لطالما شكلت عروض مسرح الطفل جزءًا مهمًا من الفعاليات الترفيهية خلال الأعياد، إذ تتيح فرصة للأطفال لاكتشاف عوالم الإبداع والخيال. وعلى الرغم من جهود وزارة الثقافة الممثلة في مركز شؤون المسرح لتقديم عروض لمسرح الطفل مثل عروض الدمى في المدارس وفي الاحتفالات الوطنية، حيث قدم المركز خلالها على مدار سنوات مسرحيات متنوعة من بينها «مسرحية عالم 2030» للأطفال، والعرض التراثي الطفولي «طق يا مطر»، ومسرحيات للدمى منها «سحابتي»، و«بشرى والبحر»، و«عربة الزمن»، و«حقق حلمك»، و«موقف صادق»، و«باب وكتاب»، و«فندق العجب» وغيرهم، فإن هناك تراجعا ملحوظا في حضور مسرح الطفل خاصة خلال عير الفطر حيث لا نجد عرضا مسرحيا سوى مسرحية «مغامرات عدنان.. العقل نعمة»وهو ما يثير تساؤلات حول أسباب هذا التراجع وكيف يستعيد مسرح الطفل تألقه وحضوره في المشهد الفني.
«العرب» استطلعت آراء عدد من الفنانين الذي أكدوا وجود العديد من التحديات التي تواجه مسرح الطفل أبرزها ارتفاع تكاليف الإنتاج لأعمال الأطفال مع غلاء تأجير مسارح العروض الصالحة لتقديم أعمال مسرحية ما ينعكس على أسعار تذاكر العروض، إلى جانب قلة النصوص التي تقدم أفكارا جذابة للأطفال.
فهد الباكر: فتح الباب أمام العروض الخارجية
أوضح المخرج والفنان فهد أحمد الباكر أن أزمة مسرح الطفل في قطر وهو ما نلاحظه في عيد الفطر، لا تقتصر على ارتفاع تكاليف الإنتاج وتأجير المسارح، كما لا يوجد جيل جديد من النجوم القطريين القادرين على جذب الأطفال إلى المسرح، مما أدى إلى ضعف الإقبال على العروض.
وأضاف أن قلة الإنتاج القطري فتحت الباب أمام العروض المستوردة من الخارج، التي قد لا تتناسب مع هوية المجتمع القطري، مما يضعف التأثير الثقافي والتربوي لمسرح الطفل. كما أن النصوص المسرحية الحديثة تكاد تكون غائبة، فمعظم النصوص المطروحة باتت مستهلكة ولا تواكب تطلعات وذكاء طفل العصر الحديث.
واوضح أن عدم وجود مهرجانات ومسابقات لمسرح الطفل يحرم المبدعين من فرص تطوير أعمالهم، وكذلك غياب موسم مسرحي منتظم يجعل العروض متفرقة وغير مستمرة، مما يؤدي إلى ضعف التواصل بين الجمهور وهذا النوع من المسرح.
كما أشار إلى أن عدم وجود مسارح مخصصة لمسرح الطفل، إلى جانب الارتفاع الكبير في تكلفة إيجار المسارح المتاحة، أدى إلى عزوف الفرق والشركات المسرحية عن تقديم أعمال للأطفال، حيث أن المغامرة بإنتاج عمل مكلف دون دعم كافٍ تصبح مخاطرة مالية كبيرة.
وقال إن التغيرات الاجتماعية والتطور التكنولوجي أثرت على ذائقة الطفل واهتماماته، وهو ما يتطلب جهداً أكبر من المسرحيين لتقديم أعمال تجذب الطفل وتخاطب وعيه بطرق مبتكرة. كما أن غياب التعاون بين المؤسسات التعليمية والمسرحية يحرم الأطفال من فرص التعرف على المسرح عن قرب والاستفادة منه في تنمية مهاراتهم ووعيهم الثقافي.
وأشار المخرج فهد الباكر إلى أن ضعف التسويق والترويج للأعمال المسرحية الخاصة بمسرح الطفل يزيد من معاناة هذا القطاع، إذ لا يتم تسليط الضوء بشكل كافٍ على العروض المسرحية ولا يتم تقديمها للجمهور بطريقة جاذبة، مؤكدا أن الحل يكمن في دعم إنتاج مسرح الطفل وإنشاء مسارح مخصصة له، إلى جانب تطوير النصوص المسرحية الحديثة وإعادة إحياء المهرجانات المسرحية التي تعيد لهذا النوع من الفنون حضوره وتأثيره في المجتمع.
