة قوية للتعبير عن الهوية الثقافية، وعن الرؤى الفلسفية العميقة. وهذا ما يجعل منه اسما لامعا في سماء الأدب، ورمزا للإبداع السعودي الذي يتطلع إلى العالمية. بل إنه قدم عملا فنتازيا أدبيا ليس فقط مجرد تسلية أو هروب من الواقع، بل جعلها مرآة تعكس رؤى الكتّاب وأحلامهم، وتطرح أسئلة عميقة عن الوجود والإنسانية وتؤكد أن الخيال ليس مجرد ترف، بل أداة قوية لفهم الواقع وإعادة صياغته. ومن خلال أعمال مثل "خوف" لأسامة المسلم، يثبت الأدب العربي أنه قادر على المنافسة في هذا المجال، مع الحفاظ على أصالته وتراثه. لست بطرحي هذا مجرد معلن عن عمل الكاتب، ولكني مجرد قارئ صوابه خطأ وخطأ غيره صواب، وآخر دعوانا أن الحمدالله رب الخائفين، ولا تنسوا أن تشرعوا نوافذكم للمسلم فهناك ثمة ضوء فيه خوف!

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق