لا نبالغ إذا قلنا إن الشعب الفلسطيني عموماً، وأهل غزة خصوصاً، تحملوا ما لم يتحمله شعب على مر التاريخ، ولا يمكن لأي منصف، إلا ويضع الأصبع على الجرح، ويحركه كي يوقظ الضمير الإنساني.
نعم، يتحمل العرب بعض المسؤولية عما آلت إليه القضية، لكن النسبة الأكبر تقع على عاتق القادة الفلسطينيين، منذ أول رئيس لمنظمة التحرير، حتى آخر قائد لأصغر فصيل، أو حزب.
هؤلاء لم تكن الحقوق المشروعة لشعبهم الهدف الأسمى، إنما كانت التجارة في القضية كل شاغلهم، لذا مرة كان عبدالناصر هو المحرك، وأحياناً القذافي وصدام حسين، ونظام الأسد، وغيرهم الكثير ممن استثمروا دم الأبرياء، حتى وصلت إلى نظام لا يزال يعيش في كهوف العصور الوسطى، حين وجد أن المتاجرين لا همَّ لهم إلا الاستفادة من معاناة شعبهم.
منذ 77 عاماً لم يمر عيد على أهل فلسطين وهم في فرح، كل أعيادهم كانت غماً وهماً، ومشقة، وآخرها منذ السابع من أكتوبر عام 2023 حتى العيد الحالي، الذي يمر على العرب والمسلمين وفي القلب غصة، لما آلت إليه هذه القضية، وأحوال الشعب الفلسطيني.
حين نطالب بإبعاد الأيدي الخبيثة العميلة عن فلسطين، ليس لأننا كعرب، وخليجيين تحديداً، ندفع الفاتورة المتكررة لإعادة إعمار ما دمرته مغامرات الفصائل الفلسطينية، فلو كان الأمر ينقضي بالمال لحُلت المسألة منذ زمن.
هنا أتذكر ما جرى بعد الثالث من مارس عام 1965 عندما زار الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، آنذاك، أريحا؛ بهدف إقناع الفلسطينيين والعرب بقبول قرار من مجلس الأمن رقم 181 القاضي بمنح دولة لفلسطين بنسبة 49 في المئة من الأراضي مقاسمة مع "إسرائيل"، مع جعل القدس عاصمة مستقلة حيادية تحت إدارة الأمم المتحدة.
حينها قامت قيامة عبدالناصر، ورفض حتى فتح رسالة أرسلها بورقيبة إليه، واندلعت تظاهرات في عموم العالم العربي، بتحريك من التنظيم الناصري، رفضاً لهذا المقترح، بينما اليوم وبسبب حماقات "حماس" والفصائل يستجدي العرب حتى إدخال المساعدات إلى قطاع غزة.
يحيى السنوار، والمسؤولون في "حماس" و"الجهاد" كانوا في السابع من أكتوبر ينتقمون من السجان الإسرائيلي، وليس لتحقيق شروط أفضل بالتفاوض، وفي الوقت نفسه يقدمون أنفسهم، طوال 18 عاماً من حكمهم القطاع، كمستثمرين جدد، فيما وجدوا مشغلاً لهم هو ما سمي، زوراً، "الثورة الإسلامية" التي تبجح قادتها في يوم من الأيام بسيطرتهم على أربع عواصم عربية، فاستخدمه هذا المستثمر منذ ذلك الوقت بالسعي إلى تحقيق أهدافه، وحين أيقن أن حماقة "طوفان الأقصى" ستعود عليه بأفدح الأضرار تخلى عن "حماس" وبلسان أعلى مرجعية فيه، كي يأمن العقاب.
هذا الأمر تكرر مع "حزب الله" والميليشيات الطائفية العراقية، وبعدها مع النظام السوري البائد، وهذا يذكرنا بمقولة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، لأبي عبيدة عندما أرسله إلى أولئك القوم: "إنك تقدم على أرض المكر والخديعة والخيانة، تقدم على قوم قد جرأوا على الشر فعلِموه، وتناسوا الخير فجهلِوه، فانظر كيف تكون".
بعد كل هذا التاريخ، آن الأوان للعرب عموماً، والفلسطينيين خصوصاً، أن يجعلوا من الاحتجاجات الحالية في غزة ساعة حساب عسيرة، ليس فقط لقادة "حماس"، بل لكل من تاجر بقضيتهم، وأن تقفل أبواب العرب بوجه شذاذ الآفاق رافعي شعار "التحرير من البحر إلى النهر"، الذين أهلكوا الجميع، ولم يحرروا حتى منازلهم، فوحدهم من يحقق لإسرائيل أهدافها، وآخرها نسف حل الدولتين.
أعان الله أهل غزة على نكبتهم بحكم "حماس" التي دمرت الحجر والبشر، وجعلت أعياد أهل غزة بكاءً ونحيباً وجوعاً، لهذا نردد ما قاله أبوالطيب: " عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ"؟
أخيراً على الحكام العرب أن يوقفوا الخضوع لابتزاز المتاجرين بالقضية.
- أحمد الجارالله
0 تعليق