وتابع الباكر، لدينا حلول داخل الفضاء المسرحي يقبلها طفل اليوم ولا تكون المسرحية عبارة عن حوارات ورسائل مباشرة فقط بل هناك ضرورة لاستخدام الإضاءة والسينوغرافيا والأغاني والخدع وكافة الأساليب المشوقة، لتكون جميعها عناصر جذب للمشاهدة والمتعة وبلوغ الرسالة.
فالح فايز: الإنتاج يتطلب ميزانيات ضخمة
قال الفنان والمخرج فالح فايز «إن التكلفة الإنتاجية العالية هي العائق الأكبر أمام استمرار وتطوير مسرح الطفل في قطر، حيث تتطلب المسرحيات الموجهة للأطفال تجهيزات خاصة تشمل الاستعراضات، الأزياء، الإكسسوارات، تصميم الرقصات، وعددًا كبيرًا من الفنانين والممثلين، ما يجعل تكلفة الإنتاج مرتفعة حتى قبل تأجير المسرح.
واتفق فايز في أن مسألة قلة المسارح المتاحة، سواء لمسرح الطفل أو المسرح بشكل عام، مشيرًا إلى أن بعض المبادرات السابقة، مثل إتاحة مسرح عبدالعزيز ناصر بأسعار مناسبة، أو تقديم عروض على مسرح كتارا برسوم رمزية، كانت تساهم في دعم المسرحيات الاستعراضية للأطفال.
وأكد فالح فايز أن المسرحيين في قطر لا يبحثون عن الربح بقدر ما يسعون إلى رسالة هادفة للأطفال، خصوصًا في ظل المتغيرات الحديثة واحتياجات الطفل الذهنية والمعرفية، مما يستلزم تقديم محتوى مسرحي ذكي يناسب عقلية الأطفال اليوم. لكنه لفت النظر إلى مشكلة غياب النجم الجماهيري الذي يمكن أن يجذب الحضور، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار التذاكر، حيث تصل تكلفة تذكرة الطفل الواحد إلى 700 أو 800 ريال، مما يجعل من الصعب على العائلات تحمل هذه التكاليف، خصوصًا إذا كان لديهم أكثر من طفل.وطرح فالح فايز حلاً بديلاً تم تطبيقه في دولة الكويت بنجاح، وهو استخدام المساحات المفتوحة في الأندية والمراكز الشبابية والجمعيات المهنية لإنشاء مسارح تركيبية، بدلًا من الاعتماد على المسارح الثابتة مرتفعة التكلفة، لافتا إلى أن هذه الفكرة يمكن أن تكون حلًا عمليًا لخفض التكاليف، وتقديم عروض مسرحية للأطفال بتكلفة إنتاج معقولة.وأضاف أن أزمة مسرح الطفل ليست أزمة نصوص، إذ توجد أعمال مسرحية جاهزة، وهناك نص مسرحي لدى فرقة الدوحة المسرحية، لكنها تحتاج إلى دعم للإنتاج، لافتا إلى أن الفرقة تمتلك هذا النص منذ ثلاث سنوات دون أن تتمكن من تقديمه بسبب التكلفة المرتفعة، ما يؤكد ضرورة البحث عن بدائل للإنتاج التقليدي، للوصول إلى الجمهور المستهدف دون أعباء مالية ضخمة على الأسر. ونوه الفنان فالح فايز بتقديم قدم العديد من الأعمال المسرحية التي تستهدف الأطفال، سواء كممثل أو مخرج، منها بدءا من «منصور قاهر العملاقين» في 1980، وصولا إلى مسرحية «شجرة اللؤلؤ» من أخراجه عام 2019 وهي تأليف شيخة الزيارة.
شعيل الكواري: الأعمال الموجهة تحتاج إلى دعم
أكد الفنان والمخرج شعيل الكواري أن أحد العوامل الرئيسية وراء تراجع إنتاج مسرح الطفل في قطر هو الارتفاع الكبير في تكاليف تأجير المسارح. حيث تتراوح أسعار الإيجار بين 35 ألف ريال لمسرح الريان، و25 ألف ريال للعرض الواحد في مسرح يوفينيو، بينما لا يقل تأجير مسرح كتارا عن 15 ألف ريال.
وقال»إن هذه التكلفة المرتفعة تعوق العديد من الفنانين والمنتجين عن تقديم عروض مسرحية للأطفال، مما يؤدي إلى تقلص الإنتاج المسرحي المخصص لهذه الفئة.
وانطلاقًا من تجربته في إنتاج مسرحية “بيت الباندة سهيل وثريا”، أوضح الكواري أن كتارا دعمت العمل بعرضه في اليوم الوطني على كورنيش الدوحة، إلا أن تقديم المسرحية في مكان مفتوح أجبرهم على تقليص العديد من المشاهد والاستعراضات، حيث لا يمكن للجمهور الواقف متابعة عرض يمتد لساعة ونصف الساعة. كما أن محاولاته لتقديم المسرحية في أماكن أخرى، مثل بعض المولات، اصطدمت بعدم توفر المسارح أو انشغالها بفعاليات أخرى، ما يبرز أزمة ندرة المساحات المتاحة لعروض مسرح الطفل مؤكدا انه يجتهد لتقديم عمل هادف له رسالة وليس للربح..
واقترح الفنان شعيل الكواري أن يقوم مركز شؤون المسرح بدعم إنتاج العروض المسرحية للأطفال بمبلغ يصل إلى 1.5 مليون ريال سنويًا، وهو ما يمكن أن يساهم في إنتاج سبع مسرحيات على الأقل سنويًا، تُعرض على المسارح التجارية بأسعار تذاكر مناسبة للجمهور، دون الحاجة إلى رفع أسعارها لتعويض تكاليف الإنتاج الباهظة.
كما يرى أن المسرح يمكن أن يكون وسيلة فعالة للترويج السياحي لقطر، مستشهدًا بتجربة الكويت، التي شهدت تقديم 24 مسرحية في عيد الفطر الماضي، مستقطبة جمهورًا واسعًا من دول الخليج، لذلك، كما يقترح أن تتولي قطر للسياحة الترويج للأعمال المسرحية القطرية، مع تعزيز حضور المسرح على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يسهم في تكريس مكانة مسرح الطفل ضمن الحياة الثقافية في قطر، ويفتح المجال لظهور عروض جديدة في المناسبات المختلفة، مثل الأعياد والمناسبات الوطنية والاجتماعية.
خالد الحمادي: تكلفة تأجير المسارح عقبة
أوضح الفنان خالد عبدالكريم الحمادي أن ارتفاع تكلفة تأجير المسارح في قطر عقبة رئيسية أمام ازدهار مسرح الطفل، متفقًا مع المخرجين شعيل الكواري وفالح فايز في أن الأسعار المرتفعة للمسارح تحد من الإنتاج المسرحي الموجه للأطفال. لكنه يضيف بُعدًا آخر للأزمة، وهو قلة الأفكار الجاذبة التي تتناسب مع التطور التكنولوجي وسيطرة الوسائل الرقمية على اهتمامات الأطفال.
وأوضح الحمادي أن المسرحيين القطريين أمام تحد كبير لابتكار محتوى حديث يتماشى مع ذكاء الطفل ووعيه، مشددًا على أن المسرحيات يجب ألا تقتصر على الاستعراضات، الألوان، الإضاءات، بل يجب أن تتضمن أفكارًا عميقة تحفز خيال الطفل، وتثير اهتمامه، وتشجعه على المشاركة في العرض والتفاعل معه. فالمسرح لا ينبغي أن يكون مجرد فرجة بصرية، بل تجربة تحترم وعي الطفل واحتياجاته المعرفية والنفسية.
لافتا إلى غياب النجم الجماهيري القادر على جذب الأطفال إلى المسرح، وهو ما يعزوه إلى ضعف الإنتاج التلفزيوني القطري في السنوات الأخيرة، حيث لم يساعد التلفزيون في صناعة نجوم محليين يمكن أن يكونوا محفزين للجمهور لحضور العروض المسرحية.
ودعا الحمادي إلى أن تركيز التلفزيون على الإنتاج المحلي ودعم الفنانين القطريين، حتى يترسخ حضورهم في أذهان الجماهير، ما يخلق قاعدة جماهيرية مستقبلية للمسرح.
وأشار الفنان خالد عبدالكريم الحمادي إلى ضعف التسويق للأعمال المسرحية، إذ يرى أن هناك تقليصا في الدعاية بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، ما يؤدي إلى عزوف الجمهور عن حضور المسرحيات، مقترحا أن يتم توفير خشبة مسرح مدعومة من الدولة، بحيث يتمكن المنتجون من تقديم عروض دون أعباء مالية كبيرة، مما يسهم في استمرارية مسرح الطفل.
وشدد الحمادي على رفضه تقديم أي أعمال مسرحية لا تليق بتاريخه الفني، مستذكرًا أعمالًا مثل “مدينة المحبة”، “المهرج”، و”قرية الزهور”، التي ساهمت في خلق جو من التفاعل بين الأطفال والمسرح. ويؤكد على أهمية دعم الدولة لمسرح الطفل، سواء من خلال تيسير تكاليف الإنتاج، أو توفير مسارح بأسعار معقولة، أو دعم الأفكار الجديدة والمبتكرة، لضمان استمرار هذا الفن المهم في إثراء الحياة الثقافية للأطفال في قطر.
0 تعليق